قرأت مؤخرا مقالا لجون كيري تكلم فيه عن ازمة الغذاء في سوريا ودور النظام في استمرار ازمات من هذا النوع ، ابرز استنتاج توصلت اليه هو ان الوضع في سوريا يزداد تعقيدا من الناحية السياسية وسوءا من الناحية الانسانية اضافة الى عجز وانسحاب دولي ترافق مع استجابة النظام السوري للمبادرة الروسية لنزع اسلحته الكيماوية ،ملامح هذا العجز تتضح عندما يجتمع السياسيون ويصدرون بيانا يطلبون فيه من النظام الحاكم التعاون لإيصال الاغاثات للمناطق المحاصرة ،اضافة الى تصريحات المنظمات الانسانية المتخصصة التي تطلب حدا ادنى من الامان لموظفيها وقوافلها لتصل الى المخيمات وبقايا المدن التي دمرت عن بكرة ابيها . و الكارثة الانسانية في سوريا ليست فقط في اعداد اللاجئين الذين وصلوا الى حوالي مليونين والمشردين –حوالي مليون - والموتى جوعا بل هي تمتد الى كل انواع الانتهاكات لحقوق الانسان فحسب الامين العام لمنظمة الاممالمتحدة "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مستمرة الى اليوم ، ومن بينها استخدام الاسلحة الثقيلة ضد السكان المدنيين والاختطاف والاحتجاز الاعتباطى وإطلاق النار على المدنيين من قبل القناصين والإعدام بدون محاكمة ورفض تقديم الرعاية الطبية للجرحى من المدنيين". والأمور التي عملت على زيادة الانتهاكات وسوء الوضع الانساني هي عسكرة الصراع وامتداده وتركزه في المناطق الحضرية ،والقوى الدولية تعلم جيدا انه لا مجال لتحسين الوضع الانساني إلا بالتوصل الى تسوية سياسية تكاد تكون مستحيلة في الظروف الحالية التي انتعش فيها النظام الحاكم وحقق فيها مكاسب عسكرية وسياسية بتفادي الضربة التي كانت تنوي كل من فرنسا وأمريكا توجيهها له ، وانقسام المعارضة وتشرذمها فكل المؤشرات الى ان الصراع سيستمر لمدة طويلة . في هذا الاطار حاولت القوى الدولية من اهمها الولاياتالمتحدةالامريكية وحلفائها العرب ان تضغط على المعارضة لتطالب النظام الحاكم بان يتعاون مع المنظمات الاغاثية والحقوقية في ظل عدم التوصل الى حسم عسكري يرجح الموازين لصالح المعارضة ،وهو الامر الذي اضر بمشروعها فبدت بالنسبة للمعارضة الداخلية المسلحة تغرد خارج السرب و وتتعامل مع العدو الذي من المفروض ان يتم اسقاطه . وابسط ما يمكن ان يقال هو ان المجتمع الدولي اليوم يرزح تحت ازمة اخلاقية بعدما تم اختصار ادانة النظام السوري في استعمال الاسلحة الكيماوية ، ولا يبرر ذلك إلا امرين :اولهما انقاذ الكبرياء الامريكي لاوباما الذي وضع خطوطا حمراء لا يجوز للأسد ان يتجاوزها في الوقت الذي تجاوز فيها كل الخطوط الاخلاقية والإنسانية منذ بدء الصراع في سوريا ،والأمر الثاني يتعلق : بثوابت السياسة الخارجية الامريكية الملتزمة بأمن اسرائيل بانتزاع الاسلحة التي يمكن ان تهددها بشكل مباشر دون الاهتمام بآثار الصراع الدامي المستمر. كما ان اختصار الاجراء في ضربة عسكرية دون اجراءات اخرى مثل تحقيق العدالة الدولية عن طريق متابعة الاسد في المحكمة الجنائية الدولية ضرب مصداقية الدول الكبرى التي تحول خطابها الى المداهنة وتقبل وجود الاسد ،رغم ان الوضع الانساني الكارثي في سوريا لم يتغير قيد انملة والنظام ما يزال مصرا على محاصرة وتجويع وضرب المناطق التي تقع تحت يد المعارضة وعرقلة المساعدات الانسانية التي يمكن تصلها .