يعد الفنان الحسين فوزي رائد فن الجرافيك او مايسمي بالطبعة الفنية.. كما انه الرائد الاول للرسم الصحفي.. تالقت رسومه بمجلة الشباب عام 1924.. وبصمته في رسوم الاطفال تمثل مساحة خاصة شهدتها مجلة " علي بابا " والتي نافست به الرائد حسين بيكار رسام مجلة سندباد زائعة الصيت.. والحسين ايضا صاحب رسوم رواية نجيب محفوظ " اولاد حارتنا " التي نشرت بصحيفة الاهرام بطول عام 1959 في اكثر من مائة رسم ورغم كل هذا الا ان فناننا لم يحظ بشهرة بيكارالصحفية..فقد شغلته الوظيفة كأول رئيس مصري لقسم الجرافيك بمدرسة الفنون الجميلة العليا بعد ان تسلمه من مستر رايس الانجليزي عام 1934 بعد عودته من البعثة وكان يدرس الفن في فرنسا.. مكتفيا بتخريج اجيال واجيال. الطفولة وحي الحلمية ولد فوزي في عام 1905وكانت نشاته في قلب حي الحلمية بالقرب من السيدة زينب والقلعة.."الذي ينتسب الي عباس حلمي باشا بعد ان بني قصره به وانشأ ميدانا اطلق عليه ميدان الحلمية".. والتحق بمدرسة الفنون الجميلة عام 1922وتخرج عام 1926 ليسافر بعد ذلك في رحلة الي باريس عام 1929.بعد ان نال الجائزة الاولي علي ستين متقدماً للحصول علي البعثة الدراسية حيث درس التصوير الزيتي في الفنون الجميلة العليا علي يد الفنان «فوجيرا» كما درس الفنون الزخرفية وحصل علي دبلوم الجرافيك عام 1932 من مدرسة إتين للطباعة بباريس. "السقا" و"الدلالة " ورغم ان فناننا سلك طريق الحفر الطباعي او الجرافيك وقدم من خلاله روائع مرئية تعد مع رسومه بالأبيض والأسود في طليعة ابداعات الفن المصري المعاصر إلا ان له اعمالاً في التصوير الزيتي تشهد علي قدراته التعبيرية الفذة. وليس اجمل من لوحته الصرحية الضخمة "السقا" والتي يتزين بها حاليا متحف الفن المعاصر بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا "والذي يعد ثاني متحف علي مستوي جامعات العالم ".. يقف فيها السقا حاملا قربته ليملأها من الزير وقد نقلنا فوزي في الوانه الي سحر الماضي بتلك اللمسات التي يغلب عليها البني والاسود والتي تحمل بصمات الزمن. وتضارع "السقا "بل تتجاوزها لوحته " الدلالة " التي ابدعها عام 1940 والتي تعد صورة اجتماعية للدلالة التي كانت تطوف بالبيوت ومعها بضائعها بمثابة دكان متنقل تعرض محتوياته علي الهوانم من ربات البيوت وقت ان كان خروج المرأة علي استحياء وتعتبر هذه اللوحة من أهم الاعمال في التصوير المعاصر وهي مسكونة بالحركة والحيوية حيث ينساب القماش من طرفيه بين انامل سيدة وانامل الدلالة مع بضاعتها المتناثرة علي الارض. وتبدو البائعة علي اليسار في الضوء الشحيح بينما السيدة تطل في الضوء الباهر ايماءة الي الوضع الطبقي للسيدتين. وللحسين فوزي ايضا لوحة زيتية وضاءة لفتاة ريفية مسكونة بالحسن والجمال وبنظرة تطل خارج اللوحة علي خلفية من فراغ متسع بين الاخضر الزيتي الداكن والاسود يقودنا الي زمن سحري.. والفتاة تذكرنا " ب «زينب»" بطلة رواية محمد حسنين هيكل. " الشباب " و"الرسالة الجديدة " ويعد فوزي اول فنان مصري يرسم بالصحافة عندما بدأ مشواره الصحفي وهو طالب بالفنون الجميلة حين رسم بمجلة الشباب عام1924 كما تألقت رسومه في مجلة الرسالة الجديدة التي رأس تحريرها الاديب يوسف السباعي في اوائل الخمسينات والتي صدرت في عددها الاول في ابريل من عام 1954.. وكانت تمثل علامة كبيرة في الرسم الصحفي خاصة اغلفتها البديعة التي ظل يرسمها لفترة طويلة. كما قام بعمل رسوم توضيحية واغلفة للكتب الادبية و رسم في عدة جرائد ومجلات منها : المصور والفكاهة وجريدة الاتحاد واللطائف وكوكب الشرق وجريدة الاهرام والشعب والجمهورية. علي بابا وصحافة الطفل صدرت مجلة " علي بابا " في عددها الاول في سبتمبر من عام 1951 عن شركة الشمرلي تحت عنوان " مجلة فكاهية ثقافية مصورة ".. وكان بداخلها مجلة باسمه حملت اسم الاراجوز بشعار : "طعمة ومحشوة باللوز".. ورأس تحريرها الكاتب ابراهيم عبد القادر المازني.. وكان مصطفي كمال الرسام والخطاط الاوحد للمجلة من بداية صدورها في عددها الاول..لكن يعد ميلادها الحقيقي بعد قدوم الحسين فوزي اليها في 20 من ابريل من عام 1952 فقد استعانت به المجلة حتي تستطيع منافسة " سندباد "ورسامها الاول حسين بيكار.. خاصة ان الحسين فوزي لاتقل قيمته الفنية عن بيكار.. لكن ظلمه اخلاصه الشديد للتدريس بالفنون الجميلة وسعادته باكتفائه بتخريج اجيال واجيال من الفنانين خاصة انه رائد فن الحفر " الجرافيك". هذا وتتميز خطوط فوزي في رسوم الاطفال بقوتها التعبيرية التي صورت الحياة المصرية وجمعت بين الرمز والواقع وبين روح الشرق الفنان ودندشات الفن الشعبي كما في تصاويره العديدة مثل :فتاة تحمل فانوس رمضان ومسبحة طويلة في ايقاع دائري وفتاة وسط حقل مع بقرتها و"قسط اللبن".. كل هذا باسلوب جمع بين التلخيص والتجسيم.. البطل فيه دنيا من استدارات وانحناءات الخطوط مع مسطحات لونية توهجت بالاحمر الناري والاصفر والاخضر والازرق. وما اجمل رسوم الحسين فوزي التي جسدت عنف الحركة عند الحيوانات خاصة الحيوانات الضارية مثل الاسد والنمر.. وايضا حركة الحصان الذي تمتد ارجله الامامية في الفضاء.. وهو ينقلنا في رسومه من حالة تعبيرية الي اخري من تداخلات النساء من الاميرات والفرسان والعوام من ابناء الشعب.. الي درس في الحساب والذي يجسد صورة للتلميذ والاستاذ.. الي تلك الشخوص الاسطورية التي يسافر بنا معها في الزمن الجميل من الحكايات العربية.. وعندما قامت ثورة يوليو 1952 تنوعت اغلفة فوزي في صورة جديدة ومختلفة في عالم رسوم الاطفال.. فقدم رسوما ثورية حول الاستقلال والجلاء ومعونة الشتاء والمقاومة الشعبية ومديرية التحرير.. ليس هذا فقط بل تنوعت موضوعاته التي جسدت المناسبات الدينية والاجتماعية فصور رمضان والمسحراتي وبهجة العيد.. كما صور الفلاحين واطفال الحارة في الريف مع الاحتفالات الشعبية. وربما كانت بطلة المقاومة والتي ارتدت تاج الثورة وتصدرت احد الاغلفة حاملة السلاح والزهور.. صورة من صور التعبير التشكيلي الذي واكب الثورة مع ما كان يقدم في ذلك الوقت من صحافة الكبار. وقد توالت اغلفة ورسوم الحسين فوزي علي صفحات علي بابا فجاءت اشبه بمباراة في المنافسة الفنية بينه وبين بيكار الذي تالقت رسومه بسندباد. إلا ان علي بابا المجلة لم تدم وتستمر طويلا..وربما من بين اسباب توقفها تلك الجرعة السياسية الكبيرة والتي جسدت بشكل مباشر امجاد وانجازات ثورة يوليو بما لايحتمله الطفل عموما والذي يطريه الرمز ويهفو دائما الي الخيال. هو و"أولاد حارتنا" مثلما تألقت القاهرة بوجهها الخاص والحياة الشعبية في ملامحها العامة في أدب نجيب محفوظ، فقد تألقت أيضا في لوحات عديدة في الفن التشكيلي. فعندما نقرأ خان الخليلي أو زقاق المدق وبين القصرين أو نطوف (بدنيا الله) نجد في تصوير محفوظ ما نراه في أعمال الكثير من فنانينا ممن التقت اعمالهم مع عالمه دون اتفاق مثل الرائد يوسف كامل وفنان الباستيل محمد صبري إلا أننا نجد أعمالا اخري تعد بمثابة ترجمة بصرية لعالمه كما نري عند الحسين فوزي..ففي عام 1959 صاحبت ريشته فصول رواية أولاد حارتنا التي نشرت بصحيفة الأهرام في 100 رسم علي مدي ما يقرب من العام وقد تصدي فوزي لهذا العمل المركب والمسكون بالرمز خاصة وهي رواية تحلق في اجواء ميتافيزيقية علي ارض الواقع لكنه حلق في عالمها ونقل أبطالها الي مسرح الحياة ومن روائع الفنان فوزي الأخري.. ما قام برسمه وتلوينه بالألوان المائية.. لمساجد مصر ومآذنها.. والذي كلفته به وزارة الأوقاف وصدر في كتاب خاص في جزئين ويعد مرجعا فنياً وتاريخياً لمعالم مصر بعد كتاب وصف مصر الذي رسمه كبار الفنانين الفرنسيين أثناء الحملة الفرنسية. وفناننا له اعمال مقتناة بمتحف الفن الحديث بالقاهرة ومتحف كلية الفنون الجميلة بالمنيا واماكن عديدة بمصر..و سفارة الهند والمتحف الطبي بشيكاغو ومتحف ستوين جلاسي بنيويورك وله ثماني قطع في فن الجرافيك بمكتبة الكونجرس بأمريكا. تحية الي الحسين فوزي رائد فن الجرافيك ورائد الفن الصحفي ورسام الاطفال والمصور الكبير بعمق ابداعاته المتنوعة.