لقد أصبح تعبير الديمقراطية معروفا لكل من يهتم بأمور المجتمع السياسية والإجتماعية والإقتصادية والنقابية ، ولهذا المفهوم درجات في التطبيق العملي لهذه الديمقراطية، لتصبح الممارسة فيها نسبية، يتحدد حجمها مع مقدار الحرية المتاحة ودرجة الوعي التي وصلها المجتمع المقصود وأسلوب هذه الممارسة من النواحي الحضارية والأخلاقية وضمن أي إطار تمارس والقصد المبتغى بالأساس منها . إن للقيم الأخلاقية أهمية قصوى وهذه القيم هي المعيار الأكبر الذي يحدد نجاحات مجتمع أو دولة أو أمة . إن ماهية القيم الأخلاقية ودرجاتها وفي أي المقاسات يتم حسابها واعتبارها تتيح لنا المجال واسعا لنقيّم إمكانات التطور ودرجاتها وسرعتها في تلك المجالات المنوه عنها أعلاه. لقد كان للدين الدور الأول في تحديد وتهذيب وتوجيه هذ المثل منذ آلاف السنين وهذا معروف لدى أكثر شعوب العالم وخاصة عند العرب الذين هم أول من صاغ ومارس قيما إنسانية سميت بالأخلاق العربية ، وإذا كانت درجات التمثل في هذه القم تختلف من عصر إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى أمر تحدده ظروف وأوضاع سائدة تكون سياسية وإقتصادية وحضارية إضافة إلى درجة الوعي والثقافة والذكاء لذلك المجتمع أو المجموعة البشرية المقصودة. في عصرنا الحاضر، لكل مجتمع وضع ديمقراطي خاص ، درجة وطريقة لهذه الديمقراطية، حسب الظروف المتوفرة ، هنا أدخل في قلب الموضوع الذي أردت أن أبحثه وأقدم ملاحظاتي الناتجة عن متابعة حسية ودراسة تحليلية هدفها الوصول إلى قواعد لا بد من اعتبارها أساسا في تقييم مستوى الديمقراطية وارتباطها بالقيم الأخلاقية تجانسا واستيعابا بما يضمن النتائج المرجوة منها والتي لا يمكن أن تصل إلى غايتها إلا عبر الإلتزام بتلك القيم الراقية القادرة على أن تسمو بهذه الديمقراطية لتجعل منها مقوَداً لطيفا وناعما يسير بالمجتمع نحو التطور المرجو في كل نواحي حياته دون استثناء ، يقوم ويصلح ويوجه وينير الطريق لإزدهاره والوصول به إلى أكبر النجاحات المرجوة. إن المجتمعات البشرية في عصرنا الحاضر تسير، راغبة أم لا، نحوالديمقراطية بغض النظر عن مواصفاتها، وذلك عبر وسائل الإتصال المختلفة ومنها التلفاز والهاتف، والأكثر حاليا عبر مواقع الإنترنيت. وباختلاف هذه المواقع ودرجة التواصل مع روادها والحرية الممارسة عبر ناشرين أو عبر المشاركين، آخذين بعين الإعتبار أسلوب المشاركين ومواضيعهم ومستواهم الثقافي والعقلي والنفسي ! هنا لا بد من التمييز بين هؤلاء المشاركين من الناحية الأدبية ، الأخلاقية والموضوعية، عدا درجة الوعي والعلم والثقافة ، أنني أركز هنا على الناحية الأخلاقية واحترام الذات عبر احترام الآخرين ممن يتم الحوار معهم أو من أجلهم . إن الإلتزام الأخلاقي هو الشيء الأساسي في نجاح الديمقراطية ، قبولها ، استمرارها وتحقيق الغرض منها ، إن الإلتباس في هذا الموضوع هو الذي يدفع الكثيرين إلى تبرير انعدامها أو فشلها في مجتمع ما ، حيث يقف الشاذون الممارسون لها حجر عثرة في قيامها ، استمرارها، وفي قبولها من قبل قطاعات مهمة في هذا المجتمع. هنا نجد أن المخربين لهذه الديمقراطية هم القسم أو الأقلية الشاذة من ضعيفي الثقافة وسييئي الخلق وقليلي الأدب في ممارستها وفهمها . فهم يتصفون بالإبتعان عن المنطق وعن النقد الإيجابي البناء بل يعتمدون في ممارستهم على الإساءة للآخرين بشكل مقصود أو غير مقصود تجريحا وتشهيرا أو شتما وعبر ممارسة الكذب والتلفيق في أغلب هذه الحالات، وهنا عن أي قيم أخلاقية يمكن الكلام ؟! وعن أي ممارسة إيجابية شريفة نبحث ؟ هنا نجد أمثلة لأعداء الديمقراطية الحقيقيين والمسيئين لأنفسهم وللمجتمع عبر تخريب الديمقراطية بممارستها بشكل جنوني ومنحرف! إن وجود نسبة ضئيلة من الناس نسميها قليلي الأدب والشاذين قيميا وأخلاقيا شيء بديهي متعارف عليه ولكنه يختلف نسبيا وكميا من مجتمع إلى آخر ، ومع كل أسف فإن نسبة هؤلاء المنحرين عالية في مجتمعات المشرق العربي وهم المسؤولون الحقيقيون عن تأخر الديمقراطية عندنا! لقد لعب المنحرفون الدينيون دورا كبيرا في ضرب اليمقراطية في الستينات و السبعينات والتسعينات من القرن الماضي في عدة دول عربية ، أما في العقد الأخير فهذا الدور تلعبه خلايا ما يسمى بالقاعدة المدارة سريا من قبل أجهزة مخابرات غربية كبرى. إننا ولكي نكون مؤهلين للديمقراطية لا بد من امتلاك ثقافة وطرق في ممارستها ، آدابها ، أهدافها والنتائج المرجوة منها، وللوصول لهذه القيم عمليا لا بد من إدخالها في المنهاج الدراسي عبر التربية القومية والوطنية في المدارس الإبتدائية والإعدادية وحتى في الجامعات . وكذلك في إقامة برامج تنوير بكل ما يتعلق بها ، وفق القيم الأخلاقية والوطنية البناءة والشريفة، وبالتأكيد، عبر وسائل الإعلام كافة ما دمنا جميعا نعي ضرورتها وحتميتها ولكي نشارك جميعا في وضع عجلات قطار نهضتنا المبتغاة على سكتها .