عانى الفلسطينيون في الموانئ المصرية البرية والجوية والبحرية من سوء المعاملة، والإذلال، والتحقير، والتأخير، والتمييز ضدهم، والترحيل الجائر، والاستغلال، والابتزاز المادي والمعنوي والسياسي، وذلك منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد المشئومة، ومنذ أن افتُتح معبر رفح وحتى الآن، الأمر الذي لا يوجد له تفسير منطقي. إن المؤشرات المتراكمة من السياسة العنصرية التي يمارسها طاقم العمل المصري في معبر رفح، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أنها إساءة متعمَّدة، ومدروسة. ويظهر منها أن طاقم العمل المصري قد حصل على تدريب خاص في كيفية إساءة التعامل مع الفلسطينيين. وعندما تجد أن هذا الأسلوب في التعامل مُتبَع في كل الموانئ المصرية ولو بدرجة أقل، فإننا ندرك أن هناك سياسة مصرية وضعها النظام المصري البائد، وقادها جهاز أمن الدولة المُنحل، تقضي بالتشديد على الفلسطينيين بكل الوسائل الممكنة. والمفاجئ أن هذه السياسة العنصرية لم تتوقف بعد، رغم حل جهاز أمن الدولة، ورغم ثورة الشعب المصري العظيمة. فماذا يحصل في المعابر المصرية، ولماذا، وإلى متى؟ يفتقد الفلسطيني في المعبر عبارات الترحيب، التي يتدرب عليها موظفو المطارات، بل يتعرض، منذ أن تطأ أقدامه أرض الجانب المصري في المعبر، إلى التوبيخ، والصوت العالي، وقلة الأدب بشكل لا إنساني. وقد يمكث في داخل الباص الذي يُقِلّه ساعات قبل أن يُسمح له بالنزول إلى صالة الاستقبال. كما يفتقد إلى وجود إشارات إرشادية في الممرات وعلى الجدران، وإذا ما وجَّه سؤالاً لأحد العاملين في المعبر، رفع صوته في وجهه وأجابه بنبرة عالية مستهزئة وغير واضحة أيضاً، فيلجأ المسافر لسؤال إخوانه المسافرين، لعل أحدهم تكون لديه خبرة سابقة. وعندما يُسلِّم جواز سفره على الشباك، يجد ضابطاً مستفزاً، تلمس بسرعة أنه يكره الحياة، ويكره الفلسطيني، فيأخذ هذا الجواز ويطلب من المسافر الجلوس بعيداً. ثم تبدأ رحلة المسافر مع سياسة الانتظار المهين؛ حيث لا مقاعد كافية، ولا أماكن للصلاة، ولا دورات مياه محترمة، ولا خدمات، ولا يافطات إرشادية. فيشعر كأنه في معتقل، ينتظر التحقيق معه. وبعد ساعة أو ساعتين أو ثلاثة، قد ينادي عليه الضابط، وربما ينادي عليه موظف صغير لا يحمل شهادة الابتدائية، ويطلب منه الوقوف بالقرب من ممر يؤدي إلى غرفة ضابط أمن الدولة، الذي يقابله، ليشخت في وجهه، ويُقرِّعه، ويهزأ به، وقد يبتزه سياسياً؛ فيطلب منه العمل مع المخابرات المصرية وجهاز أمن الدولة أو لا سفر، وقد يسأله أسئلة تافهة لا معنى لها سوى أنه يريد أن يُشعر الفلسطيني أن هناك تنسيقاً أمنياً بين الجانب المصري والجانب (الإسرائيلي)، وأن أمن الدولة يعرف عنه الكثير من خلال عملاء له في الأوساط الفلسطينية. وقد يسأله عن التنسيق، وقد يتجاهل وجود تنسيق، والذي عادة يتم عبر أجهزة مخابرات فلسطينية ومصرية. وهو يريد أن يتكلم، ولا يريد أن يسمع، فما هي إلا دقيقة أو اثنتين، حتى يقول له: لا سفر، وعُد من حيث أتيت. وليس أمام الفلسطيني سبيل إلى الرجاء، ولا معالجة الموقف، مادياً أو بالحجة والمنطق. ويفكر المسافر في تقديم رشاوى، فقد عرف من تجارب بعض المسافرين أنه يمكن تقديم رشاوى بطريقة معينة، سواء لموظف صغير، أو لضابط كبير، وربما رشاوى تم دفعها مسبقاً إلى ضابط كبير في المقر المركزي لجهاز أمن الدولة أو المخابرات المصرية ليضع اسمه على المعبر بوصفه حاصل على تنسيق، وعندها لا يمكث سوى ساعة أو نصف ساعة. مع أن الأصل ألا يقف أي مسافر في الوضع الطبيعي أكثر من دقيقتين أمام ضابط الجوازات ليخبره بأنه مسموح له أو غير مسموح، وهو ما لا يحصل البتة. ومَن يُسمح له بعبور مصر، قد يؤخذ جوازه، ويُطلب منه مراجعة مقر أمن الدولة. وقد يُختم له بالعبور لأسبوعين على أن يراجع أمن الدولة في غضون ثلاثة أيام، وهناك يمارسون عليه ضغوطاً سياسية وأمنية، وقد تصل حد التحقيق معه في قضايا تخص فلسطين وتخص (إسرائيل)، ولا علاقة لها بالشأن المصري مطلقاً. وبمجرد حصول المسافر على إذن السماح بدخول مصر من المعبر، تبدأ رحلة استغلال يقودها فريق من الشيالين، والباعة، وسائقي السيارات، حيث لا توجد تسعيرة ورسوم ثابتة لأي خدمة، فكل شيء قابل للمساومة والابتزاز المادي. وفي مطار العريش يُحشر المسافرون في قاعة مُهينة لا تتسع لعشرين مسافراً، فتجد قوافل المسافرين الفلسطينيين؛ ولاسيما الحجاج والمعتمرين، يُكدَّسون فيها؛ مائتين أو أكثر، ولساعات طويلة. لا يعرفون ماذا ينتظرون، ولماذا ينتظرون. وفي مطار القاهرة يُسمح للفلسطيني القادم من خارج مصر والمتجه نحو قطاع غزة أو العكس أن يدخل عبر الترحيل، وهو ما يعني أن يتم حجزه في غرفة صغيرة وحقيرة لنصف يوم أو يومين، غير مؤهلة لأن تكون حتى مستودعاً، فضلاً عن أن تستقبل نزلاء مسافرين. من الواضح تماماً أن هذه السياسة مقصودة، وربما تهدف إلى تركيع الفلسطينيين، أو ابتزازهم واستغلالهم، ليصبحوا عملاء لأجهزة المخابرات العربية، والمصرية تحديداً، ولا علاقة لهذه السياسة بأمن مصر، فإن الفلسطيني يحب مصر ويحرص على أمنها حرصه على روحه. ومن المؤسف أن المسافر الفلسطيني عبر المعابر والمطارات (الإسرائيلية) قد لا يتعرض لعُشر هذه الإساءة. إن على الثورة المصرية المجيدة استحقاق تجاه إخوانهم الفلسطينيين؛ فإن من حق الفلسطيني السفر والتنقُّل بدون موانع وعوائق، طالما حصل على تأشيرة دخول إلى مصر أو أي بلد آخر عبر مصر، فمن الواجب تسهيل حركته، وتقديم الخدمة اللائقة التي تعكس صورة مصر الجميلة. وإن حل جهاز أمن الدولة في مصر يستدعي منع أزلامه من التحكم من رقاب الفلسطينيين على المعابر يسومونهم الخسف. وإن أقل الواجب لمعالجة الوضع المهترئ في معبر رفح المصري أن يتم إجراء عملية إصلاح شاملة لا تقف عند تغيير كل طواقم العمل، من أصغر آذِن وفرّاش إلى أكبر ضابط، واستبدالهم بطواقم مدرَّبة على التعامل الراقي مع المسافرين، واحترام إخوانهم الفلسطينيين على وجه الخصوص، وتقديم الخدمة اللازمة لهم بصورة راقية، وهو ما يعبِّر عن وجه مصر الجديد المشرق، الداعم للشعب الفلسطيني وللمقاومة الفلسطينية؛ ضمير هذه الأمة النابض. وإن على سلطة المقاومة مسئولية التواصل مع السلطات المصرية المعنية لإجراء التغيير اللازم في أسرع وقت، وألا تتوقف عن المطالبة بهذا الحق، ولا عُذر لساكت أو متقاعس.