بين النائم واليقظان ليلة بدر تراءى لى القمر ناظرا وجهه على مرأة النيل وتساءل من هذا الذى أرى منذ القدم ؟؟ أتوأم لى أم ماذا ؟! وبتصرف لاإرادى يدفعه الحنين إتجه إلى من حسبه توأمه فإذا به يسقط فوق صفحات النيل ... كمٌ هائل من حبات اللؤلؤ تناثرت حوله .... النجوم راحت تتراقص فرحة مسرورة لعل القمر قد لاقى ضالته فوجد توأمه.. عمّت الدهشة الوجود فقد عانق القمر صدر النيل بعد سنين شوق ولوعة حنين ... فقد ظل كل منهما طوال حياته ناظرا الى الاخر متابعا لأحواله دون تلاقى وهاهى اللحظة وقد تلاقى الخل وخليله وحديث بينهما قطع الصمت القاتل فى ليلة قمرية زاهية بدأه النيل قائلا : مرحا بمن إحتوى قلبى طوال العمر صورته ووددت يوما ان أحتضن زاته.. فتبسم القمر فى حياء قائلا: مرحا بمن حلمت طوال عمرى ان أنام على صدره وتضمنى زراعاه.. ثم أردف قائلا: يارفيق العمر ظننت صورتى فوق صفحاتك توأما لى فوددت الذهاب اليه لأأنس به واذا بالتوام أنت بل الرفيق والصاحب ووسط تدفق المشاعر وغزارة العواطف فاضت الدموع من أعين النيل أمواجا حسرة وألماً فسأله القمر ماذا يبكيك ؟! قال النيل بعد أن أخذ نفساً عميقاً متقطعاً كشيخٍ قد دنا أجله ... يارفيق العمر إن من الغرابة أن تسالنى وأانت أعلم من فى الكون بحالى .. قال له القمر كيف ؟ أجاب النيل : أتذكر الأمس وأنظر إلى اليوم فتتملكنى الحيرة ثم أردف قائلا: اليوم أفضل من الأمس فقاطعه النيل قائلا: بل الأمس أفضل من اليوم ... قال القمر كيف وقد وطأ الإنسان ظهرى فأنس وحشتى وبدد مخاوفى ؟ قال النيل : ذلك الإنسان هو نفسه الذى يود الان أن يبدد براءتى ويهدر كبريائى فسأله القمر كيف ؟ أجاب النيل : يارفيقى أتذكر معى وأنت الشاهد الوحيد لحالى طوال حياتى يوم أن كان الانسان يود إرضائى معترفا بالجميل فو صل به الأمر أن يقدم لى أجمل البكارى عروسا يوم الوفاء بل أتذكر طوال السبعة ألاف سنة الماضية وكيف كان يتعامل معى ؟؟ فالمعابد على ضفافى لاتعلوا قامتها قامتى ولاتحجب جمالى عمن يود رؤيتى بينما هو اليوم يتعالى فى البنيان على جانبى ليتوارى جمالى خلف بناياته القبيحة العالية هل رأايت المصريين مثلا وهم يزحفون بالبناء على صفحاتى فيضيقون طريقى ويودون قفل مجراى بل هل رأيتهم وهم يلوثون مياهى بمدخلاتهم ومخرجات مصانعهم ?? فأجاب القمر نعم رأيت ... فسأله النيل بدوره ألازلت تسألنى ماذا يبكيك ؟؟ قال القمر على الفور : لا والله لن أسألك من بعد... وإذا بصوت يأتى من الأفق هوصوت القلم قائلا : سيان ياصاحبى أن تكتب أولا تكتب مادمت وأنت تكتب تشعر بأنك لاتكتب بيد أان هناك من لايكتب وليس يكتب غيره .... وإذا بصوت الورقة من يأتى من بعيد قائلا: وسيان يارفيقى أن تقول أو لا تقول مادمت وأنت تقول تشعر بأنك لا تقول بيد أن هناك من لايقول وليس يقول غيره..... رفعت الأقلام وجفت الصحف ....... وإذا بصدى الصوت يتلاشى تدريجيا ولاأدرى ماذا كان يقصد كل منهما .....ثم راحت النجوم تتراقص فرحة مسرورة فأفسحت مجالا للقمر كى يعود الى منزله بعد أن إحتضن النيل فى عناق فراق.. وبعد أن إطمان بمكانه طلّت الشمس لترسم صورة ذهبية من وراء الأفق على صفحات النيل وإذا بالنيل يشيح بيديه الى القمر لاأدرى لماذا يشيح؟ وإذا بالقمر يشير بسبابته الى النيل لاأدرى لماذا يشير ؟ وإذا بالكون كله يصفق والطيور على أشكالها تغرد لا أعلم شيئا قد حدث بعد هذا سوى أنى قد صحوت من رقادى .. ولازال النيل يبكى ..