دفعني ما يحدث – الآن – لوطني الأبي من إثارة بعض الشائعات والصراعات والفتن ، بقصد إثارة الفوضى في ربوع البلاد ، وهذا ما دفعني لزيارة ميدان التحرير يوم الجمعة الماضية بتاريخ 15/7/2011م ، لأستمع – عن قرب – لمطالب الثوار المتباينة ، ولأتحقق – جيداً – عن ما إذا كانت هذه المطالب تعبر وتعكس رؤية ومطالب الرأي العام ، أم أنها مجرد مطالب فئوية وتصفية حسابات شخصية ، وهل من الملح أو الضروري تحقيق تلكم المطالب – جميعها – جملة وتفصيلاً في العاجل القريب ، أم أننا – من الأفضل – أن نسمح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بفسحة من الوقت ، كي يستطيع أن يفعل مبدأ فقه الأولويات ، لحين استقرار الوطن واسترداد عافيته المنهكة ، ومن ثم نستطيع – حينئذ – تحقيق كل المطالب المرجوة تباعاً ، دون استثناء ، فنصل بوطننا لما كنا نحلم به منذ عشرات السنين الماضية . - وفي الواقع ، فإنني نشرت العديد من المقالات السياسية في جريدتي الوفد والأحرار وغيرهما ، بقصد انتقاد رموز النظام السابق آنذاك ، حتى تساقطوا جميعهم تحت أقدام الشعب ، وهم صرعى ، كأعجاز النخل الخاوية ، ليس ذلك فحسب ، بل إنني شاركت شباب الثورة لبضع أيام وليال حسوماً ، حتى سقط " مبارك " من جواده مغشياً عليه ، وتخلى عن مسئوليته كحاكم للبلاد ، وانزوى جانبا لمكان سحيق ، يترقب المصير المجهول الذي ينتظره وأفراد عائلته ، وحينئذ أدركت جيداً أننا نقف في مفترق طرق عصيب ، قد يئول بنا لركب الدول المتقدمة ، في غضون وقت زمني وجيز ، أو يودي بنا لعمق الوحل ، لنلحق ببعض الدول المحتلة عسكرياً أو فكرياً أو ثقافياً ، نظراً لجهل الكثير من المواطنين بأسس ومبادئ الإصلاح الحقيقي الشامل ، والذي لا يمكن تحقيقه ، ولن يتأتى في غضون ما بين يوم وليلة . - والحقيقة أنني سئمت ، وابيضت عيناي من الحزن ، خوفاً على مستقبل وطننا الأبي ، في غضون زيارتي لميدان التحرير الجمعة الماضية ، فوجوه وطبيعة المتظاهرين قد اختلف شكلاً ومضموناً عن وجوه وأهداف وطبيعة شباب الثورة قبل سقوط النظام السابق ، والذي شارك في الثورة الوطنية الخالدة حتى سقوط مبارك ، وشهد مظاهرة الجمعة الماضية ، سيعي جيداً مدى حجم التناقض الجم بين طبيعة هؤلاء وأولئك المتظاهرين ، رغم حدوث بعض التجاوزات من قبل بعض المأجورين ، في غضون ثورة ما قبل سقوط النظام السابق ، إلا أن شباب الثورة قد تحلوا باليقظة والحذر وأخمدوا كل محاولات المغرضين الفاشلة من أجل الحفاظ على سمعة ثورتهم النظيفة ، وعلى النقيض ، فإن من شهد مظاهرة الجمعة الماضية ، سيتبدى له تجمع بعض الفرق والطوائف في شكل مجموعات متناثرة الأبدان ، مختلفة الفكر والرؤى والأهداف والمطالب ، فمنهم من يطالب بمطالب فئوية ، ومنهم من يطالب بمطالب شخصية ، أو – إن صح التعبير- تعجيزية ، فعلى سبيل المثال وجدت بعضهم ما زال يطالب بتغيير الدستور كاملاً ، دون احترام رغبة معظم المواطنين ، من خلال إجراء الاستفتاء النزيه لتعديل الدستور ، والذي أجري في الأيام القليلة الماضية ، ووجدت بعضهم يطالب بمحاكمة الرئيس السابق " مبارك " ، وهم يعلمون – يقيناً – أن المجلس الموقر للقوات المسلحة ، المنوط – حالياً – بأعمال الرئيس السابق ، لن يتوانى – لحظة – عن اتخاذ الإجراءات العادلة اللازمة ، من أجل الحفاظ على وحدة الوطن والمواطن ، وسمعت بعضهم يطالب بعزل جميع المحافظين ، دون استثناء ، هذا بالإضافة لاستبعاد رؤساء الجامعات والمحليات ، وغير ذلك من قيادات معظم المؤسسات الحكومية الوطنية ، فلو افترضنا – جدلاً – أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد حقق لهم كل مطالبهم – هذه - بين عشية وضحاها ، ألا يخشون – حينئذ – على وطنهم من السقوط في مستنقع ما يسمى ب " الفراغ السياسي " الشامل ، والذي قد يؤدي بنا لانتشار الفوضى وإشعال لهيب الصراعات والفتنة الطائفية المخمدة ، في شتى ربوع وطننا ، فيودي بنا – جميعاً – لقاع الوحل في غضون طرفة عين ، لنلحق بركب الدول العربية المستعمرة عسكرياً أو فكرياً أو ثقافياً. - والذي يدمي القلب أنني رأيت بعين رأسي بعض الشباب وهم يروجون ويتعاطون شتى أنواع المخدرات في وسط الميدان ، وفي وضح النهار ، دون حسيب أو رقيب ، ليس ذلك فحسب ، بل إنني رأيت وشاهدت ظاهرة التحرش الجنسي بين الرجال والنساء في شتى ربوع الميدان ، ولاحظت – على وجه الدقة – تواجد شبكات دعارة نسائية ، مسلطة على فئة عمرية محددة ، وأقصد شباب التعليم الجامعي وقبل الجامعي ، بهدف إفساد هؤلاء الشباب ، الذين يفتقرون لكثير من الخبرات الحياتية ، ناهيك عن كونهم خيرة الحاضر وأمل المستقبل ، والذي أثار دهشتي ، مما جعلني أصدق ما شاهدته عيني بصعوبة بالغة ، أنني وجدت فرقاً منتشرة في شتى ربوع الميدان ، من رواد أفعال قوم لوط ، من الذين يأتون الرجال ويقطعون السبيل ، ولا أكون مبالغاً حينما أؤكد أن هؤلاء الشواذ ما كان ينقصهم سوى خلع ملابسهم في وسط الميدان ، مطالبين بمزيد من حريات الهمس واللمس وممارسة الفسق والفجور في الشوارع والميادين العامة ! - والذي لا يدع مجالاً للشك أنني بصرت وابلاً من مراسلي الصحف والفضائيات الأجنبية وهم حريصون على تغطية ما يدور – قولاً وفعلاً – بين المتواجدين في الميدان ، ومن هنا أدركت – جيداً – أن وطننا قد أوشك ، أو دنى من السقوط في بؤرة الانهيار ، وفي تصوري فإن بعض القوى الأجنبية الطامعة قد تعمدت نقل صورة مصر للخارج ، وكأنها تموج في خضم من الصراعات الداخلية والخارجية ، بالإضافة لاشتعال لهيب الفتنة الطائفية ، بقصد ترويع السائحين والمستثمرين ، بهدف انهيار الاقتصاد الوطني ، حتى نلحق – بين عشية وضحاها – بركب بعض الدول التي تعاني من انتشار المجاعات بها ، وحينئذ تجد بعض القوى الأجنبية الحجة الدامغة ، التي تمكنهم من استعمارنا عسكرياً أو فكرياً أو ثقافياً ، بحجة مساعدتهم للنهوض بنا من مستنقع الفقر والمجاعات ، ليس ذلك فحسب ، بل إنهم يعملون من خلال – الضغط الإعلامي – على إثارة الفتنة بين الجيش والشعب ، من خلال استفزاز هؤلاء المأجورين لبعض قيادات وأفراد الجيش ، حتى يضطروا للرد عليهم بيد من حديد ، من أجل الحفاظ على وحدة الوطن وقوميته ، وحينئذ – تحاول – بعض القوى الأجنبية أن تتدخل في شئوننا الداخلية والخارجية ، بحجة حماية المدنيين من تجاوزات القوات المسلحة حيال هؤلاء المغرضين العملاء ، أضف إلى ذلك مساندة بعض القوى الأجنبية الطامعة للتيارات الإسلامية المتباينة ، كالسلفيين والمتصوفة وغيرهما ، بقصد احتدام الصراعات بين هذه التيارات المتطرفة المتشددة ، حتى يجعلوا من هذه الفتن المذهبية حجة للتدخل في شئوننا الداخلية والخارجية ، بحجة تأمين وحماية المواطنين من أولي الصراعات المذهبية . - لذا فإنني أهيب بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الباسلة ، وأقترح عليه أن يعجل بإجراء استفتاء وطني عاجل نزيه ، مفاده ضرورة حظر التظاهرات والتجمعات تحت أي مسمى ، في شتى ربوع مصر ، لحين اختيار حاكم جديد للبلاد في غضون العام الجاري ، وإنني - على يقين - بأن أكثر من ثمانين بالمائة من المواطنين سيصوتون لصالح حظر المظاهرات ، من أجل الحفاظ على وحدة الوطن وقوميته ، وحينئذ سيتوفر لدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحجة القوية ، حيال الداخل والخارج ، بشأن حظر التظاهرات والتجمعات بالقوة الجبرية ، لكونه سيطبق وينفذ رغبة وإملاءات معظم المواطنين ، حفاظاً على وحدة الوطن وقوميته وتجنباً لمخاطر القوى الخارجية المتربصة بنا منذ أمد بعيد ، وسيتقي – في الوقت نفسه – شر الشبهات والشائعات المغرضة ، التي يطلقها المغرضون ، بقصد عرقلة وفشل المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتعاون مع الوطنيين من عقلاء الوطن ، من أداء دورهم ورسالتهم السامية المقدسة حيال الوطن والمواطنين . كاتب ومفكر ومحلل سياسي وكيل مؤسسي حزب الأشراف " تحت التأسيس " [email protected]