من المؤلم ان نتحدث في القرن الحادي والعشرين عن المذاهب وحروب المذاهب، وعدم الحديث عن مثل هذا الموضوع لا ينفي وجوده، كما أن الحديث عنه لا يؤكد وجوده، فهل يوجد حرب مذاهب على الأرض أم أن هذا وهم فرضة الإعلام على المشهد السياسي العام ؟؟؟ فمنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر التاريخ الذي فرض نفسه بقوة على الساحة العالمية وذلك بسبب قوة الحدث وضخامته واستثمار أميركا له بطريقة جعلت كل من ينتمي الى العالم الإسلامي بشكل عام والعربي بشكل خاص متهم. هذه الماكينة الإعلامية عملت على تشويه صورة الإسلام بشكل اجمالي ولم تفصل بين مذاهبة ربما لجهل القائمين على المشروع الإعلامي حينها بوجود مذاهب إسلامية متنوعة او لرغبة في تصوير الإسلام بالعنوان الشامل على انه لغة إرهاب لا يمكن قبوله. ونتيجة ذلك التضخيم الإعلامي المسعور قامت اميركا بغزو أفغانستان واحتلالها بهدف تدمير الكيان الإسلامي الاصولي ((طالبان والقاعدة)) المصنوعان أمريكيا وبمال عربي. فبدأت العمليات الانتقامية للقاعدة في السعودية منذ مارس 2003 – رغم ان السعودية تعرضت الى هجمات إرهابية قبل ذلك التاريخ بكثير الا ان هجمات ما بعد احتلال أفغانستان وتبني القاعدة لتلك العمليات له خصوصيه – لان من كان يقوم بتلك العمليات هم من دعمتهم السعودية وهم من السنة أي المذهب الذي تقول السعودية انها تتبعه من خلال المذهب الوهابي. والمناطق التي استهدفت وكذلك الاعتقالات كانت سنية بامتياز – اذن لم يكن الشيعة وراء تلك العمليات والسياق المنطقي إذا كان يوجد حرب مذاهب ان يكون الشيعة هم وراء تلك العمليات !!! والسعودية او لنقل أكثر العالم العربي ((السني)) دعم اميركا بحصار العراق ومن ثم دعم احتلالها ودخولها، وعراق صدام حسين باللغة المذهبية هو سني ولم يكن شيعي. نفس العرب السنة ((باللغة الإعلامية المفروضة)) لم يحركوا ساكن اتجاه فلسطين التي فيها بيت المقدس أولى القبلتين وثاني الحرمين. ولكنهم وقفوا ضد حزب الله في حربه مع إسرائيل عام 2006. وما الحرب الكلامية بين تركيا والسعودية ومصر الا صورة أخرى على حرب سياسية لا مذهبية والتقارب التركي الإيراني هو نموذج اخر لالتقاء مصالح سياسية بين مذهبين رئيسين فحكومة أردوغان ((الإسلامية)) تجد في طهران ((الشيعية)) منفذ سياسي لها رغم وجود عنوان مذهبي على صورة البلدين. واليوم داعش الأصولية تحارب تحت اسم مذهبي صرف ولكنها تهدد الأردن والسعودية وإيران وسورية ولبنان على حد سواء. فالمناطق التي تسيطر داعش عليها في العراق وسورية فيها غالبية سنية لم تَسلم من التنكيل والتعذيب والقتل مثلها مثل باقي المذاهب او متبعي الديانات الأخرى. وبالمقابل هناك تعاون بين النصرة وكتائب إسلامية أخرى مع إسرائيل التي تحتل فلسطين وتعمل على تدمير المسجد الأقصى. وبهذا المرور السريع والمختصر نجد ان هذه الجماعات حربها ليست مذهبية بالصورة التي يرسمها الإعلام ولا هي إسلامية من اجل رفع راية الإسلام كما تدعي هي ويسوق لها عبر محطات غسل العقول والأموال التي تسيطر على جزء من الاعلام العربي ورغم تبني من يتحدثون باللغة الثورية لهذه الاعمال وهذا الخطاب المذهبي وخصوصا ما يسمى ائتلاف الدوحة فان واقع الامر يوضح ان حرب المذاهب لا وجود لها على الأرض بين غالبية سكان المنطقة على الأقل. فلبنان الذي عاش حرب طائفية استمرت خمسة عشرة سنه وجد اهلة الطريق للتفاهم والتعايش وهناك من خرج ينتقد وبشده تلك الحالة العبثية التي شارك فيها او عاشها. ولا يتذكر السوريين انهم عاشوا حرب طائفية فيما بينهم رغم ان سورية هي صورة مكبرة عن لبنان بعدد المذاهب والأديان المتعايشة تاريخيا مع بعضها البعض. فأين حرب المذاهب التي يتحدثون بها ليل نهار ويسخرون لها كل الإمكانيات الخطابية والإعلامية ؟؟ حقيقة الامر ان هذه اللغه المذهبية هدفها تعميق انقسام المنطقة جغرافيا وسياسيا وتعميق دور حالة الخلاف تحت عنوان مذهبي وعرقي لا يمكن إخفاء دور أميركا ومن تشغلهم وكذلك إسرائيل الساعية لإعلان يهودية دولة ما يسمى إسرائيل حيث ان هذه الجماعات تقدم المبرر لإسرائيل فاعلان دويلات سنية شيعية مسيحية ......الخ. يعطي شرعية لا تحتاجها إسرائيل أصلا لإعلان يهودية دولتها المزعومة. ويكفي القارئ ان يتذكر ان الذين دافعوا ويدافعون عن المنطقة لم يتحدثوا عن حربهم بأي لغة طائفية عندما يكون الحديث عن حماية الأرض والعرض. منذ الاحتلال العثماني مرورا بالبريطاني والفرنسي وفي الحرب القائمة منذ أكثر من ستين عام مع الكيان الصهيوني.