بادئ ذي بدأ يجب التنويه، أن كاتب هذه السطور إنما هو ليس في وارده الاصطفاف إلى جوار طرف ضد طرف آخر، ولكنه بالمقابل ليس حيادياً بأي شكل من الأشكال، وإنما هو منحاز انحيازاً كلياً لمصر الوطن والتاريخ والحضارة، مصر التي كانت ولا تزال مثلاً، نخشى أن تتحول إلى أمثولة، فكما قال غاندي ذات يوم " كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن" وكأن غاندي يؤكد أن بلية الأوطان في حكامها والمتهافتين على حكمها. قبل الاستدارك وكي نقف على كل شاردة وواردة هنا وهناك، أحيطك علماً قاريء العزيز أنه قد وصلني وأنا أشرع في كتابة هذا المقال، ما أجزم أنه قد وصل آلاف القراء، ألا وهو ذلك التقرير الذي لا تشي لغته ومعلوماته ابداً بأن كاتبه مجرد ضابط أو حتى فريق من ضباط الجيش، حول " وضع الجيش المصري تحت قيادة المشير طنطاوي"، فالمدقق فيما يرصد هذا التقرير قد يتأكد تمام التأكد أن كاتبه إنما هو فريق من الخبراء المتخصصين في اسقاط الكيانات، ما يؤكد أن هناك مخططاً بدأت عجلاته في الدوران منذ أمد ليس بعيداً بالقياس الزمني. أهم ما يلفت النظر في هذا التقرير هو الزج ربما تمهيداً لأمر ما سيحدث في القريب العاجل، بكلمة " الجيش المصري الحر " على النمط السوري ومقولة " الجيش السوري الحر في مواجهة الجيش العربي السوري " ويا للفاجعة، علما بأن وجه الشبه يكمن فقط في الاسم لا في الفعل لاسباب عديدة، أقلها أن طبيعة الجندي المصري لا تسمح له مطلقاً أن يشهر سلاحه في وجه شعبه مهما كلفه الأمر من ثمن. وبالعودة إلى موضوعنا، علي كل أحرار مصر والعالم العربي أن ينظروا إلى ثلاثة مشاهد إخوانية رئيسة مهمة للغاية في المشهد المصري سنتناولها في هذا الجزء الذي سيتبعه اجزاء اخرى فيها تفصيلات مختلفة: أما الأول فيكمن في حقيقةٍ ليست بحاجة للإثبات، ألا وهي حقيقة أن التيار الإخواني كان شريكاً متضامناً في حكم مصر، منذ ما أطلق عليه " المراجعة " منتصف تسعينيات القرن الماضي، الأمر الذي يُحملُ هذا التيار جزءاً كبيراً من مسؤولية " إفساد الحياة السياسية في مصر" على قاعدة مسؤولية التابع للمتبوع. أما الأمر الثاني فهو واضح وجلي في إعلان التيار الإخواني منذ اللحظة الأولى للثورة، أنه سيشارك في الحياة السياسية على مبدأ المشاركة لا المغالبة، الوعد الذي سرعان ما تنكر له تحت مظلة حجج واهية، عند أول استحقاق تشريعي وجده فرصة سانحة للاستحواذ على نصيب الأسد من كعكة المشهد البرلماني إن صحت تسميته ب" الكعكة ". وأما المشهد الثالث وهو الأهم فيكمن في مغازلة المجلس العسكري على حساب الثوار، بل واتهامهم بأنهم ثلة من الفوضويين، واستغلال هذه العلاقة غير السوية إلى جانب ما يمثلونه من اغلبية برلمانية لتسويف تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور إلى أن تظهر نتائج الانتخابات الرئاسية، فإن كانت في صالحهم، كُتب الدستور بما لا يتعارض مع هذه المصلحة، وإن لم يكن، كُتب بيد أخرى محملة بالكثير من القيود لصالح البرلمان، الأمر الذي أربك المشهد السياسي، وأتاح الطريق مشرعاً لدخول الفريق أحمد شفيق سباق الانتخابات الرئاسية، ما قد يدفع إلى استنزاف كافة القوى السياسية والميدان معا، لقواهم في حمى المعارك الذاتية وبث روح التفرقة وعدم الثقة، إلى أن تصبح الساحة خالية من أية قوى ثورية ناضجة وإن كانت أغلبية، يمكنها مجابهة قوى دينية أقل عددا ولكنها أكثر تنظيماً، سنتحدث عنها وماهية أدواتها لاسقاط ما تبقى من القيم الاجتماعية والوطنية، وصولاً إلى تفريغ قوة الميدان من مضمونه وهو الذي بات هرماً مصرياً رابعاً، حتى إن وقعت الواقعة لا يصبح الشعب إلا لها مستسلماً، في أولى معارك برتوكولات الإخوان لإسقاط الأوطان. * كاتب وإعلامي فلسطيني