أفكار الصهاينة غير اليهود ومعهم اليهود ومعهم المسيحيون الصهاينة لن تنقذ إسرائيل لا من نفسها ولا من أزمتها، التي لن تخرج منها إلا بإقرار حقوق الشعب الفلسطيني كاملة. لا يحتاج المرء إلى إعلان ما هو معلن ولا إلى تأكيد ما هو مؤكد معرفة واعترافا بأنه لا يمكن إلا أن يكن الكراهية والمقت لكل من يشارك بقبول أو فعل سلبا أو إيجابا في العدوان على العراق وتدميره واحتلاله. ويأتي في مقدمة هؤلاء وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، والذين كانوا معه من الأميركيين وغير الأميركيين من أمثال نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد ومستشارة الأمن القومي (ثم وزيرة الخارجية) كونداليزا رايس، ووزير الخارجية كولين باول.. أما غير الأميركيين من عصابة بوش فهم كثيرون، على رأسهم وفي مقدمتهم اثنان بشكل خاص هما توني بلير ورئيس وزراء بريطانيا عند غزو العراق في 2003، (الذي تحول بقدرة قادرة وفي خطوة لافتة ومثيرة إلى مبعوث «اللجنة الرباعية» في الشرق الأوسط، كما عين مستشارا لبعض الساسة العرب!!) وخوسيه ماريا أزنار رئيس وزراء إسبانيا عندئذ، الذي أسقطه شعبه في انتخابات بعد عام من العدوان أي في 2004، بعد أن ظل في الحكم منذ 1996. وإذا كان بوش قد غادر البيت الأبيض في كانون الأول (يناير) 2009، فإن عصابته خاصة من المحافظين الجد لم تغرب شمسهم بالكامل، ولا يزالون مؤثرين في مواقع أميركية عديدة خاصة تلك المواقع التي تصنع الرأي العام وتقوده، مثل وسائل الإعلام المختلفة والجامعات ومراكز البحوث السياسية والإستراتيجية، وهي المواقع التي نبتوا فيها أصلا، ومنها انطلقوا إلى مراكز بارزة في المؤسسات السياسية والدفاعية. وما يصدر على هؤلاء ينطبق على بقية العصابة في خارج أميركا. بلير لا يزال يسرح ويمرح ويتنقل بين عواصم الوطن العربي وحواضره، حيث يبث أفكارا خطيرة، ويقوم بترويج مشروعات لا تقل خطرا، بالنسبة لقضية فلسطين بشكل خاص، حيث يقف مؤيدا ومناصرا ومروجا لفكرة «الاستقلال الاقتصادي» في الضفة الغربيةالمحتلة، وهي فكرة يتبناها أيضا بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، كما تؤيدها قوى وعناصر فلسطينية تستفيد منها وتكسب من ورائها. أما أزنار الذي هوى في 2004، والذي خلفه في رئاسة حكومة إسبانيا رود ريجيز ثاباتيرو الذي سحب القوات الإسبانية من العراق، فقد قام بتأسيس جمعية باسم «أصدقاء إسرائيل» إسرائيل التي يقف معها قلبا وقالبا، وقد أفصح عن هذا بكل عدوانية في مقال نشرته صحيفة «الصنداي تايمز» البريطانية في 17 حزيران (يونيو) الحالي، والمقال يقرأ من عنوانه وهو «ادعموا إسرائيل: إذا سقطت سقطنا معها»، أو «إذا انتهت انتهينا معها». وقد نشر المقال قبل حوالي أسبوعين، ومع أنه فائق الأهمية والخطورة إلا أنه لم يثر ما يستحق من ردود أفعال، ولدرجة أن المواقع العديدة على الانترنت لم تجد ما تقدمه سوى تلخيص المقال، وإعادة نشر مقالين عربيين يتيمين كتبت أحدهما السيدة بثينة شعبان السياسية السورية المعروفة، ونشرته صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية في 21 حزيران (يونيو) نفسه، ولنا أن نتصور أي ردود أفعال إسرائيلية ودولية كانت ستصدر لو أن الأفكار العنصرية التي عبر عنها أزنار ضد العرب والمسلمين قد تضمنها مقال لكاتب أو سياسي عربي أو مسلم سواء ضد الكيان الصهيوني أو ضد «العنصرية الأوروبية» التي عبر عنها مقال رئيس الوزراء الإسباني السابق الذي تنضح كل جملة وكل سطر فيه بعداء صهيوني ضد العرب والمسلمين وضد الفلسطينيين بالطبع. لقد وصفت عداء أزنار بأنه «صهيوني» وتجنبت عامدا وصفه بأنه أوروبي. فمن المؤكد أنه ليس كل الأوروبيين سواء، وهناك أوربيون كثيرون، ومنهم يهود، يقفون اليوم مناصرين للحقوق الفلسطينية، وقد كان بين المتطوعين في قافلة الحرية، التي اعتدت عليها القوات الإسرائيلية بوحشية، برلمانيون وصحفيون أوروبيون غير قليلين، واليوم تقوم جامعات وجمعيات أوروبية ليس بمناصرة الشعب الفلسطيني فقط، بل تقوم بحركة مقاطعة فعالة ضد الكيان الصهيوني، خاصة منتجات المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة منذ 1967. وقد أصبح الصهاينة يشعرون بتأثير هذه المقاطعة معنويا وماديا، وأخذوا يشتكون من عزلتهم على المستوى الدولي، وهي شكوى ترددت عاليا وبقوة بعد الإدانة الدولية الواسعة لجريمة البحر المتوسط أي العدوان الوحشي على «قافلة الحرية» وقتل 9 مناضلين أتراك وإصابة حوالي 30 آخرين. في هذا الإطار يأتي مقال أزنار تعبيرا عن موقفه وموقف أمثاله من «الصهاينة غير اليهود» وهؤلاء كانوا حتى قبل أن تبدأ الحركة الصهيونية المنظمة، ولا يزالون إلى اليوم يمثلون شريحة مؤثرة من السياسيين والمفكرين والعسكريين الأوروبيين والأميركيين وغيرهم الذين تبنوا «الفكر الصهيوني» وخدموا الأهداف الصهيونية مع أنهم ليسوا يهودا، ولعل أكبر نموذج لهؤلاء هو «جيمس بلفور» وزير الخارجية البريطاني صاحب الوعد المشؤوم الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق.. وقد أصبحت الكنائس «المسيحية الصهيونية» التي تضم عشرات الملايين (أتباعها في أميركا فقط حوالي 70 مليونا) امتدادا فكريا وسياسيا للصهيونية غير اليهودية، التي يعبر أزنار في مقاله عن وجهات نظرها تأييدا للكيان الصهيوني وسياسته وعداءاً للفلسطينيين والعرب والمسلمين. عنوان مقال رئيس الوزراء الإسباني السابق «إذا سقطت إسرائيل سقطنا» أي سقطت أوروبا، أو الحضارة الغربية، هو الفكرة الأساسية الخبيثة في رؤيته ورؤية أمثاله وجميع من يقفون معه في جمعية «أصدقاء إسرائيل» وغيرها، وهؤلاء لا يتورعون عن اختلاق أية أكذوبة يتخذونها سندا لدعوتهم إلى مناصرة إسرائيل المسكينة ودعمها بدعوى أنها «تصارع من أجل بقائها، وتعاقب بصواريخ تمطرها من الشمال والجنوب، وتهددها إيران الساعية إلى الحصول على الأسلحة النووية»، ويرتب على ذلك أن ما يربطه وأمثاله من «أصدقاء إسرائيل» وغيرهم «هو تأييدنا الذي لا يلين لحق إسرائيل في الوجود وفي الدفاع عن نفسها». ولم يقف أزنار في أباطيله وأكاذيبه عند هذا الحد بل أضاف «أن وقوف الدول الغربية إلى جانب المشككين في شرعية إسرائيل، وممارسة اللعب في الهيئات الدولية حيال قضاياها الأمنية الحيوية، لإرضاء المعارضين للقيم الغربية بدلا من الوقوف بحزم في الدفاع عنها لا يمثل خطأ أخلاقيا فادحا وحسب، بل خطأ استراتيجيا من الدرجة الأولى». بهذه الكلمات اعترف رئيس الوزراء الأسباني السابق، والذين معه، بنقطة ضعف في موقفه وفي موقف الكيان الصهيوني نفسه على المستوى الدولي، حيث يتزايد الذين أصبحوا يتشككون في «شرعية إسرائيل»، مما أصبح يؤرق الإسرائيليين الذين اعترفوا بأن مكانة كيانهم أصبحت«في درك أسفل أمام الرأي العام العالمي» (افتتاحية صحيفة «هآرتس» في 6 حزيران (يونيو) الحالي) بعد العدوان على «قافلة الحرية». أما اليهود في أوروبا فقد صرخوا في وجه الإسرائيليين: «إنكم تقودون وتعرضوننا للخطر مرة بعد أخرى» (صحيفة إسرائيل اليوم في 8 حزيران (يونيو) من مقال كتبه يوسي بيلين أحد عرابي أوسلو!!) أما الحديث عن إسرائيل لم تعد تعرف معنى التصرف السياسي، وأنها تفتقد الزعامة، وأنها تلعب في الوقت الضائع، فهو متكرر في كثير من المقالات التي كتبها من ينتسبون إلى اتجاهات مختلفة. ولعل التعبير الأوضح عن ذلك كله هو ما ذكرته صحيفة «معاريف» في 15 حزيران (يونيو)، نقلا عن مقربين لشمعون بيرس رئيس الدولة الإسرائيلي من أنه أصبح يشعر في الفترة الأخيرة «بالقلق والخطر على مستقبل إسرائيل بسبب تدهور الوضع السياسي وتدني منزلتها في المجتمع الدولي»، ونقل موقع «سما الإخبارية» الإلكتروني عن الصحيفة نفسها وضع بيرس بأنه «كئيب جدا» في الفترة الأخيرة، بسبب «التدهور السريع في مكانة إسرائيل بين دول العالم». هل هذا التدهور هو الذي فجر صهيونية أزنار ودفعه والذين معه للخروج دفاعا عن الكيان الصهيوني بدعوى أنه «منارة الغرب التي تدافع عن قيمه» في مواجهة الشرق الأوسط الذي اعتبره في مجموعة «موئلا للإرهابيين». ومثل هذه الدعاوى بل الإدعاءات يجب أن يرد عليها في جميع المحافل، وعلى كافة المستويات. واليوم، أصبح يتردد في أميركا، (وما أدراك ما أميركا في دفاعها عن إسرائيل!) أن إسرائيل هذه عبء عليها، كما تعالت أصوات من قبل تدعو إلى إنقاذ إسرائيل من نفسها، أي من غطرستها وعدوانيتها وعنصريتها. ويجب اليوم إنقاذها من أصدقائها أمثال أزنار والذين معه الذين من المؤكد أنهم لا يعبرون عن أوروبا ككل، بل ربما عن اتجاه هابط ومتراجع فيها، صحيح أنه يضم سياسيين وعسكريين ومفكرين ممن يتحدثون عن صراع الحضارات أو حتى صراع الأديان، وممن يجدون في أفكار مستشرق كبير مثل برنارد لويس زادا للعداء ضد العرب والمسلمين، ولكن هؤلاء لا يكون الرد عليهم بعداء مضاد ولا بعنصرية مضادة، ولا بأفكار العداء التاريخي بين الغرب والإسلام، بل يرد عليهم من خلال الوقائع والأحداث الجارية، التي تكشف كل يوم الوجه الحقيقي للصهيونية وللكيان الصهيوني، وجه العنصرية وسياسة «الأبارتهايد» أو الفصل العنصري. وهذا وجه لا يستطيع أزنار والذين معه أن يخفوه أو يجملوه، فقد أصبحت سياسة الكيان الصهيوني عارية تماما لا يدافع عنها إلا أمثال أزنار. صحيح أنه دفاع باطل وفاسد سياسيا وقانونيا، لكنه يستدعي الاهتمام به، وتأكيد أن «سقوط إسرائيل» حين تسقط أو نهايتها حين تنتهي لن يعني ضياع الغرب ولا سقوطه ولا نهايته. من قبل انتهت الإمارات الفرنجية التي سموها زورا الإمارات الصليبية، ومع ذلك لم تسقط أوروبا، ولا انتهى الغرب.. بل انطلق خروجا من ظلام العصور الوسطى، وبدء عصر الاستنارة، والعلم، والتطور الذي صنع الغرب المتقدم الذي نعرفه اليوم ومنذ قرنين تقريبا. أما أفكار الصهاينة غير اليهود ومعهم اليهود ومعهم المسيحيون الصهاينة لن تنقذ إسرائيل لا من نفسها ولا من أزمتها، التي لن تخرج منها طال الزمن أو قصر إلا بإقرار حقوق الشعب الفلسطيني كاملة، وعلى رأسها وفي مقدمتها «حق العودة»، وهو حق فردي لا يستطيع أحد أن يتنازل عنه أو يفرط فيه.. إلا صاحبه نفسه