في جلسة حوارية طالت المناورات من خلالها لجيل المستقبل، وما أن بدأ النقاش فمن قبل معرفة ماهية الجندر وإلى ماذا يهدف؟ أخذ الحوار يشكل منحني آخر على استغراب المصطلح وعدم قبوله وبداية لأن يكون مهزئة البعض له، بالطبع هم فئة بسيطة ولكن هذه الفئة لو تركناها دون وعي فسيكون لهم الدور الأكبر مستقبلاً في تخريب واقع المفهوم الجندري الحقيقي عن المفهوم المتزمت الآن.. الجندر ما بين التطبيق واللاتطبيق.. تساؤلات عديدة حول الموضوع ومعلومات مغلوطة، وفهم خاطيء للمعني الحقيقي.. ماذا يعني الجندر؟؟ ما مدي علاقة الجندر بالجنس؟؟ الجندر وصور المرأة في الإعلام السائد؟؟ هل الجندر مقبول أم مرفوض في واقعنا الفلسطيني؟؟ الجندر والشريعة الإسلامية؟؟ فكان لي هذا المقال للشرح المبسط عن الجندر أو النوع الاجتماعي، يحمل في طياته الثقافة والفكر الحر مع تسييده للدين الإسلامي، علنا نصل لقيمة علمية تفيد البعض المتجاهل للأمر المعقول.. الجندر أو النوع الاجتماعي هو تبادل الأدوار الوظيفية لكلا من المرأة أو الرجل على حدة، والأولية تكون لمن لديه الكفاءة لهذا الدور، أي يعني أنه قائم على العلاقات والفروقات للمرأة والرجل، التي ترجع إلى الاختلاف بين المجتمعات والثقافات والتي هي عرضة طوال الوقت للتغيير، هذا ويرجع الفضل باستخدام مصطلح الجندر إلى (منظمة العمل الدولية).. ومصطلح (الجندر) لا يعدّ بديلاً لمصطلح ( الجنس) الذي يشير –بدوره- إلى الاختلافات البيولوجية بين الرجال والنساء. وبمعنى آخر فإنّه يمكن استخدام مصطلح الجنس في التعدادات الإحصائية، أمّا( الجندر) فيستخدم في تحليل الأدوار والمسؤوليات والحاجات الخاصة بكلٍ من الرجال والنساء في كل مكان وفي أي سياق اجتماعي.. الأبحاث الحديثة تؤكد على أنّ (الجندر) أصبح يعنى بما هو أبعد من الإطار الجنساني؛ ليصل إلى المدى، الذي يعنى فيه بالعلاقات الاقتصادية، كما أن التعريفات الجندرية جماعية ومجزأة وغير ثابتة. فالجندر عادة ما يتعلق بالديناميكيات الإثنية والطبقية.. ومصطلح ال(Gender) في اللغة الإنجليزية، يشير إلى شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى؛ أي مجرد الشعور بالذكورة أو الأنوثة؛ بعيداً عن الأدوار المنوطة بكل منها على حدة، وذلك وفقاً لما ورد في الموسوعة البريطانية وقد ظهر استخدام مصطلح (الجندر) في المواثيق الدولية اعتباراً من مؤتمر السكان في القاهرة عام 1994.. وفي مؤتمر بكين للسكان الذي عقد عام 1995، تم التركيز بشكل مكثف على استخدام مصطلح (الجندر) باعتباره أساس الدعوة إلى إلغاء جميع الفوارق التي من شأنها أن تنتقص من حقوق المرأة أو تلك التي تعطي الرجل حقوقاً أكثر من المرأة وركّز المؤتمر على أن طرح فكرة المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالحصول على الحقوق وممارسته الأدوار الوظيفية داخل المجتمع، إنما يتبلور من خلال استخدام مصطلح (الجندر)، وفي مؤتمر روما الخاص بإنشاء المحكمة الدولية عام 1998، تم التأكيد على أن كل تفرقة أو عقاب على أساس (الجندر) تشكّل جريمة ضد الإنسانية وهو ما يبرز المعنى المقصود دولياً من مصطلح (الجندر) ويحسم كثرة الجدل الدائر بشأن الهدف من وراء إطلاقه واستخدامه في المواثيق والاتفاقيات الدولية؛ محدداً ذلك بالمساواة بين الرجل والمرأة وكفالة عدم التمييز ضد المرأة.. هذا يعني بأن الجندر قام على عدة مرتكزات وهي معرفة وتحليل العلاقات المتداخلة بين الرجل والمرأة، وتحديد أسباب وأشكال عدم التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة والسعي لإيجاد طرق لمعالجة هذا الاختلال، وتطوير العلاقة بين الرجل والمرأة بحيث يتم توفير العدالة والمساواة بين النوعين من ناحية وبين أفراد المجتمع من ناحية أخرى.. غالباً ما ترتبط هذه الأدوار التي يناط بالرجل والمرأة، القيام بها داخل المجتمع بمجموعة من السلوكيات، التي تعبر عن القيم السائدة في هذا المجتمع والتي من شأنها تحديد مدى إجادة كل من الجنسين في القيام بدوره.. ولكن ما يثير الرعب في الموضوع ويدمر الصورة الحقيقية للمرأة هو الإعلام السائد الذي يظهر المرأة على أنها سيدة الطبخ والمهتمة فقط بالإنجاب والعلاقات الأسرية بصورتها السطحية، وكذلك تصويرها على أنها السيدة الحساسة غير القادرة على إتخاذ قرارات سليمة، حيث أنه يقوم فقط بإظهار تلك الفئة المتميزة من السيدات من ذوات الطبقة العليا كالفنانات ونساء الأسر المالكة، حتى أنه همش صورة المرأة البدوية الكادحة في العمل لأجل أسرتها، وإن أظهر صورة المرأة المتعلمة فإنه يظهرها على أنها من تنازلت عن مشاعرها وأحاسيسها في الأمومة وتكوين الأسرة، فهذا أخطر ما قدمه الإعلام النمطي السائد في المجتمعات، وإن إعلامنا استهلاكي بطبعه، غير معني بحاجات الناس الحقيقية، إلاّ ما توافق منها مع مصالحه البراجماتية، إنه إعلام تطغى عليه السياسة والترفيه السطحي، يفتقر إلى أدنى درجات الوعي التربوي، ويرتاح لصورة المرأة التقليدية غير المقلقة، في الوقت الذي يستورد فيه الصور الحديثة، بشكلها الغربي، دون وعي نقدي، فيقع في التناقضات.. ومن واقع مجتمعنا الفلسطيني فنري كثيراً من الرجال يرفض المساواة، حتى وإن أقرت السلطة الحاكمة على المساواة وعدم التمييز، فتبقي النظرة الدونية للمرأة كما هي دون تغيير. ونري التعامل مع الجندر هنا بأن البعض يتعامل معه وهؤلاء هم الفئة المنفتحة على الواقع الثقافي الذي ينادي به المجتمع الغربي، والبعض الآخر يحاربه لأنه ضد الشريعة الإسلامية في المعتقدات لديهم.. ويخطأ كلا الفئتين في حق المفهوم الجندري، فمن يرغب بالانفتاح والمساواة يزيد بأطماعه لأن يصل خارج إطار القافلة الإسلامية، أما من يحارب هذا الأمر فإنه يتزمت على عدم المساواة مستغلاً استخدام ما جاء في القرآن بأساليب خاطئة.. ولكن يُنظر للجندر من زاوية شريعة بأنَّها تتنافَى والفطرةَ التي خلق الله عليها الإنسان رجلاً وامرأة، وتصطدم - وبشكل سافر - بعقيدتنا ودِيننا الذي نؤمن به، تلك العقيدة التي ترتكز على أنَّ الإنسان الذي خَلقَه الله ربُّ العالمين مِن زوجين اثنين؛ آدم وحواء - جزءٌ من الثنائية المتناغمة في هذا الكون، والذي يحقِّق بها التوازن، والثبات والأعمار. هذه الحقيقة التي أقرَّها الله في شريعته، وأنزلها على أنبيائه الذين علَّموها للبشر، شرائع ونواميس تنظِّم الحياة الإنسانية، وتُحافِظ على إنسانية الإنسان الذي كرَّمه الله، وأمر الملائكة بالسجود له، وتتكفَّل له بطريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة؛ {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136]. هذا الدِّين الذي نؤمِن به رجالاً ونساءً جَعَل العلاقة بينهما علاقةَ مودة ورحمة وسكن، تُبنَى فيه الأُسرة التي هي النواة الأولى في بناء الفرْد والمجتمع، والدولة والأمَّة، ونؤمِن بأنَّ كل ما جاء به هذا الدِّين هو حقٌّ، وإن لم يكن لنا فيه نفع ظاهر، فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - له فيه حِكمة قد لا ندركها كبَشَر في مكانٍ ما وزمان ما؛ قال - سبحانه وتعالى -: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، فهم قوَّامون على النساء، ولكن بضوابط وضَعَها الشرع؛ حفاظًا على هذه المرأة، التي هي مخلوقة من مخلوقات ربِّ العالمين، حالُها كحال الرجل، فكيف يظلم الله مخلوقًا خَلَقه؟! فإذا كان الرجل قوَّامًا على المرأة، فإنَّ النساء كُرِّمن بسورة خاصَّة بهنّ، فيها من الضوابط والأحكام ما فيه؛ حفاظًا على كرامة المرأة وإنسانيتها، وحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والشرعيَّة. في حقيقة الأمر، وكما قلنا أن هناك البعض ينادي فيه وينادي بالحرية والمساواة وكلنا مع هذا، ولكن نتمنى أن تكون المساواة بما أراده الله عز وجل في قرآنه الكريم، ولكل امرأة تتمني أن تتساوي مع الرجل تماماً تخرج من دائرة الأوهام الغربية، فإن المجتمع الغربي في الواقع هو الذي بحاجة إلى إعادة تأهيل لأن المرأة عندهم في صورة مشوهة، أما نحن فالمرأة لدينا مكرمة من كل النواحي وتعيش وتموت وهي في كامل أنوثتها الموقرة.. فإن كانت أصحاب العقول والنفوس الضعيفة اندثرت إلى الهاوية، مع فئات الفاسدين، فلا تكن أنت منهم، وإن أردتم المساواة وعدم التمييز، فاعملوا ما جاء بالقرآن الكريم..