عندما يثور كإصار أهوج تلتزم الصمت لا يوجد سبب قوي لثورته هذه وإن وجد فهو بسيط ولا يستدعي كل هذه الزوابع التي تأتي على كل ركن من أركان البيت يكبر الامور دوما ليفرض سيطرته عليها وفي ثواني ودقائق قليلة يكون قد أتى على كل شئ حوله ولا يترك خلفه إلاصور متعددة من الدمار الشامل وشلالات من الدموع والاهات وبلحظات يهدأ وكأن شيئا لم يكن ويرتدي ثيابه تاركا البيت ومن فيه حطاما وركاما .وبعد رحيله تخرج من صومعة صمتها لتدخل إلى دهاليز عذاباتها وإحتراقاتها فتبكي بحرقة تحفر أنهارا من العبرات باهاتهاتصرخ من الأعماق ولا مجيب حينها سوى صدى صوتها الذي يرتد إلى قلبها المثخن بالجراح خناجرا تغرس في صميم قهرها وصبرها وعجزها يجزأ بسوط عذابه أنفاسها يناديها صمتها لا وقت للدموع الان قومي ولملمي ما قد تبعثر على يدي سجانك لملمي نظرات أطفالك الفزعة الحيرى هدئي نبضات قلوبهم المضطربة كوني لهم أما و أبا لا تقسي عليهم بسبب أباهم وقسوته عليك تهرع إليهم فتجدهم وقد أخذوا ركنا يحتمون فيه من تلك الاعاصير التي تجتاحهم دون ذنب تضمهم إلى صدرها يلتصقون بجسدها من كل صوب مستمدين الامان والحنان واحد يرتمي بحضنها واخر يعانقها و ثالث يقبل يداها قائلين لها بصوت متحشرج أماه لاتبكي فغدا سوف نكبر ونأخذك بعيدا عن قسوة أبانا هذه هي أحلامهم انذاك أن ينتشلوا أمهم من أتون عذاباتها وإحتراقاتها من أجلهم تطبطب على رؤسهم تمسح على خوفهم وحزنهم وتبتسم وهي تعتصر ألما لا تبالوا أحبتي فهذا والدكم ألم تعتادوا على وضعه ؟؟نحن لا نستطيع العيش من دونه بالتأكيد يعاني من مشكلة ما في عمله من واجبنا أن نتحمله فهو الخيمة التي نستظل ونحتمي بها من جور الزمان الا ترون كيف يمضي طوال يومه خارج المنزل ليوفر لنا حياة كريمة ولا يدعنا نحتاج أحد صحيح أنه عصبي ويتطاول علينا دوما ولكن صدقوني قلبه طيب جدا ويحبكم كثيرا الا ترون كيف يغدو كالمجنون إذا ما حدث لأحدكم مكروه ما ..هكذا كانت تقنع أبناءها كي لا يكرهونه بسبب خلافاتها معه ويعود اخر النهار فيجد الصمت يلف كل ركن من أركان البيت وقد أزيلت كل اثار الدمار التي خلفها قبل أن يغادر المنزل أول ما تقع عليه عيناه هو وجهها يتفرسه بلمح البصر كأنه يبحث عن أثار جريمته التي أخفتها بمساحيق المكياج لا تسمح له كرامته وكبرياءه وجبروته أن يعتذر لها عما بدر منه ويكتفي بأن يرمقها بنظرة عابرة مطأطأ برأسه إلى الأرض معاقبا نفسه بنفسه تترقرق الدموع بعيناها العسلاويتن الجمليتين واللتان كم يحب النظر إليهما دوما مشبها إياهما بالنجمتين المتلألأتين وما أن تتلاقى نظراتها المنهزمة بنظراته المنكسرة حتى تشعر بالضعف والهزيمة والانكسار يمر بجانبها تحاول أن تبتعد عنه كي لا يلامس حتى طرف ثوبها جسده فلا مكان له في تلك اللحظات بقلبها يتعمد أن يصطدم بها لمسة واحدة يطبطب ويرتب بها على كتفها كافية لان تنسيها تلك البراكين التي أحرقتها قبل ساعات لمسة واحدة من نفس اليد التي هوت على جسدها الممشوق والذي كم طال إنتظاره لإمتلاكه ذات يوم كافية أن تجعلها تلقي برأسها على صدره كطفل يستجدي الحب والحنان والامان نفس تلك اليد التي باتت تعذبها بين الفينة والاخرى هاهي تمر على رأسها مرور الكرام يرمقها بنظرة مليئة بالندم والحسرة ولما لا وهي حبه الأول والأنثى الوحيدة التي هزت عرش قلبه من بد النساء تبعد عيناها عن النظر بعيناه لاتريد له الخضوع والذل والانكسار أمامها وهو القوي والمعتز بكبرياءه دوما لكي لاتهتز صورته من ثم أمام نفسه قبل أن يكون أمامها ترمقه بنظرة حانية وهي تكفف عبراتها مبتسمة له بإبتسامة ثكلى تأبى أن تستقر على شفاها المرتعشة أكثر من ثواني لتبادره بالقول هل أحضر لك العشاء ؟؟ يهز راسه بالإيجاب يتسلل أطفالها الواحد تلو الاخر خلسة يتقدمون على رؤس أصابعهم خطوة ويتراجعون خطوات خوفا من والدهم تشدهم إليها يمسكون بثوبها وهم يتهامسون هل مازال أبانا غاضبا يا أماه ؟؟لاتجيب على تساؤلاتهم تلقي بهم جميعا بأحضانه ليعانقهم تنزل عبراته يلتقطها أولاده يسألونه لماذا تبكي يأبي لا مجيب لتساؤلاتهم لانه يعي جيدا أنهم وحدهم القادرون على حسابه دون عقاب ...هذه صورة واقعية يزخ بها مجتمعنا الشرقي صورة لإمراة رضيت أن تعيش زوجة وأسيرة طبيبا رغم جروحها بلسما رغم أوجاعها جارية رغم إنعتاقاتها يعذبها سجانها معتقدا أن صمتها وسكوتها عليه نابع من عجزها وضعفها ولا يعلم أنها إمراة أقوى من الأيام