- على الرغم من أنني قد نشرت العديد من المقالات السياسية ، ببعض صحف المعارضة الرسمية ، قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير ، بقصد انتقاد أداء النظام السابق ، وما لحق بوطننا من فقر وضعف ووهن وتردي ، لمدى نصف قرن من الزمان تقريباً ، وبالرغم من أنني كنت أحد ضحايا مرشحي أحزاب المعارضة الرئيسية ، في غضون الانتخابات التشريعية الماضية ، ناهيك عن مشاركتي - بصفة شخصية - في ثورة الخامس والعشرين من يناير ، وتواجدي بصفة شبه يومية ، بين شباب الثوار ، بميدان التحرير ، إلا أنني قد تعمدت أن لا أشاهد - مرئياً - محاكمة الرئيس السابق " مبارك " ، ونجليه علاء وجمال ، ووزير داخليته السابق " حبيب العادلي " ، وبعض رموز نظامه المنحل ، ذلك لأنني أرفض ، بطبيعتي ، الشخصية ، مبدأ التشهير والتشفي بحق أحد ، بغض النظر عن الشخص ، أو الحيثيات ، أو الدوافع ، من ناحية ، ولكوني قد تعودت - بحكم سجيتي - أن ألقي بسلاحي على وجه الغبراء ، حينما يسقط خصمي من جواده ، وتلك - في تقديري - شيمة الرجال ، وليس المترجلين ، لا سيما أنني - على يقين - بأن الهدف - الحقيقي - من بث المحاكمة " مرئياً " هو التشهير والتشفي فحسب ، وليس القصاص العادل ، كما يزعم البعض ، حال إدانة الرئيس السابق . - وفي الواقع ، فإن تعمد بث محاكمة الرئيس السابق " مرئياً " من خلال عدد من وسائل الإعلام المرئية ، دون النظر لتقدم عمره ، أو حالته الصحية المتردية ، وهوملقى - طريحاً - على فراش الموت ، داخل القفص الحديدي اللعين ، دون أدنى رحمة أو شفقة ، من خصومه أو منافقيه ، في مشهد وضيع مهين ، قد أثبت -يقيناً - للقاصي والداني ، أننا شعب لا يحمل بين جنبيه أفئدة إنسانية رحيمة ، وإنما يحمل قلوباً - كالحجارة - ، أو أشد قسوة ، لكنها حجارة نابضة ، وليست مجرد حجارة صخرية ، لا سيما أن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار ، والذي يندى له جبين الأمة ، أن معظم المصريين قد ذكروا ورددوا - بمبالغة جمة - مساوئ الرجل ، ولسانهم يردد أسخط الدعوات واللعنات ، دون ذكر - أدنى - شيئ من ×يجابياته ، وما قدمه من أجل الوطن والمواطن ، طيلة فترة حكمه ، في سياق ، يدل ويؤكد على أننا شعب كريم المعدن ، لا ينسى للمرء شربة ماء ، وكأن " مبارك " ، وعائلته - وحدهم - ، هم الذين ظلموا وقتلوا ، وسفكوا الدماء ، وأفسدوا الحياة السياسية ، ونهبوا ثروات الوطن ومقدراته ، وإن كنت أؤمن - عن قناعة ذاتية - أن مبارك - بصفته - هو المسئول الأول عن تردي وتدهور وطننا ، لمدى نصف قرن من الزمان تقريباً - والذي أثار دهشتي ، هو اختفاء معظم المواطنين المصريين ، من مؤيدي " مبارك " ، طيلة فترة حكمه ، فبالأمس القريب ، حينما كان يعلن " مبارك " عن إجراء استفتاء رئاسي ، أو إجراء انتخابات رئاسية ، بين أكثر من مرشح ، كالتي أجريت مؤخراً ، منذ خمس سنوات مضت تقريباً ، كنت أبصر - بعين رأسي - تأييد معظم طبقات الشعب المصري ، ومبايعتهم له ، لأجل غير مسمى ، بدءاً من الوزراء ، ورجال المال والأعمال ، مروراً بالمحافظين ، وقيادات المجالس المحلية ، وقيادات ونواب الحزب المنحل ، في شتى المحافظات ، عمد ومشايخ القرى والريف ، كانو يتسارعون مؤيدين مباركين ، داعين لأبي جما بدوام الصحة والعافية وطول العمر ، لدرجة أن عمدة قرية " الحمروالجعافرة " ، مسقط رأسي بصعيد مصر ، استدعى كبار عائلات القرية ، وأوصاهم بأن لا يصوتوا لأحد سوى " مبارك " ، حتى يستطيع الحصول على فرص عمل لأبنائه ، وكأن الوطن قد أصبح عزبة خاصة لهم ، يفعلون ما يشاؤن ، دون حسيب أو رقيب ، وبالرغم من كل ذلك ، فإنني قد فوجئت بأن معظم المصريين - بين عشية وضحاها - قد صبوا جم غضبهم على الرجل وأسرته ، في سياق يدل ويؤكد على مدى جبن ، ورياء ، ونفاق شعبنا الكريم الأصيل . - والحقيقة ، أن كلاً من هؤلاء وأولائك - في تصوري - ، كانوا ينافقون الرجل ، كل منهم قدر حجم سرقته ونهبه واختلاسه لثروات ومقدرات وطننا المهيض ، حتى صحفنا المعروفة ب " القومية " ، بمختلف قياداتها الصحفية ، نجدها قد بلغت من النفاق ، والرياء ، والمراوغة ، والخداع ، والرياء منتهاه ، بل وساهمت - بطريقة مباشرة - في تضليل المواطنين المصريين ، لمدى نصف قرن من الزمان تقريباً ، ومع ذلك ، فإننا نجدها - الآن - قد بالغت - لأقصى حد - في هجومها وتطاولها وعدوانها على الرجل وأسرته ، دون أن تذكر أدنى شيئ - إيجابي - ، مما كانت تسطره على صدر صفحاتها ، قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير ، وما ترتب عليها من سقوط نظام " مبارك " ، ومن هنا ، فإنني أود أن أسأل قيادات الصحف القومية ، وكتابها ، ومحرريها ، ورجال الوزارات السابقة ، وقيادات ونواب الحزب المنحل ، وكل من نافق ، ليسرق وينهب ، باسم مبارك ، من أبناء وطننا :- أين ذهبت قصائد مدحكم في " مبارك " وعائلته ؟ ، وإلى أي اتجاه وإلى أي مسار - الآن - نفاقكم ذهب ، بعد أن سقط مبارك ؟ ، أليس " مبارك " ، الوطني ، هو صاحب الضربة الجوية الأولى ، في حرب السادس من أكتوبر ؟ ، أليس " مبارك " هو الذي استصلح لكم ملايين الأفدنة من شتى الأراضي الصحراوية ، وشيد لكم الكثير من المدن السكنية ، ورصف لكم عدداً هائلاً من الطرق ، إضافة لإقامة السدود ، والكباري العلوية ؟ ، أليس " مبارك " هو راعي مشروع توشكى ، ومترو الأنفاق ، والكثير من المشاريع القومية ؟ ، وأخيراً ، أليس " مبارك " هو الذي رفض عرض اللجوء السياسي ، في غضون ثورة الخامس والعشرين من يناير ، لدولة إسرائيل ، رغم مناشدتها له اللجوء لأراضيها ، ورفض وأبى ، وفضل أن يذل ويهان ، على أيدي بني وطنه ، حتى لا يتهمه أصحابالنفوس الضعيفة الرديئة بالعمالة للدولة العبرية ؟ - وفي تقديري ، فإن الرجل بريئ من كل ما هو منسوب - فرية - إليه ، جملة وتفصيلاً ، إلا أنه قد أخطأ - في تصوري - ، في ثقته المفرطة لبعض أبناء وطنه ، ممن ائتمنهم على قضاء مصالح بني وطنه ، من عامة الشعب المصري ، لا سيما أنني - على يقين - ، بأن معظم المنافقين ، الذين ائتمنهم " مبارك " على قوت أبناء الأمة ، قد استغلوا مناصبهم أسوأ استغلال ، فسرقوا ، ونهبوا ، واختلسوا ، بما فيه الكفاية ، ناهيك عن أنهم قد استطاعوا أن يضللوه ويقنعوه - فرية - ، بأن أكثر من تسعين بالمائة من أبناء شعبه ، يدينون له بالولاء والحمد والثناء ، والحق أقول ، ليس دفاعاً عن الرجل ، أو حاجة في نفس يعقوب ، أنني أذكركم ، بأن " مبارك " ، بحكم علاقاته الخارجية ، الطيبة المتميزة ، قد وقانا شر الحروب ومخاطرها ، طيلة فترة حكمه ، وأنه استطاع أن يقضي على منابع المتأسلمين والمتطرفين والإرهاب ، أولاً بأول ، ليقينا شر الفتن الطائفية ، وإن كنتم في ريب من قولي ، فإن ظهور المتأسلمين المتطرفين ، ومنحهم الشرعية السياسية - لأول مرة - ، بعد سقوط نظام مبارك ، هو خير دليل وبرهان على صدق ما أكتب وأسطر ، وأؤكد لكم ، أنكم خلال - الأشهر القليلة القادمة - ، ستشهدون مزيد من رحى الصراعات الطائفية والداخلية ، حينئذ - فقط - ، ستندمون ، وستفيض أعينكم من الدمع ، بسبب إسقاطكم ، وإهانتكم ل " مبارك " ، وعائلته . - فيا قادة المجلس العسكري الحاكم ، ويا رجال قضاءنا المقسط ، إذا أردتم أن تحاكموا " مبارك " ، وعائلته ، يجب عليكم أن تحاكموا رجال الحكومات السابقة ، وقيادات وأعضاء الحزب المنحل ، وقيادات الصحف القومية ، وكل من استغل منصبه ، أو نفوذه - سلباً - ، طيلة فترة حكم " مبارك " ، أولاً ، وإلا ، فاكتفوا بأن تشكروا الرجل على ما قدم من نفع لوطنه ومواطنيه ، وأن تغفروا له - بطيب خاطر - ما اقترفه من خطأ في حق شعبه ، إن اقترف ، حتى لا تسطروا - سقطة - تاريخية ، قاسطة ، في حق الرجل وعائلته ، وحتى لا تقترفوا بهتاناً وإثماً مبيناً .