قوة الديمقراطية وقوة العقيدة في إسرائيل تمنعان "نتان ياهو" عن تكرار تجميد الاستيطان في الضفة الغربية، أما قوة الديمقراطية فهي تعتمد على عدد المقاعد الخمسة عشر التي تخص حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة "ليبرمان" وتحقق الأغلبية للحكومة الراهنة بعدد 74 مقعداً، وفي حالة تجميد الاستيطان سيغضب "ليبرمان" ومعنى ذلك سقوط الحكومة التي سيظل لها 59 مقعداً فقط. فإذا أضيف لقوة الديمقراطية في إسرائيل قوة العقيدة التي يؤمن فيها "نتان ياهو" نفسه؛ عقيدة "أرض إسرائيل" التي حركت شهيته يوماً ما من سنة 2004 للتكتل في حزب "الليكود" ضد أرئيل شارون وخطة الفصل عن قطاع غزة. بالإضافة إلى قوة العقيدة وقوة الديمقراطية، هنالك قوة الأمر الواقع المسيطر على كل أرض فلسطين تحت سمع وبصر العالم، وقوة اللوبي اليهودي في أمريكا، وقدرته على فرض المشيئة اليهودية على مجمل السياسية الأمريكية، لذا لم يتردد "نتان ياهو" في رفض الإغراءات الأمريكية علناً، بما في ذلك أحدث أنواع الأسلحة مقابل تجميد الاستيطان لمدة شهرين فقط، وتفصيل الدولة الفلسطينية العتيدة على مزاج اليهود، مع ضمان بقائهم في منطقة الأغوار، مع الاعتراف الأمريكي بيهودية دولتهم، ودعم غير محدود في الأممالمتحدة، لقد رفض "نتان ياهو" كل ذلك علناً، مقابل انحناء الجميع أمام حق اليهود في تواصل الاستيطان. لم يبق للفلسطينيين إلا قوة الحرد، والتمنع عن المشاركة في المفاوضات، وهذا بحد ذاته محرك إضافي لشهوة "نتان ياهو" للتمسك أكثر بأرض إسرائيل الكبرى، ولاسيما أن الحرد الفلسطيني المؤقت لا يطرح خيارات أخرى غير خيار التفاوض، والحرد الفلسطيني عن المفاوضات لا يعني الانقطاع عن التنسيق الأمني، وهذا غاية ما يتمناه المتطرفون اليهود من تواصل الاستيطان وتواصل التنسيق الأمني!. رخاوة الساسة الفلسطينيين، وطراوتهم، ونعومة طرحهم لحقوق الشعب، ورهافتهم، ورقّتهم، وتوددهم في استخذاء حقوقهم، مع شفافية الأجهزة الأمنية في التنسيق مع الإسرائيليين، كل ذلك استفز أكثر القادة العرب رغبة في التواصل مع الإسرائيليين، وأكثرهم استعداداً للتوصل لاتفاق معهم، السيد "أبو الغيط" وزير الخارجية المصري الذي صار متطرفاً قياساً إلى القيادة الفلسطينية، وهو يقول: "أتصور أن الجانب الفلسطيني لن يستمر في المفاوضات"، وكأن الرجل يقول للقادة الفلسطينيين: ارحمونا، لقد تجاوزتم ما توسلت إليه إسرائيل يوماً، لقد أحرجتمونا مع أمريكا، وأربكتم اتفاقياتنا مع إسرائيل، وأخرجتمونا عن مألوف قناعاتنا السياسية! ارحمونا!.