عندما إنتفض الشعب المصرى ملعناً ثورته على النظام الفاسد لم يكن فى حسبان أحد أن تُعيد الأمل فى نفوسنا وخاصةً أننا كنا قد بدأنا نفقده تماماً ، إعتقدنا أن الرئيس مبارك مخلد فى الرئاسة حتى وفاته ، وإعتقد الكثيرين أن جمال مبارك سيجمل الراية بعد أبيه سواء شاء الشعب المصرى أو رفض ، لكن لم تكن مشكلة التوريث هى الهم الأكبر لدى الكثيرين بقدر ما كان الهم الأكبر هو توفير قوت اليوم الواحد ، وتوفير رغيف خبز بعد عناء كبير فى طوابير طويلة ، كان المواطن يشعر بأنه غريباً على أرض وطنه ،كان لدى كل منا إحساس بأننا لسنا أصحاب البلد الحقيقين بل الحكومة والنظام وكبار رجال الدولة هم من يملكونها ! كان هذا الاحساس بالغربة بمثابة جرح نازف لا يندمل ، لم يهتم النظام يوماً بأن يجعل الشعب يفرح أو يعافى من أمراضه ، بل كانت الحكومة (الغبية) تزيد من صعوبة المعيشة على أبناء الشعب ، كان الأغنياء يزدادوا ثراءاً و الفقراء يزدادوا فقراً يصل إلى حد الجوع فى بعض الأحيان ، هذا بخلاف الاهمال فى قضايا تمس أمن مصر القومى مثل مياه النيل و المخزون الاستراتيجى من ثروات باطن الأرض ، وخاصة الغاز الذى كان يُقدم لإسرائيل كمنحة أو هبة من فرعون الدولة ، لم يشعر أى مسئول فى مصر بحجم المعاناة التى يعانيها المواطن ، ولم يكن أياً منهم يريد أن يرى تلك المعاناة ، وعندما كانت الصحف و وسائل الاعلام تعرض بعض من مآسى المصريين ، كان النظام يمارس ضغوطه المختلفة لمنع عرض تلك الأشياء .. وبعد سنوات صار أمراً عادياً أن يتم عرض مشاكل الفقر والظلم ، وأصبح لدى النظام مناعة ضد النقد ، ولم يعد أحد من المسئولين يأبه أو يكترث بما تكتبه الصحافة وما يبثه الاعلام ، فكل ما هو مهم أن يبقى كل مسئول قابع فى منصبه. وبينما كان النظام ينعم فى أموال الشعب المنهوبة ، كانت جراح المصريين تزداد وتزداد ، وكان شعب مصر ينتظر شرارة فقط لتجعله يشتعل ليحرق كل من ظلمه او نهب أمواله على مر عقود ، وكانت ثورة تونس بمثابة مثال نجاح ليس ببعيد سواء مكانياً أو زمانياً عنا فى مصر ، فخرج شباب مصر الطامح الى الحرية ليشعل شرارة الثورة ، ويتبعه كل طوائف الشعب المصرى لوقف نزيف جراحه التى سببها له نظام مبارك ، لقد كانت ثورة 25 يناير هى بمثابة الدواء الذى وصل فى موعده قبل أن يزداد نزيف جراحنا ونفقد الحياة ، ثورة مباركة بيضاء أعادت لنا الأمل فى الحياة بعد أن كدنا ان نفقد الحياة نفسها !