تلعب الصحافة دورا مهما في تشكيل وتوجيه الرأي العام ومن ثم التحكم في قناعات الشعوب وردود افعالها تجاه الاحداث وقديما قال فولتير( الصحافة تعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشىء عالما جديدا)، ورأينا قادة ادركوا خطورة الصحافة وسجل لهم التاريخ مقولة أحد رؤساء فنزويلا السابقين (أنا لا اخاف بوابة جهنم اذا فتحت في وجهي، ولكني ارتعش من صرير قلم محرر صحيفة. ولا تستطيع الصحافة أن تؤدي دورها بدون تمتع الصحفيين بحقهم في الحصول علي المعلومات من مصادرها وتقييد هذا الحق كما هو الحال في الكثير من البلاد العربية يصيب الصحافة في مقتل. ولإلقاء الضوء علي جوانب هذه القضية عقدت الجمعية المصرية للتنمية العلمية والتكنولوجية ندوة (الصحافة وحق الحصول علي المعلومات) شارك فيها نخبة من الإعلاميين والاكاديميين . صعوبة حجب المعلومات في مستهل الندوة أكد الكاتب الصحفي سعد هجرس مدير تحرير جريدة " العالم اليوم" أن حرية الصحافة في مصر مرتبطة بقبضة السلطة عليها لافتا إلي أنها اذا ارادت في اي وقت حجب هذه الحرية وعرقلة عمل الصحف فيمكنها ذلك بسبب المنظومة التشريعية والقانونية التي تعطيها هذا الحق تحت ذرائع مختلفة توفرها لها هذه المنظومة . وأوضح أنه علي الرغم من وعود الرئيس مبارك بضمان حرية الصحافة وإلغاء عقوبات حبس الصحفيين، إلا أن ترزية القوانين تحايلوا علي هذه الوعود وقاموا باستبدال مواد الحبس بمواد عقوبتها اشد وضمنوها في قوانين اخري لتحقيق نفس الهدف وهو تكبيل حرية الصحافة. وأعرب هجرس عن مخاوفه من أداء أعضاء مجلس الشعب تجاه قانون المعلومات المزمع اصداره في الدورة البرلمانية القادمة، وقال إن المشرع المصري لديه نزوع دائم للوقوف ضد حرية الصحافة والديمقراطية بشكل عام. ولفت هجرس الإنتباه إلي أن القانون المنتظر يتزامن مع قرب صدور قانون الإرهاب الذي يعطي السلطات الحق في العدوان علي الحريات العامة والخاصة مؤكدا أن المشرعين اذا ظلوا يتمسكون بهذه الدوافع فسوف يخرج القانون أجوفا وخاليا من اي بنود ايجابية تدعم الهدف منه وهو اتاحة وتوفير حرية تداول وكشف المعلومات للمواطن والصحفي معا. وأضاف بأنه لم يعد بوسع اية حكومة رفض إصدار قانون للمعلومات بشكل صريح لأننا نعيش عصر ثورة المعلومات الذي لا تستطيع فيه الحكومات منع وحجب المعلومات عن المواطنين لأنها تعلم أن هناك مصادر أخري وفرتها التكنولوجيا الحديثة يمكن اللجوء اليها للحصول علي تلك المعلومات. ونبه إلي أن سيتم صدور قانون المعلومات فعلا ولكنه سيكون مخالفا للمقاييس والمعايير الدولية للقوانين المماثلة مما سيؤدي إلي انتفاء الهدف من صدوره مؤكدا أنه ينبغي تضمين القانون مادة لمحاسبة بل وحبس الموظف الذي يرفض الكشف عن المعلومات لأي مواطن مهما كان. واعرب عن امله في أن يتم تأسيس هيئة عامة محايدة تطبق القانون وتضع اسس بناء بنية تحتية للمعلومات التي مازالت أرقامها متضاربة على أن تقوم هذه الهيئة بإصدار احصاءات ومؤشرات مدققة وعلمية حول مختلف المجالات بحيث يمكن الاستفادة من النظم المعمول بها في المؤسسات العلمية والمدنية في العالم كله. ولفت الإنتباه إلي ضرورة أن تقوم تلك الهيئة بعمل استطلاعات للرأي العام حول القضايا المجتمعية المطروحة لان المعلومات لا يمكن أن تكتمل بدون قياس رد فعل الرأي العام الحقيقي وليس كما يفعل مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء. وتطرق سعد هجرس في كلمته إلي قانون المعلومات الهندي الصادر عام 2005 الذي يعتبره الشعب الهندي أهم قانون صدر منذ تاريخ استقلال الهند لافتا إلي أنه من خلال تجربته القصيرة خلال زيارته للهند اتضح له كيف انخفض الخط البياني للفساد منذ اصدارهذا القانون . اعادة الاموال المنهوبة واشار هجرس إلي أن من ثمرات هذا القانون أن المسئولين في البلديات والمحليات أعادوا طواعية النقود والثروات التي سرقوها حتي بعد خروجهم من الوظيفة لأنهم تأكدوا من أن القانون سيكشفهم ويعاقبهم علي مخالفاتهم. وتناول هجرس في الندوة اشكالية الخلاف الدائم بين الصحفيين والحكومة الذي دائما ما يدور حول المسائل السياسية التي تثير الحساسيات لدي المسئولين مما يدفعهم لحجب المعلومات خوفا من النقد وكشف الانحرافات . ونبه إلي أن معظم الخلافات بين الطرفين تدور حول تضارب الأرقام والحقائق وإخفائها مما يعرض الصحفي للمسئولية الجنائية عندما يجتهد في الحصول عليها بشكل سري وغير رسمي أو نقل الشائعات وهو الأمر الذي أدي إلي فقدان الصحافة المصرية لريادتها في العالم العربي بسبب عدم دقة المعلومات التي تعطي لهم او يحصلون عليها بوسائلهم الشخصية أو نشرها في سياقات مختلفة كل حسب هواه ومصلحته. وطالب هجرس بضرورة تعديل المواد التي يتضمنها قانون العقوبات الخاصة بقضايا النشر لتقتصر علي الغرامة أو التعويض مثل القوانين المماثلة في العالم المتقدم مع مراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها الشعب المصري. كما طالب باطلاق حرية إصدار الصحف والاكتفاء بمجرد الإخطار للجهات الرسمية المختصة فقط وليس الترخيص الذي يتحكم في اصداره اعضاء المجلس الاعلي للصحافة الموالين للحكومة واتجاهاتها العدائية نحو حرية الصحافة والتعبير. الصراع بين السلطات ومن جانبه القي الدكتور سعيد صادق استاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الامريكية والخبير الاعلامي الضوء علي الاشكالية التي تعاني منها الصحف والمتمثلة في ذلك النمط من الثقافة السياسية الاستبدادية التي تتبناها الانظمة التي تحكم معظم الدول العربية ومن بينها مصر. وأوضح أن هذه الثقافة تقوم في الأساس علي منع تداول المعلومات للاحتفاظ بمركز القوة في وجه المواطن الذي لا يملك المعلومة ولايمكنه الحصول عليها حتي يظل هذا المواطن في المركز الأضعف. وقال إن إثارة موضوع حرية تداول المعلومات في الوقت الراهن يرجع إلي تلك الحالة من الاشتباك والصراع الدائر منذ عقود بين سلطة تنفيذية مهيمنة و تحتكر كل شيء في الدولة لنفسها، وبين باقي السلطات القضائية والتشريعية والإعلامية والمجتمع المدني أيضا. ولفت الإنتباه إلي أن الشعوب لم يعد لديها الإستعداد للإقتناع بحجة الأمن القومي التي تلجأ إليها الحكومة لتغطي علي رغبتها في الاستمرار في الإحتفاظ بسرية المعلومات وحجبها عن الصحفيين مشيرا إلي أن حقيقة المنع والحجب تعود إلي ذلك التحالف الموجود بين الحكومة و قوي الفساد. واشار إلي أن من شأن إطلاق الحق في الحصول علي المعلومات كشف مثلث الاستبداد والثروة والفساد معا لذا تتعمد الحكومات ورموزها إخفاء المعلومات بهذه الذريعة غير المقنعة، إضافة إلي أن الأنظمة السياسية تعودت علي مدي قرون علي السرية لدرجة الإدمان. اكسجين الديمقراطية واوضح الدكتور سعيد صادق أن المعلومات هي أكسجين الديمقراطية وشرطها الأساس لافتا إلي أن من حق المواطن الذي يعطي صوته في الإنتخابات ويدفع الضرائب أن يعرف أين تذهب أمواله هل تنفق في مشاريع لتنمية البلاد أم تختفي في جيوب الفاسدين والمخطئين . وأكد أن حرية تداول المعلومات والشفافية في الحصول على المعلومات هي معيار الحكومة الصالحة مشيرا إلي أن تجارب الدول العربية في إصدار قوانين للمعلومات تعرضت للفشل ومن بينها الأردن التي أصدرت قانونا بذلك عام 2007 ثم ألغته بسبب تعرضها لإنتقادات شديدة من العناصر الفاسدة المسئولة. كما أشار لتجربة فلسطين والتي بصدد إعداد قانون للمعلومات بعد أن اعربت الدول المانحة عن تشككها في عدم شفافية طرق إدارة هذه الأموال والمساعدات وعدم التأكد من صرفها في تنفيذ مشروعات التنمية وغيرها التي تصب في مصالح الشعب الفلسطيني. الإعلام العربي وكان الإعلامي حسن الشامي رئيس الجمعية قد افتتح الندوة بالحديث عن دور الجمعية في مناقشة القضايا العامة التي تدور في المجتمع لاسيما في مرحلة التحول التي تعيشها مصر حاليا، مشير إلى أهمية إتاحة الحق في الحصول على المعلومات وتداولها والثقة في صحتها للقضاء على الإشاعات في مهدها من خلال نشر المعلومات الصحيحة والكاملة والموثقةمن جانب السلطات المختصة . واشار إلي أن هناك دراسة قام بها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان تحت عنوان (الإعلام في العالم العربي : بين التحرير و اعادة انتاج الهيمنة) حذرت من خطورة استمرار الهيمنة والإحتكار الذي تمارسه الكثير من البلدان العربية علي مصادر المعلومات التي بدونها يصبح العمل الإعلامي واستقلاليته وقدرته علي قول الحقيقة والتصدي للفساد بلا جدوي . وأكد حسن الشامي علي اهمية اطلاق الحق في الحصول علي المعلومات حتي يتمكن المجتمع المدني ممثلا في المؤسسات والجمعيات الأهلية من كشف الفساد وملاحقة المفسدين وفي نفس الوقت القيام بتكريم الشرفاء والحريصين على المصلحة العامة وخدمة المواطنين. وأعلن عن خطة الجمعية في هذا الصدد بالحصول على مشروع قانون المعلومات المزمع تقديمه لمجلس الشعب وإتاحته للنقاش العام والحوار الوطني في منتديات الجمعية حتى يخرج بصورة مرضية وكاملة. [email protected]