ماذا يجري ويحدث الآن فى العالم العربي، وقد تفلت الشارع من عقاله وبدأ الغضب والهياج يعم وينتشركالعدوى فى كل مكان، فقد سقط حاجز الخوف وبدأ زلزال الثورة الهادرينفجرسخطا وغضبا لينقض على كل المعاقل والسدود فى المنطقة، فبدأت الزحوف وهبت الحشود تجتاح الشارع العربي، منتفضة من سنوات الكبت والصمت والخوف والقهروالظلم والإستبداد، لتقول للزعيم الأوحد كفى قهرا وظلما واستبدادا، فاهتزت لأول مرة صورة الزعيم، تلك الصورة النمطية المعروفة (للحكم الشمولي العجيب فى العالم العربي) والتى هيمنت وسيطرت بقبضتها الحديدية لسنوات وسنوات، كانت خلالها تمارس ألوان البطش بالأبرياء وزجهم فى السجون والمعتقلات ونهب الثروات، والتفرد بامتلاك صناعة القرار، وهذا هومن أعاجيب الدكتاتوريات السحيقة المنقرضة، ولكنها للأسف موجودة بيننا وتطبق بحذافيرها الآن فى هذا العصر، الذى يعرف بأنه عصرالإنفتاح والذرة وغزوالفضاء والمكتشفات والمخترعات التقنية والعلمية والإتصالات المرإية والمسموعة التى وحدت وقربت العالم، فمن هذه الدكتاتوريات المستنسخة، أن مكنت فرد واحد من التحكم بإخضاع مستقبل ومصيرشعوب تقدرأعدادها بعشرات الملايين من الأنفس، ومعهم كل ماتمتلكه الأوطان من مكتسبات وثروات ومقدرات، تمكنهم قسرا من الخضوع لقراره وزعامته الفردية دون حسيب أورقيب، بل ويمكن لهذا الزعيم من أن يزج بهذه الأوطان فى نزاعات وحروب طائفية أوأهلية دامية وكارثية تذهب بالأخضرواليابس، دون أن يكون بمقدورأحد من هذه الأوطان باختلاف قدراتهم وتنوع كفاءاتهم وبتعداداتهم السكانية المهولة، من التدخل لإثناء الزعيم الأوحد عن قراره، لإنقاذ البلاد والعباد من بلاء سلطته الغاشمة، فمازال الزعيم ينتشي ويطرب للهتافات الإستعراضية والدعائية المدفوعة الأجر، التى يجندها من مجاميع البسطاء والمحرومين، ومن معهم من المنافقين والمتزلفين والمتملقين، لرفع اللافتات والعناوين الشعاراتية الزائفة، عبرتلك الاسطوانة القديمة المشروخة للهتاف بحياته (بالروح بالدم نفديك يازعيم) فى الوقت الذي تعيش فيه هذه الشرائح من المطحونين والمهمشيين الذين يهتفون بحياة الزعيم ويسبحون بحمده تحت خط الفقر، بل وأغلبهم يعيش حياة الذل والبؤس والمهانة والتجرد من الخلق ومن أبسط قيم إحترام الإنسان، وتلك مفارقة عجيبة من مفارقات الدعايات والشعارات الديمقراطية التى ينادى ويدعو إليها الزعيم..! فإذا كان من بين هؤلاء من البسطاء ومن المتملقين، فماذا نقول عن بعض شرائح النخبة من المثقفين، عندما يمارسون مثل هذا الخواء فى التطبيل والتزمير بحياة الزعيم، ولعلي أقدم أنصع دليل على هذا الخواء، هو ما يمارسه الإعلام العربي من وسائل الكذب والتزييف والتضليل للشعوب، من أجل تملق سلطة الحاكم ورفعه إلى مرتبة التقديس والألوهية..!! وهكذا يعيش ويتفرد الزعيم الأوحد فى العالم العربي مزهوا ومدعوما بهذه الهتافات، التى تقوي وتطيل سنوات بقائه، وتدعم قبضته وبإحكامه لسلطاته الرئاسية والتشريعية والتنفيذية والمصيرية، ولتحيطه بكل هذه السياجات من الصلاحيات والحصانات، التى تصل بقناعاته ومعتقداته، بأنه ليس بمقدورأحد فى هذا العالم من أن ينافسه أو يؤدي دوره أويحل مكانه..أولم يتبجح بعضهم أخيرا بالقول: أن الوطن بدونه سيتحول إلى مرتع خصب للفضوى ونهبا للجماعات المتطرفة..؟! فإذن الزعيم الاوحد يرى أن السلطة بالنسبة إليه هي حق مكتسب لايجوزلأحد الحديث عنه، بل ويعتبرهذه السلطة منحة إلهية مكتسبة وممنوحة له بموجب الدستورالذي فصله على مقاسه، لافضل لأحد عليه فى منازعته، فبموجب هذه السلطة له الحق فى إمتلاك ما على الأرض وماتحت السماء، ولايحق لأحد كائن من كان أن يسائله أويحاسبه، فهووحده من يمتلك صلاحية إصدارالقرارات وسن القوانين والتشريعات، وعلى الجميع أن يصمت ويسكت صاغرا للأمروالنهي والطاعة للحاكم بأمره سيادة الزعيم الأوحد..؟! وإذا كانت هذه الصورة النمطية للزعيم الأوحد فى عالمنا العربي تذكرنا بماكانت عليه تلك الامبراطوريات القديمة، التى كان فيها الامبراطورهوالزعيم الاوحد، الذى يأمروينهي ويصدرالقرارات وفقا لما يشتهيه ويريده هو، وعلى الشعب طاعتة والإنصياع لأوامره ونواهيه وإلا تعرضوا للعقاب، فمن المفارقات العجيبة والمدهشة، أن تعيش هذه الأمة نفس هذه الأمبراطوريات بدمها ولحمها، فمن المعروف أن مفهوم الزعامة فى تلك الأمبراطوريات يمثل شعارالراعي والرعية وبنفس هذه الصورة المقيتة، فالزعيم يعتبرهوالمنقذ من كل البلاءات والمصائب، وهونفسه واهب الخيرات ومجزل العطاءات، وهو نفسه المسئول عن رعاية الناس تماما كما ترعى قطعان الغنم، وهذا المفهوم القديم الجديد للزعامة، نجده هوذاته تماما المفهوم الذى يطبق على الأرض وربما فوق السماء فى امبراطورياتنا العربية الحديثة، وتلك هي من الأفانين والعبقريات العجيبة والمدهشة التى وهبها الله لسلطة الزعيم الأوحد العربي فى عصرنا الحديث فى بلداننا العربية..!! وعلى الرغم من أن هذه الممارسات السلطوية التعسفية الجائرة فى وطننا العربي، لما يسميه الزعيم زيفا وظلما وعدوانا فى هذه الأوطان بالديمقراطيات الحرة، فإنها واقعا الديمقراطيات الساخرة الضاحكة الباكية فى أوطان الزعيم الاوحد، الذى يزعم بأنه لايوجد له البديل من الزعامات أوالكفاءات، فى وقت تزخروتختزن فيه هذه الاوطان برواد العباقرة وأساطين العلم والسياسة والإقتصاد ومختلف العلوم والفنون، الذين بإمكانهم قيادة أوطانهم إلى سلالم المجد وميادين الرقي ومسايرة الركب الحضاري، المتحررمن أتون الإستبداد والإستعباد والتضليل، وبالقدرة على الإنتقال الحقيقي لأطرالحياة الديمقراطية الحرة الكريمة، بمفهومها التعددي الواسع فى تحقيق الشراكة والمساواة والتداول الحقيقي والسلمي للسلطة، وانتخاب من يختاره الشعب، ولكن ماعسى أن يفعل هؤلاء وإرادتهم مكبلة ومشلولة أمام عقدة وعبقرية الزعيم الاوحد الفذة، بكل رؤاه وتصوراته العقيمة والزائفة، التى وقفت وتكلست وتخشبت فيها شخصيته طيلة هذه السنوات، دون أن يشعربمن حوله من المتغيرات فى هذا العالم، حتى سئم الشارع العربي هذه النظرة، وهذه الصورة الهزلية المهترئة، وتلك حقا من السخريات الكارثية التى منيت ونكبت بها هذه الأمة..!! من هنا فقط بدأت الشرارة الأول لمسوغات هذا الإنفجارلتطورات الاحداث التى يموج بها الشارع العربي اليوم، فلا يعقل أن تستمر تداعيات، وعوامل الإحباط وافتقاد الإستقرارالحياتي والتنموي والحضاري، وغياب المنظومات والقوانين والتشريعات الديمقراطية والهيئات المؤسساتية التى تسايرالنهضة الحضارية التى يشهدها العالم، والموجبة للتغييروالإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وتحقيق العدالة والمساواة وتوزيع الثروات، ناهيك عن المطالبة بوقف مصادرة الحريات والحقوق وانتشاربؤرالفساد ونهب المال العام والإستئثاربالثروات، والذى أدى بدوره إلى توسع رقعة ودوائرالفقروتزايد أزمات السكن وغول الغلاء وتفشي ظواهرالبطالة، إلى آخرالمشاكل الصحية والتعليمية والهموم والقضايا المعروفة التى تكبل معاناة المواطن العربي فى حياته ومعيشته، فى وقت يقبض فيه الزعيم الأوحد على كل هذه المقدرات، بكل ما أوتي من قوة السلطان وكل التشريعات والحصانات التى منحها لنفسه، ومنعها عن الآخرين بقوة سلطتة وبذريعة تشريعاته الرعناء التى وضعها لنفسه..!! وأمام هذا الصلف الجائرمن قبل الزعيم، كان لابد من الثورة على الطغيان، فبدأ الزحف وأخذت الثورة تنتشرإنتشارالهشيم فى الحطب، ولكن الزعيم يأبى ألا يصدق ما يحدث من حوله، ولكنه لايلبث أن يلامس هذه الحقيقة المرة، فيتصدى ويكابر، ثم لايتورع بارتكاب ابشع المجازرالدموية بإزهاق الأرواح من أجل بقائه، فى حرب إبادة شاملة باستخدام شتى أنواع الأسلحة لسحق مواطنيه من المدنيين الآمنين، وبما تصنفه الهيئات الحقوقية العالمية بجرائم الحرب التى يقدم مرتكبوها للعدالة والمحاكمة الدولية. وهكذا تلبدت الأجواء وتصاعد الصراع والصدام، بين الزعيم والشعب العربي وارتفع نداء الإستغاثة بطلب المساعدة والتدخل من قبل المجتمع الدولي، بعد أن أوغلت سادية الزعيم الأوحد بالإستهتاروالتلذذ بأشلاء الضحايا، فتزايدت جثث القتلى والجرحى والمصابون فى الشوارع والطرقات، أمام هجوم الزعيم الساحق، بقوات مكافحة الشغب تارة والجيش تارة أخرى، والكل يصيح مستغيثا ومستصرخا العالم والضميرالإنساني، وكل الهيئات والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان وحماة التشريعات السماوية والإنسانية، لإنقاذهم من هول مأساة حرب الإبادة البشرية التى تقوم بها قوات وسلطات الحاكم والزعيم الأوحد، ليس لشئ مسئ فعلوه، إلا لأنهم إنتفضوا للمطالبة بحقوقهم المشروعة، فى تظاهرات سلمية لاعنفية ولاتخريبية، ولكن الزعيم بدلا من أن يستجب لطلبات شعبه ومواطنيه السلمية المشروعة، يواجههم بالقمع وبالأسلحة الفتاكة، إبتداء من قمعهم بقوات مكافحة الشغب والجيش، إلى ضربهم بالهراوات ورشهم بخراطيم المياه الحارة، ورميهم بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، وبالرصاص الحي، بل وبالأسلحة المحرمة دوليا، ولم يتوقف الأمرعند هذا الحد فحسب، فيهاجمهم بواسطة الجيش المكلف بالدفاع عن حمى الوطن وعن الشعب ذاته، فيما يقوم الحاكم أوالزعيم الاوحد نفسه بالتبجح والتزلف، للتحدث بإسم شعبه وبإسم مصالحه فى المؤتمرات والمحافل الدولية، غيرأن إرادة ثورة الشعب تأبى ألا تتراجع، أمام إصرارها على نيل الحرية ولابد لها وأن تنتصر، فشهدنا أخيرا سقوطا مذويا لنموذجين من هذه الزعامات الأمبراطورية الدكتاتورية، ومازالت الأوطان حبلى بتباشيرماهوقادم. فأي زعامات هذه التى نكبت بها الامة، تحت أسماء وشعارات وأكاذيب فارغة وزائفة لاتغني ولاتسمن من جوع، اللهم من أجل إستخدام البعض للتضليل الإعلامي وتلميع صورة الزعيم، والهدف منه فى نهاية المطاف هوتكريس مفهوم الزعيم الأوحد فى عالمنا العربي..الذى أثبتت التجارب والبراهين بكل أسف نتائجه الكارثية على هذه الشعوب..!! احمد علي الشمر [email protected]