لا احد ينكر أن العلمانية صناعة غربية، احتضنتها أوربا لأسباب سياسية و دينية و اجتماعية ساهمت بشكل بارز في ظهورها و تشكيلها ،يمكن إجمالها في: - طغيان رجال الكنيسة دينيا و سياسيا و ماليا. - الصراع بين الكنيسة و العلم؛ حيث وقف رجال الكنيسة و رهبانهم ضد أي جديد أتى من غيرهم، و اعتبروا أنفسهم المصدر الوحيد للمعرفة. - طبيعة الدين المسيحي؛ و يتجلى ذلك في إمكانية الفصل بين الدين المسيحي و الدولة. - الحروب الدينية التي ساهمت بشكل مباشر في التخلص من هذه الوصاية لرجال الدين على الناس بفعل الدمار و الاضطرابات التي خلفته تلك الحروب. و اشمل تعريف لها هو أنها"رؤية عقلانية مادية شاملة للإنسان و الكون و فلسفة عامة للحياة، تؤمن بقدرة العقل البشري المطلقة على فهم الطبيعة و السيطرة عليها ،و تقوم على فصل كل الظواهر الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية عن القيم الدينية و الأخلاقية، و إنكار كل ما وراء المادة و تنحية الغيب و الميتافيزيقا و نزع القداسة عن المقدس" ، و ليست فصل الدين عن الدولة كما يوهم البعض تمويها و تدليسا،و يؤكد العلماني المصري شريف حتاتة ذلك فيقول:"العلمانية دعوة شاملة و ليست قاصرة عن فصل الدين عن الدولة" ، و اعتبر عادل ضاهر:" أنها موقف شامل و متماسك من طبيعة الدين و طبيعة العقل و طبيعة القيم و طبيعة السياسة" ،و قال أيضا:"تعني بالضرورة رفض مبدأ العودة إلى الدين بوصفه المرجع الأخير و السلطة الأخيرة في كل الشؤون" ، و قالت ماجدة رفاعة الطهطاوي:" فالعلمانية لا تنحصر في الفصل بين الدين و الدولة ،و إنما هي قطيعة معرفية مع الماضي أي الانتقال من هيمنة الفكر الميتافيزيقي (المطلق) التي اتسمت به العصور الوسطى إلى الأزمنة الحديثة التي اهتمت بالحقائق النسبية و الجزئية و أعطت الأولوية للعقل و حرية التفكير" . فهؤلاء العلمانيون ينزلون الوضعية التي كانت عليها أوربا و طبيعة الدين المسيحي الذي صبغ العقل بالخرافات، و الدعوة إلى الركون و الخضوع، و عدم إعمال العقل في الإبداع الهادف، و الابتكار الجميل و التقدم الحضاري، فظنوا أن الإسلام نسخة أخرى من النسخ التي تقف ضد ما ذكرت ،و لو أن هؤلاء قاموا و لو بالاطلاع اليسير عن حضارة الإسلام و ما قاموا به و قدموه للإنسانية جمعاء لانقشعت الشبه التي تغذوها من المستشرقين و المنصرين و أعداء الإسلام ليصبحوا معول هدم لكل ما يمت صلة بالإسلام (عقيدة، و تشريعا، و أحكاما، و تاريخا، و سلوكا)، ليظهر بعد ذلك في المجتمعات الإسلامية ثلة من الغلمان -بعد أن تنكروا لدينهم و هويتهم و تاريخهم و ثقافتهم- راحوا يرددون و يكررون ما صدر من أسيادهم في الغرب، فحق فيهم قول القائل أنهم مجرد فقاعات لا تعدو أن تكون غلمان لبني علمان يستهزئون و يطلقون الشبهات بما يملكونه من وسائل إعلامية و مؤسسات و مراكز و هيئات مختلفة؛ يجتهدون من خلالها في عرض برامجهم و موادهم،- و هي حقيقة سموم- لضرب هوية المجتمع و قيمه و أصالته و ثقافته، و الغرض من ذلك واضح علمنة المجتمع و تغريبه، يقول شاكر النابلسي: "و رغم أن هناك نصا في الدساتير يقول بان الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين إلا أن هذه الشريعة كثيرا ما تفشل في حل المشاكل المستجدة" الأحداث ع2265 ،و يقول عبد القادر النبة:" لا القران و لا الحديث يقدمان مفتاحا سحريا لحل مشاكل البلاد ،و لو كان الأمر كذلك لكنا خير امة أخرجت للناس منذ زمن، و في هذا الإطار أتحدى أيا كان أن يأتيني بأية أو حديث يعطي حلولا للفقر و البطالة" الأحداث ع2642 ،و يقول ملوف أبو رغيف:" لكن الحياة في هذا الدين هي مثل الحياة في داخل السجن، و إن كان السجين في زنزانته قد عوقب لارتكاب جريمة ما ،فان جريمة المرأة المسلمة هي أنها ولدت في مجتمع إسلامي" الأحداث ع2633 ،و قال حميد باجو:"فالمطلوب هنا هو إعادة التأسيس الكلي لمجمل ثوابت الثقافة الإسلامية، بما فيها التصورات حول الله!! و الروح!! و العالم الآخر!! و الخلق!! و الإنسان!! أو كل ما يعتبر لحد الآن انه من علم الغيب لا يحق للإنسان أن يسال فيه!!" الأحداث ع1942 ،فهذا أسلوب غلمان بني علمان الاستهزاء بالمقدسات و إثارة الشبهات غير مبالين لأكثرية المسلمين في المجتمع المغربي و لا لمرجعيته و أعرافه، متخذين من المرجعية الكونية دينا و هوية و أصلا و منطلقا لا يحيدون عنه قيد أنملة، و لذلك تراهم يستخدمون أساليبهم الملتوية لتخريب المجتمع و هي: - وسائل الإعلام المختلفة كما أسلفنا الذكر. - التغلغل في الجانب التعليمي و محاولة إفساده. - إجراء الدراسات و الأبحاث التي تملا بالتوصيات و المقترحات و الحلول لطرح أفكارهم على ارض الواقع. - عقد المؤتمرات و الندوات التي تعالج مختلف الأحكام و التشريعات لإصدار أفكار و مقترحات علمانية غربية لا صلة لها بمرجعية المغاربة. -تغريب المرأة المسلمة و ابتعاثها للخارج، و هذا ما حصل للكثير من النساء اللاتي استوردن أفكارا و تصورات ينشرونهن بين النساء. - التعسف في استخدام المناصب ،و ذلك بإصدار القوانين و القرارات التي تخالف الشريعة الإسلامية. - العمل و التوظيف غير المنضبط بالاختلاط ،و محاربة الحجاب في أماكن العمل. - الدعوة إلى إتباع الموضة و الأزياء و إغراق الأسواق و المحلات التجارية بالألبسة الفاضحة و هي مسالة خطيرة. - إنشاء التنظيمات و الجمعيات و الاتحادات التي تعمل على تغريب المجتمع و علمنته. - التظاهر بالدفاع عن حقوق الإنسان ،و إثارة قضايا تحرر المرأة. - الهجوم على الحجاب و العفة و الفضيلة، و تمجيد الرذيلة تحت أسماء براقة كاذبة. فهذه أساليب بني علمان يودون لو أن المجتمع كله انساق وراءهم و تنكر لهويته و إسلامه. و قد يعترض البعض بهذا التيار و يقول أن في هذا الكلام مزايدة و مبالغة و لا يصل الأمر إلى كل هذا، و الجواب أسوقه من خبير بهذا التيار سبر أغواره و فضح عواره ،و هو الباحث السلاوي مصطفى باحو في كتابه القيم:" العلمانيون العرب و موقفهم من الإسلام" إذا يقول رادا على مثل هذه الأقوال:"إذا كان يمكن للمسيحي المحافظة على دينه في ظل العلمانية ؛لان المسيحية مجموعة وصايا و آداب تمارس داخل الكنيسة، فان الإسلام بتشريعاته المتعددة و المتداخلة و الشاملة لكافة مناحي الحياة يستحيل تطبيقه في ظل نظام علماني. فالعلمانية تؤطر المجتمع و توجهه بطريقة لا تمكن المسلم من ممارسة دينه في جو مطمئن. فلا يستطيع المسلم أكل الحلال وفق مفهوم الشريعة لان الشريعة؛ كما ترى العلمانية لا دخل لها في التحليل و التحريم، فذبح الحيوان هو طقوس دينية لا تلزم العلمانية، و تحريم الخنزير و الميسر و الربا فروض دينية لا ترى فيها العلمانية إلا كوابح دينية يجب تجاوزها و إلغاؤها، و بالتالي فلن يجد المسلم أين يضع ماله، و لا حلالا يأكله. و تبيح العلمانية للمرأة كشف مفاتنها و عورتها، و تبيح لها ممارسة الفاحشة برغبتها، فيتعرض المسلم للتحريش و الإغواء و الفتنة. و لا يسمح في ظل النظام العلماني للمسلم منع ابنته من الاختلاط و التبرج، بل و العري التام، و اتخاذ صديق لها تدخله معها منزل والدها المسلم، و الويل للأب المسلم المسكين إن اعترض، فقوانين العلمانية صارمة في ردعه و تركه عبرة لأمثاله. و للابن في ظل العلمانية اتخاذ الخليلات، و مشاهدة أفلام الإباحة في منزل والده، الذي هو ملزم بالنفقة عليه. و ليس أمام المسلم إلا طاعة المبادئ العلمانية و الانصياع لها ؛فكيف يقال: أن حرية التدين مكفولة في ظل العلمانية؟! و أما الإعلام فسواء عرض أفلام الجنس أم عروضا نسائية عارية تماما فلا يحق للمسلم أن يعترض أو ينكر، و للإعلام الدفاع عن الدعارة باعتبارها نشاطا اقتصاديا مربحا، أو عرض أصناف الخمور و التحريض على شربها، أو بيان أصناف طهي الخنزير، و ما على المسلم إلا الإذعان و الاستسلام، و كل ما يمكنه فعله أن يردد: لا حول و لا قوة إلا بالله، إن تركت له العلمانية إيمانا يستطيع به فعل ذلك. و أما الحديث عن تغيير المنكر فاحد المستحيلات العشر في دين العلمانية. هذا فضلا عن أن هناك أركانا و واجبات دينية شرعية لا يمكن القيام بها إلا في ظل دولة إسلامية تحمي هذه الواجبات، و إلا يستحيل القيام بهذه الشعائر دون وجود السلطة السياسية التي تحميها، بل و تقوم بها .كالزكاة، و الجهاد، و الشورى، و العدل الاجتماعي، و إقامة الحدود، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و تحريم الخمر، و تحريم الخنزير، و منع التبرج، و غيرها. و هل السياسة العلمانية التي تحلل الحرام الشرعي مثل الزنا و الخمر و الربا و العري و التفسخ و الأفلام الإباحية و الشذوذ، و تدافع عنها و تنشرها بشتى الوسائل، و تحرض عليها إعلاميا و اشهاريا، و تذود عنها امنيا ،و تحميها عسكريا و قانونيا تعتبر محايدة ضد الدين و لا تسعى لتهميشه". فهذا جواب الشبهة و حقيقة ما يصبوا إليه بني علمان بمختلف أصنافهم من حداثيين و ليبراليين و يساريين.