قبل إنطلاق المرحلة الأولى.. قواعد يجب مراعاتها في تنسيق الجامعات 2025    25 يوليو 2025.. أسعار الذهب تتراجع 20 جنيها    الكويت ترحب بإعلان فرنسا عزمها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين    «العربي للعدل والمساواة»: موقف ماكرون تجاه فلسطين يمثل تحولًا في الرؤية الغربية    استشهاد شخص في استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لسيارة في جنوب لبنان    الزمالك يُعيّن محمد علاء مترجما لفيريرا    بيراميدز يتجه إلى إسطنبول لمواجهة قاسم باشا    رحيل هالك هوجان| جسد أسطوري أنهكته الجراح وسكتة قلبية أنهت المسيرة    إيجابية عينة المخدرات ل 295 سائقًا وتحرير 113 ألف مخالفة مرورية    حريق يلتهم وحدة سكنية في عقار من 4 طوابق بالعاشر من رمضان    مصرع شخصين إثر حادث تصادم أعلى الطريق الإقليمي في الشرقية    فيلمان تسجيليان عن الخيامية والأوانى التراثية بأوبرا دمنهور    نائب وزير الخارجية الإيراني: أجرينا نقاشا جادا وصريحا ومفصلا مع "الترويكا الأوروبية"    الدفاع الروسية: تدمير 4 منصات إطلاق لمنظومة "باتريوت" في أوكرانيا    "الإصلاح والنهضة" ينظم برنامجا تدريبيا لتعزيز جاهزية الأعضاء الجدد للعمل الانتخابي    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    «الرعاية الصحية» : تقديم 112 ألف جلسة غسيل كُلوي بأسوان ب«التامين الشامل»    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    Stray Kids يعلنون عن عودتهم المرتقبة بألبوم Karma (فيديو)    شقيقة مسلم: عاوزة العلاقات بينا ترجع تاني.. ومستعدة أبوس دماغة ونتصالح    محافظ أسيوط يشهد الكرنفال السنوي لذوي الهمم بدير العذراء والأمير تادرس (صور)    ضبط 596 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    جامعة القناة تنظم دورة عن مهارات الذكاء العاطفي (صور)    طريقة عمل العجة فى الفرن بمكونات بسيطة    الوقار الأعلى.. أسعار الأسماك اليوم في مطروح الجمعة 25 يوليو 2025    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    هل رفض شيخ الأزهر عرضا ماليا ضخما من السعودية؟.. بيان يكشف التفاصيل    بعد تكرار الحوادث.. الجيزة تتحرك ضد الإسكوتر الكهربائي للأطفال: يُهدد أمن وسلامة المجتمع    تقارير: الفتح يستهدف ضم مهاجم الهلال    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    انطلاق مهرجان «ليالينا في العلمين» بمشاركة واسعة من قطاعات «الثقافة»    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    حكم الصلاة خلف الإمام الذي يصلي جالسًا بسبب المرض؟.. الإفتاء تجيب    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    حفر 3 آبار لتوفير المياه لري الأراضي الزراعية بقرية مير الجديدة في أسيوط    مصرع وإصابة 14 شخص فى تصادم مروع بين ميكروباص ولودر بطريق الشلاتين    ملحمة طبية.. إنقاذ شاب عشريني بعد حادث مروّع بالمنوفية (صور)    تقنية حديثة.. طفرة في تشخيص أمراض القلب خاصة عند الأطفال    أسعار النفط تصعد وسط تفاؤل بانحسار التوتر التجاري وخفض صادرات البنزين الروسية    الليلة.. الستاند أب كوميديان محمد حلمي وشلة الإسكندرانية في ضيافة منى الشاذلي    بعد إثارته للجدل.. أحمد فتوح يغلق حسابه على "إنستجرام"    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    صفقة الزمالك.. الرجاء المغربي يضم بلال ولد الشيخ    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    أسعار البيض اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    إلكترونيا.. رابط التقديم لكلية الشرطة لهذا العام    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمزيق السودان‏...‏ المخطط والنتائج المدمرة‏(4‏ 4)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 02 - 2011

لاتملك دولة الجنوب الوليدة الا‏60‏ كيلو مترا من الطرق المرصوفة ولاتملك خطوطا للسكك الحديدية ولاتملك موانيء بحكم أن جغرافيتها من الأركان الاربعة داخل اليابسة الافريقية. ولايتوافر للمواطن او منشأت الأعمال مصادر لمياه الشرب النقية وتغيب الأمدادات الحكومية للطاقة ويعتمد الجميع في توفير المياه والكهرباء علي الجهود الذاتية او علي بعض مشروعات الصرف الصحي التي تتولاها البعثات التبشيرية‏,‏ كما يفتقد الجنوب بما فيه العاصمة جوبا للأمن بالرغم من الغالبية العظمي لموازنة الجنوب علي امتداد السنوات الماضية ومنذ توقيع اتفاق نيفاشا للسلام عام‏2005‏ توجه للجيش الشعبي وقوات الأمن والبالغ قيمتها نحو ملياري دولار تشكل حصة الجنوب من ايرادات النفط السوداني البالغة‏50%‏ من إجمالي الايرادات وتشكل الايرادات النفطية نحو‏98%‏ من ايرادات الجنوب بما يعنيه من غياب مصادر الايراد الأخري وضاف لذلك الغياب شبه الكامل لقطاع الصناعة مع الضف الشديد لقطاعي الزراعي والخدمات ويعكس ذلك فقدان المقومات الاقتصادية للدولة وصعوبة اتخاذ القرارات الاستثمارية مع غياب البنية الاساسية بكل عناصرها وانعدام الأمن اللازم للمعاملات والأعمال يضاف لذلك انتشار الفساد والتسيب والفوضي في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية وتدني مستويات المعيشة للغالبية العظمي من المواطنين مع غلاء الاسعار الفاحش بالرغم من مظاهر الغني والترف اللافتة للنظر للقيادات العليا الحاكمة التي تنتمي جميعا للجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يعني اسمه مسئوليته عن تحرير الجنوب والشمال علي السواء‏.‏
وقد تضمنت التقارير الصحفية الكثيفة المصاحبة لاستفتاء الانفصال احاديث مريرة عن المغالاة الشديدة في اسعار المبيت بالفنادق التي تبلغ‏250‏ دولارا للفرد في الليلة الواحدة بفنادق ثلاث نجوم علي أفضل تقدير‏,‏ وكذلك الاشارة الي أن اسعارالفاكهة والخضراوات في العاصمة جوبا تزيد علي اسعار مثيلاتها في العاصمة الفرنسية باريس مع الاشارة الي اكواخ الصفيح والأخشاب التي يعيش فيها الغالبية من سكان العاصمة وعدم توافر المياه والكهرباء والصرف الصحي والطرق المرصوفة‏,‏ وفي نفس الوقت تم رصد مظاهر الثراء والبذخ للمساكن الفاخرة وسيارات الدفع الرباعي ومايحيط بمواكب القيادات من اجراءات أمنية مشددة وهي ظواهر متكررة ونمطية في كل عواصم الدول الأفريقية جنوب الصحراء مع بعض الاختلافات هنا وهناك‏.‏
وللانصاف فإن اهمال الجنوب بهذه الدرجة البشعة وفقدانه للمقومات الاقتصادية للدولة لاتتحمل مسئوليته حكومة الجنوب ولكنه ميراث طويل من الاهمال بدأ منذ الاحتلال البريطاني وتعمق عبر سنوات اعتبار منطقة مغلقة ومقفلة يديرها الاحتلال فقط لاغير ولايسمح بحرية التحرك فيه الا للبعثات التبشيرية التي توافق عليها وترخص لها سلطة الاحتلال وتحدد لهانطاق تحركها وعملها وامعانا في عزلة الجنوب فإن خطوط السكك الحديدية توقفت عند وسط السودان وأهملت الطرق حتي لايتحرك البشر ويظلوا أسري لجغرافيتهم المحيطة واقتصر التعليم علي مدارس البعثات التبشيرية في اضيق نطاق مما عمق الأمية والجهل خاصة في ظل تعدد اللغات واللهجات ومقاومة الاحتلال للغة العربية وقد تواصلت هذه السياسات بدرجة أو بأخري بعد الاستقلال واستمرت معاناة الجنوبيين من الاهمال والتهميش بجميع صوره واشكاله وحققت المعاناة في ظل الحرب الأهلية التي لاتهدأ واعلان الحرب بين الجنوب والشمال وتحول الوطن الواحد الي مساحة للقتال بديلا من أن يكون ساحة للبناء والتنمية والتقدم‏.‏
توجيه الموارد للانفاق العسكري واهمال التنمية
وحتي عندما اثبتت الأمور للجبهة الشعبية لتحرير السودان منذ اتفاق السلام وبدأت تتوافر لها بعض الموارد فإن هذه الموارد لم تخصص للتنمية ولم تخصص لرفع المعاناة عن البشر ولم يوجه جزء ملموس منها لمشروعات البنية الاساسية المحورية لبناء الدولة الجديدة بل تم استخدام الموارد المتاحة للانفاق علي الجيش الشعبي ورواتبه واجوره ومتطلبات تسليحه ليس فقط ليكون قادرا علي مواجهة الشمال وجيوشه ولكن حتي يكون الأقوي في مواجهة الفصائل المسلحة العديدة المنتشرة بالجنوب وحتي يضمن أن يكون له اليد العليا والطولي مع الأنفصال وقيام الدولة يضاف لذلك توجيه الموارد المالية لضمان الولاء من مختلف القبائل المتعددة والمتنوعة وكذلك التوقف عن التحرش واثارة القلاقل من الفصائل المسلحة المتمردة والرافضة لهيمنة الجبهة الشعبية علي كل مقاليد الأمور مما ساعد علي هدر مالايقل عن‏9‏ مليارات دولار تم تحويلها من المركز في الخرطوم الي جوبا عاصمة الجنوب منذ توقيع اتفاق السلام عام‏2005‏ وتصرفت فيها حكومة الجنوب وفقا لارادتها المنفردة وبدون تدخل أو وصاية من الشمال وفعلت بها ماتريد بغير رقابة وبدون مساءلة بحكم اوضاع مؤسسات الجنوب الهشة واوضاع اللاسلم واللاحرب التي خيمت علي الأفق بمبرر وبدون مبرر‏.‏
ومشكلة المشاكل الرئيسية للدولة الوليدة ترتبط بأنتاج النفط في المرحلة القادمة بحكم عدم امتلاك البنية الاساسية اللازمة للتكرير واللازمة لنقله للتصدير للخارج‏,‏ حيث يحتكر الشمال في الوقت الراهن بصورة شبه كاملة مجمل البنية التحتية النفطية الخاصة بعمليات التكرير وعمليات النقل والشحن والتصدير من خلال موانيء الشمال ويحتاج الجنوب الي استثمارات ضخمة وسنوات عديدة لتشييد بنيته التحتية النفطية وتتطلب الاوضاع الراهنة توافقات مع الشمال لضمان استمرار ضخ النفط وتحقيق الايرادات والموارد الحالية والا توقفت عجلة الحياة عن الدوران تماما في الجنوب مع انقطاع المصدر شبه الوحيد للدخل المتمثل في ايرادات البترول التي تشكل نحو‏98%‏ من ايرادات الموازنة العامة وتتعقد الأمور في ظل عدم وجود صناعة وغياب الانتاج الصناعي بكل صوره وأشكاله والاعتماد الكامل علي الاستيراد لتوفير كل السلع والمنتجات الصناعية‏,‏ أضافة لتشكيلة كبيرة من السلع الغذائية الاساسية وكذلك تخلف قطاع الخدمات خاصة قطاع الاتصالات الحيوي والضروري لانعاش الاقتصاد وتحديثه وجذب الاستثمارات الخارجية وتنميتها ويعاني الجنوب نقصا حادا في التنمية البشرية مع ضآلة عدد المدارس كما يعاني فقرا شديدا في الخدمات الصحية ويعتمد غالبية السكان في حياتهم اليومية علي حرفة الرعي ومازال الكثيرون يعيشون حياة بدائية شديدة القسوة‏.‏
وتصل المساحة الجغرافية للجنوب الي نحو‏25%‏ من اجمالي مساحة الدولة السودانية يوضعها الراهن قبل الانفصال والبالغة نحو‏2,5‏ مليون كيلو متر مربع وهي تعد بذلك الدولة الاكبر من حيث المساحة في القارة الافريقية وفي ظل تواضع مؤشرات التنمية البشرية وخاصة التعليم والصحة فإن هناك نقصا شديدا في قوة العمل المؤهلة والمدربة اللازمة لكل الانشطة الاقتصادية واللازمة كذلك لادارة مؤسسات الدولة ويستوعب الجيش الشعبي اعدادا كبيرة من قوة العمل ويصعب تقليص اعداد الجيش وتسريح الجانب المهم من جنوده وضباطه وقياداته نتيجة للصراعات والحساسيات القبلية وحتمية مراعاتها والحفاظ علي حقوقها المكتسبة والا اسرعت الدولة الوليدة بالدخول في مرحلة الفوضي والحرب الأهلية ويشكل ذلك عائقا مهما امام اي أحاديث تنموية في المستقبل القريب ويهدد طموحات الدولة الوليدة في تغيير معادلات الواقع الاقتصادية والاجتماعية والانسانية الصعبة والمريرة خاصة وأن تجربة الاستقلال في الغالبية العظمي لدول جنوب الصحراء تثبت الفشل الكبير في تلبية الحد الأدني من الطموحات العامة والخاصة وتعميق كل مظاهر الفقر والحرمان وجميع صور وأشكال الاحباط التنموي وتصاعد وتيرة الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة علي الرغم من المساعدات الاقتصادية والتنموية الغربية التي وجدت طريقها الي جيوب السياسيين الفاسدين وتحولت لتمويل الجيوش واستيراد السلاح
معضلات تقاسم مياه النيل ومخاطر تقسيم دولة الممر
ويبقي من دولة الجنوب الوليدة جانب شديد الأهمية والحيوية لمصر وهو أيضا شديد الحيوية والأهمية لمستقبل التنمية الاقتصادية في الدولة الوليدة وهو الجانب المرتبط بمياه النيل ووفقا للوضع الحالي لدولة السودان الموحدة فإنها تعد دولة الممر في حين تحسب مصر باعتبارها دولة المصب وفي البداية هناك دول حوض نهر النيل منها تأتي المياه وفيها تسقط الأمطار ومع الانفصال أصبحت هناك أوضاع جديدة ترتبط بتفكيك دولة الممر إلي دولتين احداهما ماتبقي من دولة السودان في الشمال وعاصمته الخرطوم وهي تقع مباشرة علي حدود مصر الجنوبية وتحولت الي منطقة جغرافية عازلة مع دولة الجنوب يمتنع التواصل الجغرافي المباشر بينها وبين مصر كما أن المستجدات المرتبطة بالانفصال تخرج بدولة الجنوب علي الأرجح وفي الغالب الأعم عن منظومة الدول العربية والعالم العربي وتجعلها خارج نطاق عضوية جامعة الدول العربية بكل ماتعنيه من توافر حد أدني مشترك للمعاملات والاتصالات والتوافقات تحت مظلة مصرية تملك اتفاقياتها الخاصة ومنظماتها المتخصصة وأهدافها المشتركة حتي وان لم يتحقق منها إلا القليل‏.‏
ومع التركيبة العرقية لدولة الجنوب الجديدة والهوية الافريقية والأحاديث التي توجه والانتماء والحسابات مع العرب والهوية العربية فإن المطروح يقودها الي التوجه نحو دول شرق افريقيا التي تملك معها بالفعل علاقات قوية وكانت سندا علي امتداد سنوات طويلة للانفصال وحركاته خاصة الحركة الشعبية‏,‏ ويعني ذلك ان دولة الجنوب كدولة ممر جديدة أصبحت تنتمي بالفعل والواقع الي مجموعة دول حوض نهر النيل بكل حساسياتها وانفعالاتها وتحفظاتها علي الحقوق التاريخية المصرية في مياه نهر النيل وأصبح هناك صوت داخل المجموعة أقل التزاما بالتوجهات المصرية وأقل تعاطفا معها بحكم مصالحه مع الاطراف الأخري التي تتخذ بالفعل موقفا تتصاعد حدة نبرته العدائية يوما بعد يوم‏,‏ وهو مايعني أن التكتل المناويء للمصالح المصرية قد ازداد عددا وأضيف إليه عضو جديد في الغالب الأعم‏.‏
وقد تحولت بحيرة السد العالي بحيرة ناصر الي مشروع مائي مشترك بين مصر والسودان وهي تمتد في الأراضي السودانية بالشمال الي مساحات ضخمة وكبيرة ولابد وأن تصبح في القريب العاجل موضوعا مهما من موضوعات الحوار المشترك المصري السوداني بحكم تصاعد أزمة المياه وتعقيداتها والاحتياجات المتزايدة للبلدين وماتم انشاؤه بالفعل في السودان من سدود لتخزين المزيد من مياه النيل ورفع مستويات استغلال حصة السودان البالغة‏18,5‏ مليار متر مكعب سنويا من إجمالي المياه الواصلة عند اسوان جنوب مصر والبالغة‏84‏ مليار متر مكعب وحين تبلغ حصة مصر‏55,5‏ مليار متر مكعب وكانت السودان وحتي وقت قريب لا تستطيع استخدام كامل حصتها ولكن خطط بناء البنية التحتية للري وماتتضمنه من سدود يتيح لها الوصول الي هذا الهدف خلال السنوات القليلة المقبلة عند القدرة علي توفير الاستثمارات اللازمة وهي ضخمة وكبيرة‏.‏
مشروع قناة جونجلي ركيزة هامة للتعاون المشترك
وتعتمد الزراعة في الجنوب اساسا علي المطر الذي تبلغ معدلاته السنوية في المتوسط مايتراوح ما بين‏700‏ و‏1500‏ سم مكعب سنويا وفقا للمناطق الجغرافية المختلفة‏,‏ ويمتد موسم الأمطار فترة طويلة تمتد لفترة سبعة أشهر‏(‏ ابريل أكتوبر‏)‏ وهناك فترة جفاف تمتد لخمسة أشهر تتطلب الزراعة خلالها تعديلا جذريا في نظم الري يحتاج تنفيذه لاستثمارات بالغة الضخامة وكان تنفيذ قناة جونجلي في منطقة بحر الغزال يشكل أملا كبيرا للتنمية الزراعية للجنوب في منطقة بحر الغزال حيث يتيح المشروع تجفيف مساحات شاسعة من الأراضي يرتفع منسوب المياه بها حاليا بما يعوق زراعتها ويحولها الي أحراش وأدغال لا يمكن الاستفادة منها وهي تعد بمثابة مستنقعات غير مأهولة وبالتالي فإن تنفيبذ مشروع قناة جونجلي يفيد الجنوب كما يفيد مصر والسودان لأنه يتيح الاستفادة من الأرضي والاستفادة من المياه التي تضيع وتفقد في الاحراش والمستنقعات وكان تنفيذه يتم بالاتفاق بين الحكومتين المصرية والسودانية وتم بالفعل تنفيذ الجزء الأكبر من المشروع حيث تم حفر‏260‏ كيلو مترا من اجمالي‏360‏ كيلو متر وشملت المرحلة الاولي حفر قناة جونجلي الرئيسية‏,‏ ولكن اضطراب الأحوال واندلاع الحرب الأهلية أوقف التنفيذ تماما ودفعه للسقوط من ذاكرة العلاقات المصرية السودانية‏.‏
ومع ضرورات استئناف العمل في مشروع متابعة جونجلي باعتباره مشروعا تنمويا حيويا للجنوب فإن هناك اطرافا ثلاثة لابد وأن تتشارك وتتفق لتنفيذ المشروع وإعادة الحياة اليه ولابد أن يكون مدخلا هاما ورئيسيا للدعم والمساندة المصرية للتنمية الجنوبية وتوثيق العلاقات والصلات خاصة وأنه يضيف نحو‏4‏ مليارات متر مكعب الي إيراد نهر النيل وفي ظل الأوضاع الجديدة فإن نصيب السودان المتفق عليه لابد وأن يكون محلا للتفاوض بين الشمال والجنوب بحكم أن نصيب مصر محدد في الأتفاقية حول المشروع كما أن النسبة التي تخص مصر في تمويل الأستثمارات تبقي كما هي مع تغير قيمتها الفعلية طبقا لمتغيرات قيم التكاليف عبر السنوات الماضية‏,‏ ويرتبط تنفيذ المشروع برغبة حكومة الجنوب في احداث تنمية زراعية كثيفة وسريعة أكثر مما يرتبط باحتياجها لمياه النيل مما يجعل قرار اعادة التنفيذ قرارا سياسيا بالدرجة الأولي يرتكز علي طموحات السياسة أكثر من ارتكازه علي مقتنيات وضرورات التنمية والاقتصاد‏.‏
ومع القول إن حصة السودان من مياه النيل هي المطروحة للتقاسم بين الشمال والجنوب فإن ما تثيره دول حوض النيل من علامات استفهام حول الاتفاقيات التاريخية المعقودة لتنظيم مياه النيل وحماية حقوق الأطراف المختلفة في دول الحوض والممر ودولة المصب يمكن أن يكون محلا للنزاع والتنازع من قبل الجنوبيين خاصة فيما يرتبط بالاتفاق المصري السوداني لتقاسم مياه النيل الموقع عام‏1959‏ المحدد لحصص البلدين وهو ما يمكن أن يضيف عناصر ضغط اضافية علي الموقف المصري ويفتح جبهة جديدة للصراع خاصة وأن الحكم السوداني طوال السنوات الماضية وحتي في ظل نزاعات دول حوض النيل لم يلوح من قريب أو من بعيد بورقة اتفاقية تقاسم المياه وتعامل الطرفان المصري والسوداني معها باعتبارها قضية محسومة غير قابلة للنقاش‏.‏
‏***‏
مع إعلان دولة الجنوب الجديدة فإن واقعا مختلفا تماما يضاف الي عمق الجنوب المصري يغير معادلاته وتوازناته وحساباته فهي دولة افريقية تنتمي لدول شرق افريقيا وهي دولة حصلت علي استقلالها بدعم مكثف امريكي غربي ومساندة متعددة الأشكال والأنواع من الكيان الصهيوني الغاضب بالتدريب العسكري والمخابراتي والأمني الكبير وبتوفير السلاح والعتاد وتكتيل دول شرق افريقيا خاصة أوغندا وكينيا والكونغو لمساندة الأنفصاليين خاصة الجيش الشعبي بكل ما يعنيه ذلك من قيام دولة في عمق الجنوب مختلفة من حيث الولاءات والأنتماءات والتوجهات تصب مصالحها في خانات ومسارات لا تلتقي بالضرورة مع المصالح الاستراتيجية المصرية العليا بل تتقاطع معها في العديد من الأمور وقد تصل الي التصادم معها في قضايا حيوية وجوهرية مثل مياه النيل وحقوق مصر التاريخية وتوجهات التكتل المعارض لمصر في تجمع دول حوض النيل‏.‏
وعقب حرب‏1967‏ كان السودان يعني عمقا استراتيجيا للجيش المصري وللدولة المصرية في حرب التحرير ضد الكيان الصهيوني الغاصب ونقلت مصر جانبا من الجيش والطائرات الحربية والكليات العسكرية الي السودان حتي يتم إعادة تأهيل وإعادة ترتيب الأمور علي الجبهة المصرية وعلي الرغم من كل الخلافات والصدامات بين الدولتين المصرية والسودانية وتصاعدها بعد المحاولة الفاشلة للاعتداء علي الرئيس حسني مبارك عام‏1995‏ خلال زيارته لاثيوبيا للمشاركة في القمة الافريقية فإن مصر د حرصت بكافة الوسائل والسبل علي عدم قطع جسور التفاهم والتعامل والعمل المشترك بمعانيه الكبري في الأمن القومي المصري مما يستوجب عملا دؤوبا ومكثفا لضمان عدم الإضرار بالأمن القومي من بوابة دولة الجنوب باستخدام كل الطرق والأساليب والوسائل مهما كانت طبيعتها ومسماها‏.‏
كما تبقي في النهاية والبداية نقطة شديدة الخطورة ترتبط بالغارقين في أوهام العداء لمصر الموجودين في الشمال الذين كانوا دوما فصيلي الاختلاف والخلاف وفصيل التفرقة والفرقة والأكثر أهمية أنهم الفصيل الذي يحمل لواء التحريض ضد المصالح المصرية خاصة في قضية المياه وكأنهم سدنة وكهنة النظام الاستعماري البريطاني الغابر والناطقين بأسم المخطط الصهيوني الأمريكي الغربي وفي مقدمتهم جماعة حزب الأمة ودعوات رئيسه الصادق المهدي التحريضية بأن تطالب دول الحوض والممر مصر بأن تسدد ثمنا لمياه النيل في واقعة مريبة وغريبة لم يتحدث بها أحد للدول المستفيدة من الأنهار والمياه علي امتداد خريطة العالم وهي دعوة لا تجد تفسيرها الا في احقاد ونستون تشرشل السياسي البريطاني الشهير عندما كان وزيرا للمستعمرات في بداية القرن العشرين عندما قال إن نهر النيل هو نخلة جذورها في دول الحوض وساقها في دولة الممر أما ثمارها فتتمتع بها دولة مصر وهو ما يفسر الكثير من المخططات الراهنة وتحركات أطرافها ويكشف المشاركين الفاعلين في مخططات العداء والتحريض؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.