رابط الحصول على أرقام جلوس الثانوية الأزهرية 2025.. موعد وجدول الامتحانات رسميًا    القيمة المضافة.. الصناعات الزراعية أنموذجا    الدولار ب49.8 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 22-5-2025    إعلام فلسطيني: الاحتلال ينسف عددا من المنازل شمال قطاع غزة    رئيس الوزراء الكندي: ندرس الاستثمارات في نظام دفاع "القبة الذهبية"    صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل عقب رصد إطلاق صاروخ من اليمن    "أكسيوس": البيت الأبيض في ولاية ترامب بات خطرًا وفخًا للزعماء والرؤساء    في حال فشل المفاوضات.. هل تضرب إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟    إمام عاشور يتعرض لوعكة صحية ونقله إلى المستشفى    حريق هائل في مطعم بالإسكندرية.. والحماية المدنية تنقذ عشرات الطلاب    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 22-5-2025    شريف عبدالفهيم يكتب: السينما من الترفيه إلى الصناعة    إمام عاشور من داخل أحد المستشفيات: الحمد لله على كل شىء (صورة)    تباين في أسعار الخضروات بأسواق مطروح.. والبامية والليمون تكسران حاجز ال 80 جنيهًا    زيادة كبيرة ب920 للجنيه.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع التاريخي    بعد استهداف الوفد الدبلوماسي، كندا تستدعي السفير الإسرائيلي وتطالب بالمحاسبة    أرباح إيسترن كومبانى تنمو 36% خلال 9 أشهر.. بدعم 27 مليار جنيه إيرادات    تويوتا RAV4 موديل 2026 تعتمد على نظام السيارة الهجينة القابلة للشحن    بعد تأهل توتنهام.. 3 فرق إنجليزية تضمن المشاركة في دوري أبطال أوروبا    المستشار عبد الرزاق شعيب يفتتح صرحا جديدا لقضايا الدولة بمدينة بورسعيد    وزارة المالية تعلن عن وظائف جديدة (تعرف عليها)    «استمرار الأول في الحفر حتى خبط خط الغاز».. النيابة تكشف مسؤولية المتهم الثاني في حادث الواحات    بالأسماء.. مصرع وإصابة 4 طلاب في حادث تصادم موتسكلين| صور    ضبط 7 عمال أثناء التنقيب عن الآثار بمنزل في سوهاج    ننشر أسماء المصابين في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالعريش في شمال سيناء    هذا أنا مذكرات صلاح دياب: حكاية جورنال اسمه «المصرى اليوم» (الحلقة الثالثة)    كريم محمود عبدالعزيز: «قعدت يوم واحد مع أبويا وأحمد زكي.. ومش قادر أنسى اللحظة دي»    محافظ الدقهلية: 1522 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية ابو ماضي مركز بلقاس    إجراء طبي يحدث لأول مرة.. مستشفى إدكو بالبحيرة ينجح في استئصال رحم بالمنظار الجراحي    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بأسبوع المطبخ التركي    الهلال يتمم المقاعد.. الأندية السعودية المتأهلة إلى دوري أبطال آسيا للنخبة    بعد صدور لائحته التنفيذية.. عقوبة اصطحاب كلب دون ترخيص    كندا تطالب إسرائيل بتحقيق معمّق في واقعة إطلاق النار على دبلوماسيين بالضفة الغربية    مراسم تتويج توتنهام بلقب الدوري الأوروبي للمرة الثالثة فى تاريخه.. فيديو وصور    مسلم ينشر صورًا جديدة من حفل زفافه على يارا تامر    اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمحافظات    بأجر كامل.. تفاصيل إجازة امتحانات العاملين في قانون العمل الجديد    الهلال ينجو من خسارة جديدة في الدوري السعودي    "من أجل المنتخبات".. ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو    بعد مطاردة بوليسية.. ضبط سيارة تهرب 8 آلاف لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء بدمياط    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    وزير الزراعة يرد على جدل نفوق 30% من الثروة الداجنة في مصر    وزير الزراعة يحسم الجدل حول انتشار وباء الدواجن في مصر    كيف تغلبت ياسمين صبري على التصميم الجريء لفستانها في مهرجان كان؟ (صور)    عادات المليونيرات.. 4 مفاتيح مالية يتجاهلها معظم الناس (تعرف عليها)    حاكم الشارقة يتسلم تكريما خاصا من اليونسكو لإنجاز المعجم التاريخى للغة العربية    28 يونيو.. ماجدة الرومي تحيي حفلا غنائيا في مهرجان موازين بالمغرب    اليوم.. العرض المسرحي "العملية 007" على مسرح قصر ثقافة بورسعيد    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل به شبهة ربا؟.. أمين الفتوى يحسم حكم البيع بالتقسيط وزيادة السعر (فيديو)    لحظة وصول بعثة بيراميدز إلى جوهانسبرج استعدادا لمواجهة صن داونز (صور)    في الجول يكشف آخر تطورات إصابة ناصر ماهر    محافظ الدقهلية: 1522 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب«بلقاس»    كواليس خروج مسمار 7 سم من رأس طفل بمعجزة جراحية بالفيوم -صور    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجوم المتوحش
نشر في شباب مصر يوم 13 - 04 - 2012

" جوناثان " و " ماكس " و " رافاييل " و " هنري بوف " و " أرشيبالد " .. خمسة شبان أيرلنديين ؛ كان يسعدني كثيراً أن أقول أنهم " خمسة شبان كالورد " ؛ ولكنهم للأسف لم يكونوا كذلك على الإطلاق .. ف "جوناثان " أكبرهم سناً ؛ كان أكثرهم جنوناً ورعونة .. و" ماكس " أجملهم وأكثرهم سحراً ووسامة ؛ لكنه في نفس الوقت أغباهم و" أعبطهم " .. أما " رافاييل " ثالثهم فكان كريهاً منفراً ؛ كجثة كلب ميت تعفنت على مدار مائة يوم .. ورابعهم " بوف " ، "هنري بوف" ، لم يكن إلا عصا خشبية عجوز مسندة على الجدار ؛ في بيت مهجور .. ومسك ختامهم " أرشيبالد" كان نوعاً من عجينة الأرز بالسكر بالبصل بالعسل والقشطة واللحم المتعفن ؛ التي يتناولونها بكثرة، في بلاد الواق الواق !!
هذه إذاً كانت الصحبة اللطيفة التي انطلقت من مدينة " بلفاست " الأيرلندية ؛ في الثاني عشر من تموز سنة 1462م ؛ هاربة على ظهر سفينة عتيقة نخرة ؛ تعود إلى أيام "هنري الثاني " الإنجليزي .. ولكن هؤلاء الرفاق ، للعجب ،تمكنوا من أن يصلوا بقرمة الخشب التي كانوا يركبونها ؛ إلى سواحل " زيلند " الجديدة .. " نيوزيلند " ،قبل أي مستكشف أبيض بعشرات السنين !!
وبمجرد أن وطئت أقدامهم أرض الشاطئ المهجور ؛ فوجئ الرفاق بعاصفة عاتية تهب على البحر ؛ الذي ثار وهاج وقذف بأمواجه الهائلة على امتداد الشاطئ المترامي .. وكانت المصيبة أن الأمواج الغاضبة حملت معها " قرمة الخشب " ،السفينة العتيقة ، إلى داخل البحر !
وأفزعت هذه الكارثة الأصدقاء الخمسة ؛ وخلقت لهم مشكلة لم يفكروا في حل لها .. فكيف يعودون إلى بلادهم ، إذا عن لهم أن يعودوا ، بدون قرمة الخشب العزيزة المخلصة ؟
ولكن .. لم يكن هذا هو السؤال الملح أمام الأصدقاء الآن، بل كان السؤال هو: ألا يوجد مأوى يحميهم وطعام وماء صالح للشرب في هذا المكان العفن ؟ .. وبينما كان الأصدقاء يجرون على امتداد الشاطئ بحثاً عن مكان يختبئون فيه من العاصفة والمطر والبرد القارس .. قال " جوناثان " فجأة بكل بساطة ؛ وبدون أي وخز من ضميره :
" أتعرفون ! هذا أفضل شيء حدث لنا منذ أن انطلقنا من " بلفاست " اللعينة ؛ فالآن وبدون السفينة اللعينة ؛ لن نفكر أبداً في العودة إلى بلادنا اللعينة !! "
فأكمل " أرشيبالد " له فوراً :
" وحتى إذا فكرنا فلن نستطيع .. يا للمسيح !.. أنا دائماً أقول إننا محظوظون كالغانيات ! "
وفي هذه اللحظة ؛ في هذه اللحظة بالذات ؛ تجمد الرفاق الخمسة في أماكنهم ؛ وتحولوا من عصى مكانس خشبية إلى تماثيل جليدية .. وكف " هنري بوف " عن التنفس فجأة ؛ فأرتبك هواء الشهيق ، الذي كان على وشك الدخول إلى أنفه ،وتجمد على مقربة من أنف " بوف " على هيئة سحابة صغيرة .. وتوقف " أرشيبالد " عن الكلام فجأة وفمه مفتوح ؛ فأخذت ذبابة ضخمة تحوم حول شفته السفلى المدلاة في بلاهة .. أما الباقون فلم يكن حالهم أفضل في شيء .. وكان سبب هذا الذعر والفزع كله معقولاً ؛ فعلى امتداد الشاطئ ، الذي تعربد فيه العاصفة وتلهو ، كانت جموع هائلة من المتوحشين المسلحين بالحراب والنبال ؛ تتجه من كل صوب نحو الرفاق الخمسة حتى اقتربت منهم .. وأحاطت بهم إحاطة تامة !
..........................
وكل ما حدث بعد وقوع الأصدقاء الخمسة في أيدي القوم المتوحشين الذين يسكنون هذه الأرض النائية .. أن أظهر أولئك المتوحشين من اللياقة وحسن المعاملة أكثر مما يتمتع به اللوردات الإنجليز المتحذلقين المحيطين بملكة إنجلترا .. فلم يكد يتبين لهم أن " جوناثان " ورفاقه مسالمين ولا ينوون أي شر بهم ؛ حتى أغمدوا حرابهم ونبالهم واقتادوا الرفاق إلى كوخ زعيمهم ؛ و قدموا لهم الطعام والشراب الوفير والفاكهة المتنوعة.. فانهال الرفاق الخمسة على الأكل والشراب بصورة أذهلت المتوحشين المحيطين بهم !
وبرغم أن كوخ الزعيم كان بدائياً ، إلا أنه كان رحباً ومريحاً للغاية .. وتمدد الخمسة ، " جوناثان " و " ماكس " و " رافاييل " و " هنري بوف " و " أرشيبالد " ، على الأرض الصلبة العارية وغطوا في نوم عميق ، كنوم الجراء الميتة ، لم يستيقظوا منه إلا في صباح اليوم التالي .. ولكن الغريب أن الكوخ ، كوخ الزعيم ، كان خالياً من الأحياء إلا منهم .. والأغرب أن الشاطئ كله ، على امتداده ، كان مقفراً ساكناً ؛ إلا من صوت أمواج البحر؛ خالياً من البشر.. أما المفزع فهو أن الأصدقاء الخمسة ، حينما راحوا يتفقدون الشاطئ بحثاً عن أي أثر لأصدقائهم المتوحشين الطيبين ، فوجئوا بظل هائل ينقض عليهم ، مثل الكابوس ، من السماء !!
بعد مرور ثلاث سنوات
أخيراً ، وبعد مرور هذه السنوات الثلاثة فهم الأصدقاء الخمسة سبب الذعر الذي أصاب أصدقائهم المتوحشين في ذلك اليوم ، الذي لا يُنسى ، ودفعهم إلى ترك"جوناثان " ورفاقه الأربعة نائمين في كوخ الزعيم ؛ والفرار إلى جبل " جاربا " البعيد .. هرباً بأرواحهم !
كان هؤلاء المتوحشين أولاداً طيبون بحق ؛ يعيشون في بساطة وسعادة ؛ ولا يشغلهم إلا أسماكاً تُصاد ؛ ونيران تُعد للطهي والتدفئة؛ وحفلات رقص وغناء يومية لا تنقطع ..ولكن هذه السعادة الكاملة ، التي لم يكن بوسع ملكة إنجلترا اللعينة نفسها التمتع بمثلها لم يكن يعكر صفوها سوى أمر واحد فقط،هو هجوم " الموا " المتوحش كل عام في يوم معين ؛ على مساكن أولئك المتوحشين المحببين !
كان في هذه البلاد نوع غريب من الوحوش الطائرة ، أو الطيور المتوحشة ، يسميه السكان المحليون " الموا " ؛ ولم يكن " الموا " طائراً جارحاً عادياً ،كالنسر أو الصقر ، بل كان حجمه في مثل حجم الفيل ؛ ولم يكن رأسه أقل حجماً من رأس الحصان ! وكان يهاجم ، بجموعه الكثيفة ، هذا الشاطئ مرة كل عام .. ويدمر أكواخ السكان ؛ ويقتلع أشجار الشاطئ ، من جذورها ،بمخالبه الهائلة ؛ ويلقى بها في البحر !
أما أي آدمي تعيس يتصادف وجوده في طريق " الموا " فقد كان مصيره الدوس حتى الموت تحت أقدام هذه الطيور الهائلة !
وعلى الرغم من وقوع عدة هجمات لجموع " الموا " على الشاطئ خلال هذه السنوات الثلاث ؛ إلا أنه لم يتسنى ل " جوناثان " ورفاقه رؤية هذا " الموا " بالفعل .. فقد أعتاد الرفاق الخمسة أن يحذوا حذو أصدقائهم المتوحشين ؛ كلما أقترب موعد هجوم " الموا " ؛ ويهرولوا معهم إلى جبل " جاربا " .. ليلوذوا به من هجوم " الموا " المتوحش !
شيء واحد فقط ساهم به هؤلاء الرفاق الخمسة في مسألة " الموا " ؛ وبالتحديد أحمقهم و" أعبطهم " " ماكس " ؛ الذي تأخر ذات مرة عن اللحاق بالجموع الهاربة
من وجه " الموا " .. ثم لحق بهم في جبل
" جاربا " و هو يصيح بانفعال أنه قد رأى بعينه طائر " موا " واحد فقط يهاجم الشاطئ .. طائر "موا " واحد فقط ؟!!
أي هراء هذا ؛ إن هناك الآلاف منه يا أحمق .. أجلس وأنت ساكت يا أبله !!
......................................
بعد عدة أسابيع في كوخ " ماكس " ، فقد أتخذ الحمار له كوخاً أخيراً ، جرى هذا الحوار بين الأصدقاء الخمسة ..
ماكس:" أقول لكم أنه كان طائر واحد فقط ! "
رافاييل : " أنت تردد ذلك منذ أسابيع .. ولا أحد يصدقك ! "
ماكس: " وحق المسيح إنني لا أكذب " !
بوف : " لم يتهمك أحد بالكذب يا صغيري .. ولكنك ربما لم ترى جيداً ! "
ماكس : " أتراني أعمى يا " بوف " ؟ أنظر .. أنظر تحت أبطي .. أترى شعراً ها هنا ! حسناً.. أنا أرى الشعر تحت أبطي قبل أن ينمو !! "
أرشيبالد ( بصوت غير مسموع ) :
" اللعنة عليك وعلى شعر أبطك ! "
ماكس : " ها ؛ ها ! لقد سمعتك يا " أرشيبالد " .. أرفع صوتك يا جبان ! "
بوف : " أقصر.. أقصر يا " ماكس " ! هب أننا صدقناك وصدقنا أن طيور "الموا " المتوحشة التي تقلب هذه الأرض رأساً على عقب ؛ ليست إلا طائر واحد فقط ! فماذا تريدنا أن نفعل ما المطلوب منا بالضبط ؟؟!
أرشيبالد ( بصوته الذي لا يُسمع ) : "أن نعد شعر إبطه بالطبع ! "
ماكس: " إذا تأكدنا أنه ليس إلا طائر" موا " واحد فقط ؛ فلماذا لا نقنع أصدقاءنا المتوحشين بالتصدي له و قتله ؛ والتخلص من جرائره ، ونتقدمهم في ذلك ؟ "
أرشيبالد : " وماذا سوف نجنى نحن من ذلك يا بني ؟! "
ماكس : " أوه ! يا لكم من حمقى ! سنجنى ما لا يخطر لكم على بال ! "
بوف : " بالطبع ! خاصة إذا ما ابتلعنا " الموا " أحياء ؛ وزقنا في معدته ؛ لنرى ما الذي يوجد بداخلها !! "
فصاح ماكس : " يا لكم من حمقى ..يا لكم من حمقى ( ثم بصوت هامس ) يا مغفلين ؛ يا بهائم ؛ تخيلوا لو أننا تقدمنا ، كالأبطال ، وخلصنا أصدقاءنا المتوحشين الطيبين من خطر " الموا " المتوحش .. فالمؤكد أنهم سيحتفون بنا احتفاء خاصاً ؛ بل ربما جعلوا أحدنا زعيماً عليهم بدلاً من " أولوبو " ذو الكرش العملاق ! "
رافاييل : " هل تطمع في أن تكون زعيما ً على أولئك المتوحشين بدلاً من " أولوبو " يا " ماكس " ؟! "
ماكس ( بتواضع ) : " أنا لا أسعى للمناصب يا صغيري .. بل إن مواهبي الفذة هي التي تقودني للمناصب يا بني ! "
ماكس [ مرة أخرى ] : " المهم هل توافقون على ما عرضته عليكم ؟ "
تلفت الأصدقاء الخمسة إلى بعضهم وتبادلوا النظرات الغبية ؛ ثم هتف أربعة منهم ؛ في عزم الرجال الأبطال ، الذين لا يخشون شيئاً ، قائلين :
" لا بالطبع يا أحمق ! "
............................
بعد عدة أشهر وبالتحديد في موعد هجوم " الموا " التالي ! الآن لم يعد هناك أي سبيل للتراجع .. ووقع الرفاق الخمسة في الفخ .. تماماً كما أراد لهم " ماكس " الأحمق ! .. ولكن ما خفف على الرفاق فداحة الورطة التي وضعوا أنفسهم فيها ؛هو أن بعض أصدقاءهم المتوحشين، القليل منهم ، قد قبلوا مشاركتهم في تلك المغامرة الخطرة
..أما باقي المتوحشين فقد تبعوا زعيمهم الجبان " أولوبو " إلى جبل " جاربا " ؛ هرباً من وجه " الموا " المخيف !
وفي صباح اليوم الموعود قام " ماكس " ورفاقه بمسح الشاطئ المترامي لاختيار أنسب المواقع ؛ التي يتخذونها لمواجهة هجوم" الموا " .. كما يفعل المقاتلون الحقيقيون .. أما شركائهم المتوحشين فقد اعتبروا أنفسهم قوات احتياطية ؛ واختبئوا خلف تل صغير يشرفون منه على الشاطئ .. ليرقبوا سير المعركة بين " ماكس " ورفاقه وبين " الموا " ؛ ويسرعوا بنجدتهم وقت اللزوم .. و قد تسلح الجميع بالحراب الطويلة والسهام ؛ وأعدوا شبكة عملاقة لاصطياد " الموا "، إذا حالفهم الحظ ، وكثير من الفخاخ ؛ لعرقلته إن أمكن .. وحمل أحد المتوحشين ويدعى " ليكوكو " ، وكان بارعاً في الرماية ، حربة هائلة وكمن في موقع قريب ؛ دون أن يراه أحد من الرفاق الخمسة ؛ أومن المتوحشين الآخرين ؛ وبعد وقت طال لاح النذير في الجو .. وصمت الجميع ؛ وخمدت أنفاسهم ولم تعد تُسمع ؛ بل حتى البحر ، الذي لم تهدأ ثائرته منذ الفجر، بدا وكأنه هو الآخر يحبس أنفاسه ترقباً .. وران على أمواجه سكون مفاجئ ؛ كسكون الموت ؛ وتجمدت أرجل الأبطال الخمسة المغاوير .. وفجأة صاح أحد المتوحشين بشيء ما وأشار إلى الأفق ؛ فألتفت الجميع إلى حيث يشير ؛ وتوترت الدماء في عروقهم ؛ حينما وقعت عيونهم على " الموا " العملاق ؛ و هو ينشر ظله المخيف على البحر ؛ متقدماً نحوهم في قوة وثبات .. ولكنه ،على الأقل ، كان طائر " موا " واحد فقط !!
..................................
أخذ " الموا " الهائل يتقدم في الأفق ؛ ناشراً ظله المخيف على البحر وعلى كل صخرة وكل وجه .. حتى قرص الشمس بدا وكأنه توارى خلف " الموا " ، الذي لا مثيل له على سطح الأرض .. وأقترب " الموا " جداً من الشاطئ ؛ حتى غطى ظله شاطئ البحر على امتداده ؛ وكاد يهبط على مقربة من الموقع الذي أنتشر فيه " ماكس " ورفاقه ؛ ولكنه غير رأيه بغتة ؛ ودار على عقبيه وعاد إلى التحليق فوق البحر لبرهة ؛ ثم توقف عن الطيران وبقى للحظات جامداً في مكانه في الفضاء .. ثم فجأة أندفع لأسفل ،كالقذيفة الهائلة ، وأقتحم وسط البحر في ضجة هائلة .. وفزع " ماكس " ورفاقه ؛ وكذلك المتوحشين المختبئين خلف التل ؛ لروعة هذا المشهد الجبار ؛ وبعد أن غاص " الموا " بمنقاره للحظات تحت سطح البحر ؛ خرج وهو يحمل حوتاً صغيراً كاملاً !
وعلى مرأى من جميع المتربصين به ؛ فتح " الموا " منقاره البالغ الضخامة وأبتلع الحوت مرة واحدة ، وكأنه يبتلع دودة صغيرة ! وأفزع هذا المشهد الرهيب أحد المتوحشين الموجودين وراء التل ؛ وأفقده صوابه ؛ فبرز من مكانه وأندفع يجرى محاولاً الابتعاد عن المكان ؛ و هو يصرخ
ويصيح فزعاً .. والتقطت عينا " الموا " الثاقبة منظر الرجل و هو يجرى ؛ فنشر جناحيه ليخفي بهما قرص الشمس .. وحلق بسرعة حتى أقتحم الشاطئ ؛ ثم أنحرف ، على بعد أقدام من رؤوس " ماكس " ورفاقه ، الذين انبطحوا على بطونهم بسرعة ليبعدوا رؤوسهم عن أقدام " الموا " .. وأندفع " الموا " باتجاه الجنوب الشرقي ؛ ملاحقاً الرجل الذي طار صوابه ؛ ولحق به بالفعل ومد قدمه الهائلة وأصطاد الرجل من أذنه بمخالبه ، واستمات الرجل ، الذي أصبح معلقاً من أذنه في قدم " الموا " ، محاولاً تخليص نفسه ؛ وفي نفس اللحظة برز " ليكوكو " من مخبئه ؛ و هز حربته في الهواء ؛ ثم أطلقها نحو " الموا " في رمية بارعة بحق ؛ فأصابت قدمه التي يتعلق فيها الرجل ومزقتها ؛ و هوى المتوحش المسكين، الذي تحولت أذنه اليسري إلى مصفاة ، على الأرض مصعوقاً ؛ و هولا يصدق أنه نجا .. ورغم أن رمية " ليكوكو " لم تصب " الموا " بضرر بالغ ؛ إلا أنها أشعلت حماسة الآخرين ؛ فاندفعوا مطاردين" الموا "
وأطلقوا حرابهم ونبالهم نحوه من كل اتجاه ؛ حتى " ماكس " ورفاقه ،الذين لم يحركوا ساكناً حتى هذه اللحظة ، رغم أنهم أصحاب فكرة مواجهة " الموا " ؛ سرت فيهم الحمية ؛ فاشتركوا في مطاردة " الموا " ونجح " بوف " في إصابته إصابة بالغة في منقاره.. وكانت هذه الإصابة سبباً في إثارة جنون " الموا " ؛ الذي ترك جميع مطارديه ؛ وأندفع خلف " بوف " بالتحديد ، وكأنه أدرك أنه هو من أصابه تلك الإصابة البالغة ، بل وكاد " الموا " يدهس " هنري بوف " بأقدامه ؛ عندما أختل توازنه و هو يجرى هرباً ووقع تحت " الموا " تماماً .. ولكن " ليكوكو " البطل أسرع وأنتزع حربة
" جوناثان " وأطلقها نحو " الموا " ؛ في ضربة أكثر من رائعة ؛ فأصابت كبده تماماً !!
وهوى " الموا " مرة واحدة ؛ وسقط بجوار التل محدثاً صوتاً مدوياً !
وهلل الجميع وأحدقوا بجثة " الموا " ؛ وهم لا يصدقون بموته !.. فهل أخيراً مات " الموا " المتوحش .. وتخلصوا من شره وخطره و هجماته المفزعة ؟!.. وأظهر
" ماكس " ورفاقه ، خاصة "بوف "فخرهم الشديد بهذا الإنجاز العظيم باعتبار أنهم وحدهم هم أصحاب الفضل فيه ! بينما أنطلق صاحب الفضل الحقيقي"ليكوكو " إلى جبل " جاربا " ؛ لاستدعاء المختبئين هناك ؛ وعلى رأسهم الزعيم " أولوبو " ؛ ولكن ما كاد " ليكوكو " يتحرك مبتعداً ؛ حتى صاح الباقون فزعاً وذعراً .. وألتفت"ليكوكو " ليجد قدم " الموا"العملاقة تضربه في وجهه !
وضم " الموا " قدميه معاً حاملاً " ليكوكو " الشجاع بينهما .. ونشر جناحيه الهائلين ومضى مبتعداً نحو الشمال .. والحربة ما زالت مغروسة في كبده! وتجمد الباقون من هول المفاجأة للحظة .. ثم اندفعوا جميعاً خلف " الموا "الذي يحمل معه " ليكوكو " الشجاع !
............................
حاول " ليكوكو " الشجاع أن يحرر نفسه من بين قدمي " الموا " مراراً .. ولكنه لم يكن يحمل معه أي سلاح ؛ ولا حتى سكينه الضخمة التي سقطت منه أثناء مطاردة "الموا " .. أما " الموا " فقد شدد من إطباق قدميه ومخالبه ؛ لكي لا يتمكن أسيره من الإفلات.. وعندئذ وجه " ليكوكو " اهتمامه لمحاولة معرفة أين يمضى به "الموا " ؛ فوجده يمضى به في اتجاه الشمال ؛ وهذا شيء غريب ؛ ف" الموا " كان دائماً يأتي من ناحية الجنوب ؛ ويذهب من ناحية الجنوب أيضاً .. ولم يره أحد أبداً يحلق نحو الشمال .. فإلى أين يحمله إذاً ؟!
وبعد قليل كان " الموا " يحلق به فوق جبل " جاربا " ؛ثم عبره وتوجه به نحو سلسلة جبال منخفضة ، يسميها سكان البلاد " أكمولا " ، وكان يقع وسطها وادي شاسع أندفع نحوه " الموا " حاملاً " ليكوكو " الذي جمده الذعر ؛ عندما رصدت عينه الثاقبة ، من على هذا البعد ، عشاً ضخماً وسط الوادي ؛ ويبدو كأنه عش " الموا " نفسه.. فهل يحمله " الموا " إلى عشه ليطعمه لصغاره ؟؟!
وبعد لحظة حط "الموا"بجوار العش العملاق ؛ وأفلت " ليكوكو " من بين قدميه .. وكاد " ليكوكو " يطلق العنان لساقيه ويفر ناجياً بحياته .. ولكنه رأى في العش منظراً مذهلاً .. منظر لا يخطر على بال أحد .. منظر أصاب " ليكوكو " بالذهول وجعله يتجمد على مقربة من العش ؛ ويحدق داخله مبهوراً وغير مبالي حتى ب" الموا " الضخم .. الذي سقط على قيد خطوات منه شبه ميت !!
..................................
كان بداخل عش " الموا " شيئين : الشيء الأول .. هو " موا " آخر لا يقل ضخامة عن الأول ؛ ولكنه ميت !
وبدا من اختلاف ألوان الريش بينهما أن أحد الطائرين ذكر والآخر أنثى .. أما الشيء الآخر ، الذي كان موجوداً في عش " الموا " ، فهو فتاة !!
فتاة آدمية صغيرة لا يتعدى عمرها الثماني سنوات .. والغريب أنه لم يكن يبدو عليها أي نوع من الخوف أو الفزع ؛ بل كانت
تمرح في داخل العش وكأنها في بيتها ! والأغرب أنها أسرعت إلى " الموا " الضخم ؛ حينما رأته يسقط أمام العش ؛ وبدا عليها الحزن والفزع عندما رأت الحربة المغروسة في كبده ! وحاولت جاهدة انتزاعها ، و هي تبكى بعصبية بريئة، .. ولم يتمالك " ليكوكو " نفسه أمام ذلك المشهد ؛ فأسرع نحو الفتاة وحملها بعيداً ؛ و هي تقاومه بفزع وتضربه بيديها الصغيرتين ؛ وتخمش وجهه بأظافرها ؛ وتطلق أصوات غريبة ،كصوت بطة صغيرة ، حتى أجبرته على إطلاق سراحها .. وأسرعت الفتاة إلى " الموا " المصاب ؛ وأخذت تناغيه بأصوات غريبة .. ولكنه كان قد مات !
................................
بعد مضى عدة أشهر كانت تغييرات كبيرة قد حدثت في هذا الجزء من العالم !
أهمها أن " جوناثان " و " ماكس " و " رافاييل " و " هنري بوف " و " أرشيبالد " قد تمكنوا من العودة إلى بلادهم اللعينة.. على متن سفينة هولندية ، تابعة لشركة الهند الشرقية الهولندية ، وكانت هذه السفينة تعبر بالمصادفة أمام سواحل " زيلند " الجديدة ؛ فالتقطت الرفاق الخمسة مقابل تزويدهم للشركة الهولندية بكل المعلومات ؛ التي بحوزتهم عن تلك الأرض الجديدة !
وكذلك المتوحشين سكان هذه الأرض طرأ عليهم الكثير من التغييرات في أسلوب معيشتهم ؛ وحتى في لغتهم ؛ نتيجة للأثر الذي لا يُنكر الذي تركه " جوناثان " ورفاقه عليهم !
الشخص الوحيد في العالم الذي لم يتغير هو " مايا " !
الطفلة التي عثر عليها " ليكوكو " في عش " الموا " .. وحملها إلى قومه لتعيش بينهم .. فقد ظلت الطفلة عازفة عن الأكل واللعب مع أقرانها من الأطفال .. بل حتى الكلام رفضت أن تتعلمه ؛ وظلت تعبر عن نفسها بتلك الأصوات الغريبة التي تطلقها من حنجرتها ! وبقيت الفتاة "مايا" ، التي تولى " ليكوكو " رعايتها ؛وأطلق عليها هذا الاسم ، في رعايته حتى ماتت ؛ ودفنت إلى جوار أباها " الموا " ..
وكان ما يحير المتوحشين هو من أين أتى " الموا " بتلك الطفلة ؛ التي هي قطعاً ليست من أهل تلك البلاد ؟!
أما السؤال الذي ظل يحير " ليكوكو " باقي عمره هو : هل
حمله " الموا " في ذلك اليوم المشهود إلى عشه ليرجوه ويوصيه برعاية طفلته "مايا"؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.