حتّى مطلع السبعينات من القرن الماضي كانت مصر تشكّل محضنة لكلّ الثورات العربية ومنهلا لها وملهما لرجالها،ما كان هناك من ملحمة تحرير او حرب على المستعمر واذنابه الاّ وكان لها فيها نصيب الأسد بكلّ انواع المساندة والدعم المادّي والمعنوي،ثمّ انكمش دورها وطفت على الساحة نظرية "عدم التدخّل في شؤون الأقطار العربية" التي كان لها روّاد برزوا من داخل مصر وتداول بعضهم على رئاسة الجامعة العربية فجعلوها تأخذ ذلك المنحى،وهكذا اسدل الستار على دور مصر الريادي سواء حين توجّه اهتمام قيادتها للتفاوض مع الكيان الصهيوني وابرام معاهذة سلام معه او لمّا تولّى امرها "حسني مبارك" فعندئذ يمكن القول بأن مصر وقفت خلف اسوارها وتوارت عن بقيّة العرب فباتت تتعامل معهم كسائر الدول وفي نطاق المواثيق والإتفاقيات وانهمك حاكمها يرتّب البيت من الداخل فمدّ شرايينه في كامل الجسد المصري وبسط سيطرته عليه مؤجّجا من جديد وبأسلوب متردّد نعرة "القومية المصرية" التي كان المصريون الأشاوس قد تخلّصوا منها ومزّقوا اشرعتها،وهكذا افلح في ابعاد مصر عن بقيّة اجزاء الوطن العربي فما عادت تجمعها بهم سوى مناسبات روتينية لا طعم لها او مواقف يتخذها "مبارك" من حين لآخر لذرّ الرماد في العيون...ولكن انّى له ولكلّ حكّام العرب ان يفرّقوا بين الروح والجسد فما ان تعالت الهتافات في سماء تونس ثائرة على الطغيان حتّى ردّد شعب مصر هديرها ثمّ انضمّ اليها واضرم ثورته تحت اقدام فراعنته...وعندئذ ادرك جبابرة العرب كلّهم ان الأرض ستزلزل زلزالها لأن مصر التي خطفوها منّا عادت الينا.