لا شك أنه خطأ كبير من المفتى على جمعة أن يمنح لخصومه وخصومنا الإخوانوسلفيين الفرصة كى يطالبوا بإقالته فى مثل هذا الوقت الحرج .. لكن فى الحقيقة فإننى لا أتفهم كثيرا تشدد المتشددين فى رفض زيارة المسلمين للمسجد الأقصى ومساجد فلسطين والمسيحيين لكنائس القدسوفلسطين .. يقول الرافضون إن تلك الزيارة تستلزم أخذ تأشيرة إسرائيلية على جواز السفر وهى بذلك نوع من التطبيع .. لا أرى فى رأيهم هذا أى وجاهة بل هو تعنت ، لأن المسجد الأقصى نحن المسلمون مأمورون بعمارته وشد الرحال إليه وهم - الرافضون - بذلك يمنعون أمرا نبويا (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى) وتمنعون أجر وثواب الصلاة فيه عن المسلمين مصداقا للحديث النبوى الشريف (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والصلاة في مسجدي بألف صلاة فيما سواه، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة فيما سواه) .. إضافة إلى أن زيارة المسلمين وازدحامهم فيه سيكون ضمانة لعدم تفكير إسرائيل فى هدمه ، أما أن نهجره هكذا ونقاطعه بدعوى رفض التطبيع ، فسوف يسهل على إسرائيل فكرة هدمه .. تماما كما سهل على إسرائيل الاستيلاء على نصف الحرم الإبراهيمى فى الخليل .. أما مسألة التأشيرة الإسرائيلية فأنت مضطر إليها لبلوغ المسجد الأقصى ، وأنت ذاهب فى رحلة دينية وروحانية وليست ترفيهية مثلا أو كمالية أو ثانوية ، وهى رحلة ضرورية ومهمة ووطنية أيضا لدعم المسجد الأقصى ولدعم الحرم الإبراهيمى بالخليل أيضا وكافة مساجد فلسطين ، وكذلك الحال مع المسيحى وكنائسه فى فلسطين كلها . والضرورات تبيح المحظورات فإنك تتيمم إن لم تجد ماء للوضوء ، وإنك تأكل الميتة إن لم تجد سواها وإن كنت فى الصحراء القفراء . ومسألة انتظار القدس حتى تتحرر كصلاح الدين الأيوبى فهو أمر فى علم الغيب متى سيحدث ربما بعد مئة سنة أو أكثر ، ولا تنسوا أن الصليبيين قبل فتح صلاح الدين للقدس كانوا قد جعلوا الأقصى زريبة للخنازير ودنسوه فلم يعد يصلح للصلاة فلماذا كان ليزوره وقتها ؟! ... فمسألة إجباركم المسلمين والمسيحيين على انتظار تحرر القدسوفلسطين كلها من البحر للنهر ، سيجعلكم تحرمون أجيالا كثيرة جدا من المسلمين والمسيحيين العرب ومن كافة أنحاء العالم من دعم الأرض المقدسة فلسطين ، ومن استذكار ورؤية والحنين إلى يافا وحيفا وعكا وطبريا واللد والرملة وصفد وبيسان وعسقلان وأسدود وبئر سبع والناصرة والقدس وبيت لحم وأريحا والخليل وجنين وطولكرم وغيرها من مدن فلسطين ، واستذكار تاريخ فلسطين ، وإيقاد نار الحنين والرغبة فى تحرير فلسطين من الصهاينة لدى المسلمين والمسيحيين. فإنكم بسماحكم لهم بزيارة مقدساتهم الإسلامية والمسيحية فى فلسطين كلها ستغيظون عدوكم وعدونا الصهيونى أكثر وتحافظون على معرفة ودراية الأجيال العربية والعالمية الجديدة دوما بقيمة وأهمية وجمال فلسطين السليبة ومأساة فلسطين وتاريخها ومقدساتها ووجوب تحريرها من الغاصب .. وتمنعون بذلك هدم إسرائيل لمقدساتكم .. ولكنكم بمنعكم زيارة المسلمين للمسجد الأقصى تجعلون الأقصى مهجورا ومهملا - وكم تعالت دعوات الفلسطينيين فى رمضان وكافة شهور السنة ونداءاتهم لمسلمى العرب والعالم لإعمار المسجد الأقصى وزيارته لحمايته من تهديد الهدم وإذاعة صلاة التراويح كل ليلة رمضانية على القنوات المصرية والسعودية ولكن لا حياة لمن تنادى - ، وتخالفون الآية الكريمة ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى فى خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم) ، وتخالفون الآية الكريمة (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) .. فأنتم تسهلون برفضكم المتعنت هذا على إسرائيل هدم المقدسات الإسلامية والمسيحية فى فلسطين لأنها تعلم أن زوارها معدودين ومن داخل فلسطين فقط لا من الوطن العربى والعالم الإسلامى والعالم كله .. ونفس الشئ يقال عن منعكم زيارة المسيحيين لمقدساتهم بفلسطين كلها فى القدس والناصرة وبيت لحم وطبريا إلخ .. والمسلمين لمقدساتهم بفلسطين كلها فى القدس والخليل وعكا وبئر سبع والرملة وغزة وغيرها .. نعم نرفض التطبيع بكافة أشكاله وننادى بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر ، ولكن هذه الزيارات الدينية والوطنية لا تعد تطبيعا فى رأيى بقدر ما تعد رحلة دينية مهمة ورحلة وطنية لدعم فكرة تحرير فلسطين كلها فى نفوس الأجيال الجديدة المسلمة والمسيحية العربية وغير العربية ، التى تزور مقدساتها هناك.