كان الزحام يعم الشارع مكتظا فى مكان واحد حول المنزل بعد انتشار خبر الجريمة البشعة والتى فاحت رائحة دمائها بين الجيران والمارة الذين لا ينتمون إلى الشارع حيث حاول رجال الشرطة تفرقة تلك الجموع ولكن بلا فائدة ووسط الجموع جاءت سيدة تتسم ملامحها بالشرقية والعيون التى تم حفرها بعناية فائقة فى وجهها مما أكسبها نوعا من الحدة والجاذبية فى آن واحد وقد بدا أنها ثلاثينية العمر تحمل فى يديها اكياسا تسير فى توجس وخيفة محاولة اختراق الجموع وقد ساد ملامحها الحيرة والقلق وتخلل اختراقها لتلك الجموع بعض الأقوال : " لاحول ولا قوة إلا بالله , رحمتك يارب " " يبدو أنهم لم يتم العثور على القاتل " " لقد سمعت أنهم وجدوا ثلاث جثث تم ذبحها " فهرولت مسرعة تحاول استنكار ما تسمع وحين صعودها استوقفها أحد المخبرين قائلا : " إلى أين ؟! " قالت برجفة : " أنا أقطن فى الطابق الرابع , أنا من سكان المبنى " فأذن لها بالمرور ثم استدارت فى خيفة قائلة : " ماذا حدث ؟! " " جريمة فى الطابق الرابع " " جريمة ! " " نعم , جريمة قتل " انتابها الفزع وجحظت عيناها وحددت نظرة متأملة فى المخبر غير واعية ثم سرعان ما صفقت باب غرفة أفكارها هامسة لنفسها : " لا , لا يمكن " هرولت مسرعة حتى كادت أن تقع أكثر من مرة وحين وصولها إلى طابقها وجدت باب الشقة مفتوحا وهناك العديد من رجال الأمن تقف بجوار الباب وتلف الطابق بشكل عشوائى ثم سرعان ما توقفت على الباب لتنظر نظرة سريعة داخل الشقة لتجد أنها مزدحمة بأناس مختلفة أشكالهم جميعا توحى بأن الجريمة حدثت بداخل شقتها وفى طريقها دون أن ينتبه أحد لها تعثرت قدماها فى جثه كريم التى تم تغطيتها بمفرش أبيض طويل يبدو كالكفن فصرخت صرخة مدوية حيث سقط من يديها كل شىء وهرولت إلى داخل الشقة وهى تصرخ فى حالة هيستيرية : " لا , لا , لا " تنبه الجميع لوجودها وجرى خلفها ضابط المباحث سالم واستوقفها محاولا تهدئتها : " اهدئى , اهدئى " وأمسك بيديها بقوة وهى تحاول الإفلات غير واعية لمن يتحدث إليها قائلة : " قتلوا زوجى , قتلوا زوجى " كان محمود وكيل النيابة ينظر إليها طويلا فى هدوء وأسى وتكهن بأنها هى صفاء زوجة الجثة المفقودة أو ربما الشىء المفقود . بعد دقائق اتاها أحد أفراد الأمن بكوب من الليمون وهى جالسة على إحدى الكراسى فى ركن بعيد عن عمل رجال الشرطة وفريق الطب الشرعى الذى كان منهمكا فى رفع البصمات ومعاينة الجثة وأخذ عينات من الدم التى ملأت أرض الشقة والزجاج المتكسر بينما كان محمود يتحدث إلى سالم وانتبه محمود لهدوئها الغريب وكأنها فى عالم آخر تمسك بكوب الليمون دون أن تتذوقه وهى تداعب حوافه بحركات غير إرادية فاستأذن سالم ثم اقترب منها محاولا أن يبتسم ابتسامة مواسية قائلا : " لا نعلم حتى الآن ماذا حدث ولكننا نعمل على كل شىء ولكننى أحتاج منك بعض الإجابات على بعض الأسئلة البسيطة وسنكمل فيما بعد فأنت تعلمين أن الأمر ليس بسيطا على الإطلاق وليس بالأمر حيلة " أومأت برأسها متفهمة فى أسى وكدر دون أن تتحدث ثم قال حيث جاء سالم ليقف بجواره فى تلك اللحظة : " أين كنتِ يا مدام صفاء ؟! " قالت ومازالت عيناها متعلقة بالأرض وقد ساد ملامحها الوجوم : " كنت أبتاع بعض الاشياء للمنزل ولى ولإسماعيل " " من أين ؟! " " من الشارع المجاور فهناك احتفالا بمناسبة فتح إحدى المحال الجديدة " " هل كان هناك أعداء للسيد اسماعيل أو لك ؟ " نظرت له بتعجب شديد ثم غضت ببصرها بعيدا وقالت : " لا نحن أناس مسالمة للغاية لا نملك أعداء على الإطلاق " " ومن تظنين قد يكون له يدا فيما حدث ؟! " " لا أعلم " ثم سرعان ما أردفت والدموع تنساب من عينيها : " أنا لا أستطيع أن أجيب على أسئلتكم الآن ولكننى أستطيع أن أجيب عليها لاحقا فأمهلونى الليلة إن سمحتم لى " فقال لها سالم : " سؤال أخير من فضلك " " نعم " " ما هى صلة زوجك بكريم الذى يقطن فى الطابق العلوى ؟! " فتعجبت من السؤال للحظة حيث تشابكا حاجباها قائلة : " كريم ! , إنه جارنا ليس أكثر " فقال لها : " هل يمكنك أن ترافقيننى لوهلة ؟ وأتاسف لكثرة ما أطلب ولكنك تعرفين موقفنا " اقتربوا جميعا من الجثة الملقاة ثم سرعان ما قالت بإزدراء وخوف شديدين : " لا أرجوكم لا أستطيع بالفعل أن أره هكذا , كيف أستطيع رؤيته ميتا وبتلك الطريقة؟ " فقال لها محمود : " لا تخافى سيدتى فإنها مجرد نظرة واحدة " فكشف سالم الغطاء عن وجهه فإذا بها تعود للوراء وقد انتابتها حالة من الذهول والخوف وانكمشت على نفسها فى أحد الأركان وقد توقف الكلام خلف الشفتين ثم قال محمود : " هل تعلمين من هو ؟! " فأومأت برأسها بالعلم وهى تحاول إدراك الأمر ومحاولة فهم ما يحدث ثم قالت بصوت خفيض للغاية : " كريم ! " فقال لها سالم : " يبدو أننا لم نجد زوجك حتى الآن " فقالت دون وعى : " كيف ؟! وأين هو ؟! " فقال محمود : " لا نعلم ولكننا سنعلم إن شاء الله " ثم ابتسم محمود لها قائلا : " سأنتظرك غدا فى الصباح ولن نطيل عليك الآن أكثر وسأترك لك بعض رجالنا للحراسة بالطبع , نستأذنك الآن " انتظرونى فى الجزء السادس