كان الناس فى شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام يعرفون جيداً ان القلب النابض لشبه الجزيرة العربية هى قبيلة قريش وان ساداتها القائمين على ادارتها هم اهم شخصيات فى هذا الوقت وتستمد هذه الشخصيات قداستها من قداسة المكان الذين يشرفون على ادارته وهو بيت الله الذى بناه جدهم ابراهيم وابنه اسماعيل "عليها السلام" فكان الناس يحجون الى هذا المكان كل عام ليوفوا بالنذور ويتباركون بالكعبة ويعقدوا الثفقات التجارية وكل هذا يتم حسب الاعراف التى وضعها سادة قريش وزعمائها .. ومن ضمن تلك الاعراف ان تجعل كل قبيلة لها "صنماً" يمثلها حول الكعبة او داخلها . وذلك لسببين الاول هو ضمان ارتباط هذه القبائل بالحج سنوياً الى قريش والاستفادة من الرواج التجارى والسبب الثانى هو تدعيم مركز الزعامة لقريش على سائر بلدان شبه الجزيرة العربية وتأكيداً على القدسية الدينية لها ولسادتها ،وايضا ضمان من سادة قريش ان هذه القبائل التى احتفظت بصنماً لها حول الكعبة لن تتوانى عن نصرة قريش فى حال ما تعرضت قريش او قوافلها التجارية الى الاعتداء او السطوعليها. فلما جاء الاسلام واكد ان الفكرة الاساسية فيه هى التوحيد لله وحده والا يعبد شىء معه سبحانه وتعالى؛ الامر الذى اربك قريش وسادتها.حيث ان فكرة التوحيد ستزيل جميع الاصنام من حول الكعبة ومن داخلها وستقضى على تجارة قريش التى هى سبب قوى من اسباب زعامتها بين القبائل فى شبه الجزيرة العربية . ولكن هناك قرائة اخرى للاحداث تقول ان محاربة قريش لفكرة التوحيد سببه القضاء على الاصنام التى ستعزل القبائل عنهم فى حال وقوع حرب على قريش هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ستلقى على عاتقهم ترك حياة الترف واللعب وتجعلهم ينشغلون دائماً بالتجهيز للحرب والانفاق عليها وترك فكرة التواكل على مساندة ونصرة الغير. وهذه التحويلة فى طبيعة الشخصية التى أَلِفت الاحلام السعيدة فى نومها الطويل وترف الطعام والشراب والشهرة فى يقظتها التى تتشابه مع نومها فى كثرة احلام اليقظة والطموح فى السلطه . وفى الحقيقة ان التحويلة النفسية لشخصيات تربوا على تلك الاشياء ليصيروا محاربين حقيقيون يتصدون لاخطار حقيقية من عدو حقيقى تكون صعبة بل مرفوضة من تلك الشخصيات انفسهم سيحاربون بكل ما لديهم من قوة حتى يجهضوا اى محاولة تغير من عقيدة احلام اليقظة وحياة الترف وتعظيم السلام لهم من القاصى والدانى والأدنى. ان اقامة العدالة الاجتماعية امر ايضاً مرفوض لدى زعماء قريش وساداتها كما رفضهم للتوحيد حيث ان اقامة العدل معناه مساواة الجميع بهم وهذا ايضاً يؤثر على عقيدتهم ونظام حياتهم المعيشى فكيف تتساوى القيادات من حاملى الرتب على اكتافهم بمن يحملون اعباء الحياة وهموم العيش والمعيشة على اكتافهم! فمن ادبيات الاسلام ان الكتف فى الكتف تستوى الصفوف ولكن عقيدة حاملى الرتب على اكتافهم ترى ان الاكتاف ليست متساوية ولا ينبغى ان تكون. ان الدورة الدموية تجرى داخل جسم الانسان الطبيعى الذى يقبل بل يحلم بالمساواه والعدالة الاجتماعية لتحفظ له حياته؛ اما اراقة دماء هؤلاء البشر الطبيعيون والقضاء على الدورة الدموية لديهم يكون اساساً لاستمرار دورة حياة غيرهم من سادة البلاد. عندما فُتِحت مكة لم يكتمل النصر بالهزيمة المعنوية لسادة قريش وفقط ولكن كان من المهم تحطيم جميع الاصنام حتى يترسخ معنى التوحيد من جانب ويترسخ ايضاً مبدأ الاعتماد على النفس والتخلى عن الاتكالية على الغير فى الدفاع والمساندة فى اوقات الضعف من كل ذى صنم. ما يحدث فى مصر الان من سادة الجيش هو نفس الدفاع المستميت عن المصالح واحلام اليقظة من التطلع الى السلطة والمال والشهرة بغير طريق شرعى والابتعاد عن مفهوم العدالة الاجتماعية الذى ضحى فى سبيل تحقيقه الكثير من ضحايا الواجب والضمير . لذى كان جُل اهتمام هؤلاء القادة من ذوى الرتب العليا منهم و"الدنيا" ان يبحثون عن من يدافع عنهم بالإنابة وان لا يدخلون الحرب مع المنادون بالعدالة الاجتماعية والطريق الشرعى لبناء مؤسسات الوطن بمفردهم . فقرروا انشاء لجنة تسمى لجنة الخمسين .. خمسين مندوب لخمسين قبيلة او فرقة او حزب ليضعوا اصنامهم اقصد موادهم فى الدستور الذى سيشاركون قيادات الجيش فى الدفاع عنه كما سيشاركونهم الحَج والاحتجاج الى مواده فى حالة الدفاع عن النفس. الخصوم الان يزدادون كلما ازدات الاصنام، وعلى كل مندوب من اى قبيلة كان او حزب ان يحمل فوق كتفه صنمه الذى يعبر عنه ليضعه بين دفتى ذلك الدستور المشوه الذى سيصنعه "50%" من عدد من صنعوا دستور ثورة يناير المجيدة . فمنهم من كان صنمه "الدولة كيان مدنى لا دين له" ومنهم من يكن صنمه "قدسية القضاء" ومنهم من كان صنمه"حرية الانتاج السينيمائى" ومنهم من كان صنمه "اقصاء اى فصيل يستغل الديموقراطية فى الوصول الى الحكم !"ومنهم من كان صنمه "ان الجيش خط احمر وقادته اعلى من اى قيادة ولا يؤدون القسم امام رئيس الدولة" . وكثيرأ من الاصنام التى لن تُفتح وتتفح اذاهان المصريين الا بتحطيمها ومحو ما ترتب عليها من اثار سلبية لتكون السيادة لهوية هذا الشعب التى تضمن له حرية الاختيار وتتحقق العدالة الاجتماعية ؛ لنتخلص من وهم البحث عن شريك يشاركنا حريتنا واقواتنا واوقاتنا فى وقت السِلم قبل ان يشاركنا اوجاعنا فى وقت الحرب .