- بمحض الصدفة ، عندما كنت – أتجول – ليلاً ، بميدان التحرير الشهير ، بوسط القاهرة ، في غضون شهر مارس الماضي ، وعلى وجه الدقة ، يوم الجمعة ، بتاريخ 27 / 3 / 2012م ، فد – بصرت – بعين رأسي ، شاباً في بداية العقد الرابع من العمر تقريباً ، وهو جالس بمفرده ، بجوار – شجيرة – صغيرة بوسط الميدان العريق ، ولقد تبدى لي – منذ الوهلة الأولى – علامات الحزن واليأس والأسى ترتسم بوجهه الكظيم ، مما دفعني ، من منطلق الفضول ، لأن – أدنو – منه ، وأحييه ، وأسأله عن مسماه الشخصي ، وعن أبرز الأسباب التي أدت لتعكير صفو حياته ، لهذا الحد من الحزن العميق ؟ ، لأتعرف – قدر المستطاع – على جزء من كل ، مما يجول بخلايا لب الشاب وذهنه ، فما كان جوابه ، إلا أنه قد – بادر – هو ، سائلاً :- قبل أن أجيبك ، أود أن أتعرف على حضرتك أولاً ، فأجبته على الفور ، اسمي محمود ، كاتب صحفي ، وحينئذ رحب بي ، ودعاني للجلوس إلى جواره ، فاستجبت لدعوته ، بعد أن شكرته على ترحيبه الطيب بي ، وفجأة ، دون أية مقدمات ، صوب عينيه حيال عيني ، وتحدث بصوت خافت حزين ، قائلاً :- " أنا اتظلمت ظلماً بيناً ، لم يسبق له مثيل ، إبان الثورة يا أستاذ ، رغم أنني كنت واحداً من بين طلائع شباب ثورة الخامس والعشرين من يناير ، ويشهد على صدق قولي هذا من فريته ، هذا الميدان التاريخي العظيم ، الذي نجلس – الآن – بساحته المباركة ، وربما لا أكون مبالغاً ، حينما أؤكد لك يا أخ محمود ، أن كل – سنتيمتر – من أرض هذا الميدان العريق ، يؤكد لك على أنني قد واجهت – المنية – عشرات المرات ، في غضون أحداث الثورة ، أثناء تظاهري مع إخواني وأخواتي من المتظاهرين آنذاك ، ثم توقف عن الحديث برهة ، وعيناه تفيضان – عقيقاً أحمراً – من العبرات الملتهبة ، مما دفعني لأن – أهدأ – من روعه ، حتى أتمكن من التعرف – جيداً – على حجم الظلم والقهر الذي وقع عليه ، ومن ثم ، أقرر – بعد ذلك – ما إذا كنت سأستطيع نفعه ، وكشف الضر عنه من عدمه ، فأجابني قائلاً :- اسمي أشرف علوي حسين عوض ، أقطن بالعقار رقم ( 11 ) ، بشارع 6 أكتوبر ، بمساكن عين شمس الشرقيةبالقاهرة ، وكنت أعمل قبل عام من الآن – تقريباً – بوظيفة " أخصائي " بشركة هليوبوليس للصناعات الكيماوية بالمصنع ( 81 ) الحربي ، التابع لوزارة الدفاع والإنتاج الحربي ، منذ مطلع عام 1990م ، مضيفاً أنه قد لجأ لزيارة ميدان التحرير ، بعد أن ضاقت به الأرض بما رحبت ، يقيناً منه ، بأن الضر الذي لحق به مؤخراً ، كان نتيجة مشاركته – بفاعلية – في أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير بذات الميدان ، ولسان حاله يردد قائلاً :- لو عاد بي الزمان ، وقدر لي حرية الاختيار مرة أخرى ، لقاطعت شباب الثورة ، دون أدنى تردد ، على حساب مساندة وتدعيم النظام السياسي السابق . - وفي الواقع ، فإن المواطن أشرف علوي ، قد طلب مني مساعدته في – إيصال – رسالته ومظلمته – هذه –إلى سيادة المشير " طنطاوي " ، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، يقيناً منه ، بأن " طنطاوي " ، دون غيره ، هو الملاذ الأخير – في تقديره – بعد الله ورسوله ، الأقدر على كشف الضر ورفع الظلم عنه ، فوعدته بأنني سأحاول – قدر المستطاع – تلبية مطلبه ، بعد – تيقني – من صدق حديثه ، من خلال – تصفحي – لما بجعبته من مستندات ووثائق ، تؤكد يقيناً مدى صدقه وإخلاصه ، وتفانيه في خدمة العمل بالميادين المختلفة ، أثناء عمله بالمصنع ، ليس ذلك فحسب ، بل إنه كان – عضواً – نشطاً بالفريق الرياضي للشركة ، ولاعباً أساسياً ، شارك – بدوره – في إحراز العديد من البطولات الرياضية لصالح فريق الشركة ، رغم إصابته " برباط صليبي " أثناء مشاركته في إحدى المباريات الرياضية ، ناهيك عن تصديه – بحزم – لكل أشكال الفساد المالي والإداري بالشركة ، ولعل هذا – في تصوره – يعد أبرز الأسباب – غير المعلنة – التي أدت – لإقصائه – ظلماً وجوراً عن العمل ، بعد أن – جاد – بكل ما يملك من طاقات مادية ومعنوية ، في سبيل رفعة شأن الشركة وتقدمها ، لمدى – عقدين – متصلين من الزمان تقريباً ، واستطرد أشرف الحديث قائلاً :- رغم أنني متزوج ، وأعول خمسة أطفال ، من بينهم طفلة " كفيفة " معوقة ، سبق أن أجريت لها العديد من العمليات الجراحية دون جدوى ، وتحتاج لرعاية – طبية – واجتماعية خاصة ، إلا أنني قد – جاهدت – في سبيل تحسين مستواي العلمي أثناء العمل ، حتى حصلت على بكالوريوس تجارة ، بالإضافة – لاجتيازي – لدبلوم الدراسات العليا في المحاسبة المالية ، بتقدير عام " جيد جداً " من جامعة عين شمس ، ومع ذلك ، فإن بعض رؤسائي بالعمل قد اضطهدوني ، وعنفوني ، وأهدروا حقوقي ، لدرجة – أنهم – غالباً ما كانوا – يأبون - ويرفضون " منحي " الأجازات القانونية المستحقة ، رغم علمهم – يقيناً – بظروفي الأسرية والاجتماعية القاسية ، مما – اضطرني – للتغيب أياماً معدودات ، قد – استغلها – القاسطون " ذريعة " ومطية لاستصدار قرار إداري – جائر – قضى بفصلي عن العمل ، في 27 / 9 / 2011م ، بالرغم من – تراكم – رصيد " جم " من أجازاتي الاعتيادية المستحقة ، مؤكداً – في الوقت نفسه – بأن الذين اتخذوا قراراً قاسطاً بفصله عن العمل ، قد – لْفِظوا – جميعاً ، وخرجوا أذلة وهم صاغرين من المصنع ، بتاريخ 24 / 1 / 2012م ، بسبب تعدد أشكال وألوان الفساد المالي والإداري ، الذي – اقترفوه – بحق أوطانهم ومواطنيهم الشرفاء ، في وجود السيد الوزير علي صبري ، وعدد من شرفاء الشركة . - وعلى حد علمي ، فإن قطاع الإنتاج الحربي قد تم إنشاؤه ، إبان ثورة 23 يوليو ، بهدف تسليح الجيش المصري ذاتياً ، دون – الحاجة – لأي دعم عسكري من الخارج ، وبالفعل ، فقد تم إنشاء ستة عشر مصنعاً للإنتاج الحربي ، كان لهم الفضل – المباشر – في تحقيق نصر أكتوبر المجيد ، وعلى النقيض ، فإن تلكم المصانع – جميعها – قد انهارت وانحرفت - تدريجياً - عن مسارها الحقيقي ، في غضون النظام السياسي السابق ، لتصبح منذ بداية تسعينيات القرن الماضي ، عبارة عن " منفى " مقنع لكبار ضباط القوات المسلحة ، بعد تقاعدهم وإحالتهم للمعاش ، بهدف تحجيمهم ، ومراقبتهم – عن كثب – من قبل الأجهزة الاستخباراتية ، خوفاً من – احتمالية - انقلابهم على رموز وقيادات النظام السياسي السابق ، على غرار انقلاب الجيش عام 1952م ، وعلى الرغم من أنني أدين بالولاء والوفاء لأفراد وقيادات القوات المسلحة البواسل ، بوجه عام ، إلا أنني " أكن " للمشير محمد حسين طنطاوي – بوجه خاص - كل الحب والتقدير والإجلال والوفاء ، لا سيما ، أنه قد – قامر – بحياته وحياة ذويه ، حينما فضل الوقوف إلى جانب شباب الثورة ، على حساب رموز وقيادات النظام السياسي السابق ، في غضون ثورة الخامس والعشرين من يناير ، لذا ، فإنني – على يقين – وثقة ، بأن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، سيقف – كعادته – إلى جانب المواطن المظلوم أشرف علوي ، وسيعيده – عاجلاً – لوظيفته ، وسيرد إليه حقوقه المسلوبة وكرامته المهدرة ، حرصاً على مستقبل أشرف ، وأسرته من الدمار والانهيار ، وإنا هاهنا منتظرون .