اجتماع لمجلس النقابة العامة للمحامين والنقباء الفرعيين غدًا    البيئة تفحص شكوى تضرر سكان زهراء المعادي من الحرائق    جيش الاحتلال: يطالب سكان في شمال غزة بالنزوح الفوري قبل قصفها    بعد الخسارة من بيراميدز| الزمالك يفقد فرصة التأهل لدوري أبطال إفريقيا    الشباب والرياضة ببنى سويف تحتفل باليوم العالمى للصحافة    بالمستند.. التعليم تخاطب المديريات لموافاتها بقاعدة بيانات المتعاقدين بنظام الحصة    مي فاروق تشوق الجمهور لحفلها في دار الأوبرا: «هستناكم علشان وحشتوني»    أثناء تكريمه.. «دي نيرو» يهاجم ترامب من مهرجان كان: «عدو للفنون»    وربيرج: نسعى لنكون شريكًا أساسيًا وندرك حرية دول المنطقة    فتحى عبد الوهاب: العلاقة تاريخيا ملتبسة بين الإخراج والإنتاج ويشبهان الأب والأم    هل تعليق الصور في البيوت يمنع دخول الملائكة؟.. أمين الفتوى يحسم    من بين 80 غزوة.. علي جمعة يكشف عدد الغزوات التي شارك فيها النبي؟    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    قرار بتعديل تكليف خريجي دفعة 2023 بالمعهد الفني الصحي بقنا إلى المستشفيات الجامعية    احذر- علامات تدل على نقص فيتامين ه بجسمك    الصين صدرت 242 ألف سيارة تجارية في الربع الأول من 2025    وزير التعليم يستقبل الممثل المقيم لصندوق الأمم المتحدة للسكان لبحث سبل تعزيز التعاون    محافظ جنوب سيناء خلال لقاؤه «الجبهة»: المواطن السيناوي في قلب الأولويات    وكيل الصحة بالمنوفية يتفقد القومسيون الطبي لبحث تطوير الخدمات    وزير خارجية سوريا: رفع ترامب العقوبات عن بلادنا نقطة تحول محورية    التقنية الحيوية ومستقبل مصر.. رؤية من جامعة القاهرة الأهلية    د. أسامة السعيد يكتب: ساعات فى رحاب المجد    محافظ الدقهلية: 1457 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية الخليج مركز المنصورة    الصحة العالمية تحذر من عجز أعداد الممرضين في إقليم شرق المتوسط    إلهام شاهين تشارك جمهورها صورًا من على شاطئ البحر في لبنان    وكيل وزارة الصحة يعقد اجتماعًا مع لجنة المعايشة بمستشفى سفاجا المركزي    رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج يشكر مصر على استضافة البطولة الإفريقية    المرأة الوحيدة في استقبال ترامب.. من هي الأميرة السعودية ريما بنت بندر؟    "فخور بك".. كريستيانو يحتفل بأول ظهور لنجله مع منتخب البرتغال (صور)    جامعة برج العرب التكنولوجية تنظم الملتقى الثاني لكليات العلوم الصحية التطبيقية    رئيس الوزراء يستعرض جهود تعزيز استدامة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة    سن الأضحية من الخروف والماعز والبقر.. يكشف عنها الأزهر للفتوى    انطلاق مسيرة دعم وتمكين فتيات «ريحانة» بمركز شباب أبنوب بأسيوط    ننشر الصورة الأولى لشاب ألقى بنفسه في ترعة الإسماعيلية    «كان يا ما كان في غزة» ينطلق في عرضه العالمي الأول من مهرجان كان السينمائي    قرار عاجل من المحكمة في إعادة إجراءات محاكمة متهمين بأحداث شغب السلام    أهلي طرابلس الليبي يعلن استمرار حسام البدري مديرا فنيا للفريق    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    النقل: وسائل دفع متنوعة بالمترو والقطار الكهربائي للتيسير على الركاب    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    كشف ملابسات فيديو يتضمن تعدى شخصين على سيدة بالضرب في الدقهلية    بالصور- مصادرة مكبرات صوت الباعة الجائلين في بورسعيد    مصدر ليلا كورة: لا توجد أزمة في خروج حسام عبد المجيد لأداء امتحان ثم عودته    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    «بتهمة تزوير معاينة بناء».. السجن سنتين لمهندس تنظيم بمركز مغاغة في المنيا    تحديد موعد مشاركة الجفالي في تدريبات الزمالك    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    استلام 145 ألف طن من القمح المحلى بمواقع التخزين بالصوامع والشون فى بنى سويف    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    كييف تعلن إسقاط 10 طائرات مسيرة روسية خلال الليل    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    مصرع شاب غرقا فى حوض مياه بالشرقية    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    ولي العهد السعودي في مقدمة مستقبلي ترامب لدى وصوله إلى الرياض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وما أدراك ما لندن ! (3 )
نشر في شباب مصر يوم 18 - 07 - 2012

وصلت الى ضاحية كرين فورد (Greenford) منضاحية همرسميث ( Hammersmith ) بعد ساعة ويزيد تقريبا ، توجهت الى مصرف هناك لقضاء أمرا ما فيه ، وحال لقائي بشخص يرد الى أصول باكستانية سألني عن اللغات التي يمكن لي الحديث بها عدا الإنجليزية ، فأجبته أنه يمكنني التحدث بالعربية والسويدية ، قال انتظرني لدقائق وسأعود لك ، كان الرجل دمث الأخلاق ، هادئ الطبع ، يتنقل في المصرف من مكان الى آخر ، ولهذا تركني وهب مسرعا الى طابق أعلى من المصرف ذاك ، ثم عاد ومعه امرأة عربية رحبت بي وعرفتني باسمها ، فرددت عليهابذكر اسمي لها ، بعدها سألتني عن حاجتي التي أمرت بتنفيذها حالا بعد اقتراح منها قبلته أنا على الفور ، وكان الاقتراح جديرا بالقبول ويراعي مصلحتي بالدرجة الأولى.
عرفت بعد ذلك من موظفة أخرى أن المرأة التي تحدثت معها هي مدير فرع المصرف ، وهنا تذكرت معاملة الموظفين في العالم الثالث لمواطنيهم خاصة في العراق حيث يظل المواطن المراجع لأية دائرة حكومية خارج جدرانها تأكله الشمس ، ويعضه الانتظار الممل ، أما أن ينزل مدير دائرة من طابق أعلى ليقابل مراجعا مثلي فهذه معجزة لم تتحقق ليس في العراق وحسب، وإنما في الشرق المتخلف كله الذي تنفخ وسائل أعلامهبالمسؤولين فيه على تخلفهم وتفاهتهم كل ساعة، فهذا فخامة ، وذاك دولة ، وآخر معالي وهلمجرا ، مع أن هؤلاء جميعا يتصاغرون أمام أي مسؤول غربي متواضع يقابلونه في بلده أو في بلدانهم .
كانت ضاحيةكرين فورد (Greenford) أقل كثافة سكانية ، وأنظف بدرجة واضحة من ضاحية ساوث هول (Southall) القريبة منها ، كما أن سكان الضاحيتين يختلفون بانحداراتهم العرقية ، فأغلب سكان ساوث هول (Southall) ينحدرون من أصول هندية سيخية يعتمون بعمائهم المعروفة بطريقة لفها ، وهم ، بالإضافة الى الهنود من الشيعة الاسماعيلية ، أحفاد لأولئك الذين جندهم الجيش البريطاني في صفوفه إبان احتلاله للهند التي اعتبرها المستعمرون الإنجليز الدرة في التاج الملكي البريطاني ، ولم يكتف ِالجيش البريطاني بتجنيدهم ذاك بل نقلهم الى المستعمرات الأخرى كالعراق حيث كانت مدينة البصرة الجنوبية التي دخلتها القوات البريطانية إبان الحرب العالمية الأولى تعج بالهنود ، وصار واحد من أسواقها يسمى بسوق الهنود ، كما أنني التقيت بهنود من طائفة الشيعة الإسماعلية الذين حمل الجيش البريطاني أجدادهم الى عدن ، عاصمة اليمن الجنوبي وقتها ، وقد امتهن الكثير منهم مهنة التجارة ، بالإضافة الى أن بعضهم عمل في دوائر الشرطة ، والمصارف ، وقد زرت أنا والملحن العراقي المرحوم كمال السيد واحدا من جوامعهم في ضاحية كريتر في عدن ، وقدم لهم كمال السيد هدية هي عبارة عن شريطة مسجل عن مقتل الإمام الحسين بصوت القارئ العراقي الشهير ، عبد الزهرة الكعبي .
شيد الهنود السيخ معبدا كبيرا لهم في ضاحية ساوث هول (Southall) من لندن ، مثلما رأيت مسجدا خطت كلمة الشهادة على بابه : ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ) ساعتها تذكرت معاوية بن أبي سفيان الذي كان يطلق قولة ، كلما صعد صوت المؤذن باسم النبي محمد في سماء دمشق ، العاصمة السورية ، فيقول مشككا برسالة النبي محمد : ( لله درك يا ابنعبد الله ما رضيت إلا أن يذكر اسمك خمس مرات في اليوم ) وكان معاوية يقصد في الخمس مرات الصلوات الخمسة التي يتكرر فيها اسم النبي ، ولكنني على ثقة من أن معاوية ما اعتقد يوماأن اسم النبي محمد سيخط على جدران بعيدة تقع في لندن أو عواصم غيرها.
هذه المفارقة التاريخية ذكرتني بشيء آخر يتعلق بالاستعمار أيا كان لون الاستعمار هذا ، فالمستعمرون الانجليز لم يخلفوا وراءهم ذكرى حميدة لدى الشعوب في البلدان التي احتلوها بل على العكس من ذلك ، إذ ما زالت تلك الشعوب تفيض بالكره والبغض لهم رغم سنوات طويلة مضت على احتلالهم ، فمامنشيءمسرأبقوهبعدرحليهميمكنأنيُحتفىبه، وحتى بعض المشاريع التي أقاموها في مستعمراتهم كالسكك الحديدية مثلا ، إنما أقاموها خدمة لجيوشهم الغازية ، وذلك على خلاف مع الاستعمار العربي زمن الدولة الأموية لجنوب اسبانيا (الأندلس) فإنني وجدت أن الأسبان يعتبرون ما خلفه العرب وراهم من إرث ثقافي ومعماري جزءا من تراثهم ، ولهذا اهتموا بقصر الحمراء في غرناطة ، مثلما قاموا بترميم مدينة الزهراء ، هذا بالإضافة الى النصب والتماثيل التي أقاموها للفيلسوف ابن رشد أو ابن حزم وغيرهما من الذين وقفت أنا عندهما في مدينة قرطبة الاسبانية .
إن هدف المستعمرين الانجليزي تمثل بقهر الشعوب التي استعمروها ، ونهب ثروات ، وخيرات بلدانها ، ففي مصر مثلا اهتموا بزراعة القطن كمادة خام لمصانع النسيج لديهم في الوقت الذي قضوا على الصناعات النسيجية المصرية عن طريق فرض ضرائب باهظة عليها ، وبذلك صارت لا تقوى على منافسة المنتوج الانجليزي المستورد رغم أن صناعة النسيج في مصر كانت تعد من أفضلواحسن الصناعات في العصور الوسطي، فهذا الرحالة العراقي التاجر ، ابن حوقل ، يقول في كتابه : صورة الأرض ، إن مدينتي تنيس ودمياط كانتا تزودان العراق برفيع الكتان وثياب الشرب والدبيقي والمصبغات من الحلل بما تتراوح قيمته في ذلك الزمان ما بين عشرين ألف الى ثلاثين ألف دينار ، بينما يمضي الرحالة الإيراني ، ناصر خسرو ، الذي زار مصر في نهاية النصف الأول من القرن الحادي عشر ميلادي فيذكر في كتابه سفر نامه إنهم ينسجون في مدينة تنيس البوقلمون الذي لا ينسج في مكان آخر من جميع العالم ، وهو قماش يتغير لونه بتغير ساعات النهار . ولم يقف نهب الثروات وتدمير الصناعة المحلية من قبل المستعمرين الإنجليز عند مصر وحدها بل تخطاها الى بلدان أخرى مثل الهند والعراق ودول الخليج العربي وغيرها من الدول .
تجولت لبعض الوقت في ضاحية كرين فورد (Greenford) ، وكنت وقتها أبحث عن المطعم الأمريكي (ماكدونالدز) كي أتناول طعام الغذاء فيه ، لا لشيء إلا لمعرفتي بطبيعة طعامه ، واطمئناني له من الناحية الصحية، خاصة وأنني رأيت اعلانا دعائيا له في شارع من شوارع تلك الضاحية ، ومع ذلك فإنني لم استطع العثور عليه ، وبينما كنت واقفاعلى رصيف الشارع مرت بي فتاة عراقية مسيحية من أهل الموصل تعرفت عليها من خلال حديثها مع طفلها الصغير التي كانت تدفع عربته على الرصيف ذاك ، وبعد سلامي عليها سألتها عن مكان المطعم المذكور فأنكرت معرفتها به رغم أن الاعلان الدعائي كان يحدد المسافة إليه من المكان الذي أقف به بثلاث دقائق .
كانت الفتاة العراقية هذه من المهاجرات الجدد الى لندن عن طريق الزواج ، فقد مضتسنة ونصف من الزمن على وجودها فيها ، ومثلما قالت لي فإن زوجها يملك معملا لتصنيع الكبة الموصلية ، ومن ثمة يقوم بتوزيعها على أصحاب المحلات من العراقيين ، وقد أشارت بيدها الى محلين لعراقيين يقعان على مقربة منا ، كانا عامرين بالفواكه المختلفة ، والمواد الغذائية المنوعة ثم قالت : هذان المحلان لعراقيين ، وهما من بين المحلات التي يبيع عليها زوجي كبة البرغل الموصلية التي يقوم بتصنيعها إن صحت الكلمة !
سرت بالاتجاه الذي يشير له سهم في الاعلان الدعائي المذكور ، وبعيد دقائق مررت بالقرب من ثانوية خرج طلابها منها للتو ، فسألت مجموعة منهم عن المطعم ، فقالوا لي ستجده في نهاية هذا الشارع الطويل . واصلت السير على الأقدام لعشر دقائق أخرى حتى وصلته ، ويبدو أن الدقائق الثلاث التي حددها الاعلان كانت لأصحاب السيارات ، وليس للذين يسيرون على أقدامهم مثلي .
كان المطعم يقع في تقاطع طرق ، وقرب مجموعة من المعامل ، يرتاده بعض من عملها ، ومن ذاك التقاطع تمر الكثير من الحافلات المتجهة نحو ضاحية أكتون ( Acton ) أو الذاهبة الى ضاحيةساوث هول (Southall) ، ولهذا وبعد فراغي من تناول الغداء المتأخر ركبت الحافلة رقم 607 التي حملتني الى تلك الضاحية ، ولأنني قررت عدم ركوب قطار الانفاق ركبت بدلا عنه الحافلة رقم E32 التي أوصلتني الى تقاطع مع طريق Great west الذي يقع فيه الفندق الذي أسكنه ، وبذلك اختصرت عشرات المحطات التي كنت سأمر بها لو كنت قد ركبت قطار الأنفاق .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.