يزداد الشقاق و الانقسام في المجتمع المصري يوما بعد يوم , و التخوين أصبح سمة الجميع بشكل لم يسلم معه حزب أو تيار أو جماعة أو سياسي أو صحفي أو ناشط أو حتى منعزل تم نعته بالسلبية و تصنيفه ضمن حزب الكنبة ... بالامس كان الجميع مطحونون منغمسون في وطن غرق في الظلم و المحسوبية و الفساد و القهر و التردي الاخلاقي , و عاني الجميع من غياب الحقوق الانسانية الاساسية كالصحة و التعليم و فرص العمل و الحياة الكريمة .... الجميع عانى, و الجميع كافح , و الجميع تم انتهاكه بظلم و انعدام للامل و مياه ملوثة و تفشي للفشل الكلوي و الامراض السرطانية , بشوارع مزدحمة خانقة هوائها ملوث , فقر رهيب و تطرف ينتشر و لصوص تتزايد و فساد يستشري . و لم نكن جميعا ملائكة فقد انغمسنا جميعا في ذلك الحال الذي فقدنا الامل في تغييره , حاول الجميع التكيف معه على أنه الواقع و الذي لم يتكيف هاجر خارج مصر أو تقوقع على نفسه و لم يغادر منزله .. هذا هو واقع الحال .... الجميع ارتضى بما يحدث و حاول التكيف معه , تحولنا جميعا لسلبيين يشاهدون العجب و لا يتذمرون , يدفعون الرشاوي و الهدايا لتخليص مصالحهم , يبحثون عن محسوبية (كوسة) للعثور على وظيفة لهم أو لابنائهم ... و بالرغم من ان العدالة تحتم وجود فرص وظيفية ملائمة للجميع بالتساوي الا أن مصر افتقدت تلك العدالة منذ عشرات السنين , انغمسنا جميعا في قبول الحال و اختلفت نسب القبول الداخلي بيننا و لكن الاغلبية العظمى كانت غاضبة ناقمة منزعجة , فصعاب الحياة تزداد و الازعاج يعلو صوته و التلوث يكتم الانفاس و انعدام الامل خانق , و لكن أجمع الكل على الصمت و السلبية , و ان استمروا في أداء واجبهم . و لن أستبعد نفسي من تلك الدائرة ففقدان الامل ملأني منذ عدة سنوات بعد أن كانت الحقائق البشعة تتضح لي يوما بعد يوم خاصة مع عملي السابق كضابط شرطة , و هي تلك الوظيفة التي تجبرك على التعامل مع عورات المجتمع و تعبئ مخزونك التراكمي بتجارب غريبة و عجيبة فتصل في أحد المراحل لاحساسك بالكهل و أنت في ريعان شبابك فما تراه في مجتمع مريض كالمجتمع المصري يفوق قدرة العقل البشري على احتماله و مجاراته حتى وصلت في مرحلة معينة في حياتي لقناعة عدم وجود أمل و لقرار توجيه كل طاقتي و أحلامي لابنائي ربما أحقق فيهم الحلم الذي طالما حلمته لبلدي . و لم يفقد المصريون بالرغم من كل المصائب التي رأوها , و كل المتاعب التي عانوها حبهم للوطن , حتى و ان غطت تلك المحبة بعض الأتربة و الصدأ بسبب المعاناة التي يرونها , و حتى و ان اعتقد العديدون و روجوا لعكس ذلك , الا أن العروق التي تجري بها دماء محبة الوطن كانت تفاجئ الجميع بمواقف فجائية نرى فيها المصريون مجتمعين و على استعداد للتضحية بالذات من أجل الوطن. لم نكن أبدا ملائكة و لم نكن شياطين بل كنا جميعا مستسلمين سلبيين , المطلوب الان وحدة وطنية و اتفاق شعبي على ترك كل الخلافات و المهاترات و الانقسامات و التخوين, فما يفرقنا تصنيفا خادعا و ما يجمعنا وطنا يحتاج ليدنا بيد بعض لبناءه دون تخوين .