الفضيحة بجلاجل مضحكات مبكيات من زمن الثورات بعد صلاة العشاء مسك الإمام الميكروفون وخاطب المصلّين قائلا : قبل أن تغادروا المسجد إستمعوا الى قصّة أخونا صلاح الذي كان يسرق ويخطف ويرتكب الموبقات وقد هداه الله أخيرا ... فقام صلاح ومسك الميكروفون ثمّ قال : نعم لقد كنت أرتكب المعاصي وكان الله يسترني في كلّ مرّة ومنذ أن تبت عن ذلك الفعل أصبح هذا الإمام يفضحني من مسجد الى مسجد ... تذكّرت هذه النادرة وأستحضرتها الآن على إثر ما نشر حول وقائع موائد الإفطار الخيرية التي حملت أعلام الترك وصور قائدهم أردوغان وغيره من المصطادين في المياه العكرة لشعوب أصابها الضعف والهوان وأصبحت تتسوّل على عتبات الدّول بدون سروال أو حتّى تبّان ... كلّ دولة تقريبا لها مآسيها ولم تنجو دولة عبر التاريخ من الأزمات والكوارث ... ومن تحصيل الحاصل أن تطلب الدولة المأزومة عون أصدقائها المترفّهين الى حين ، فمن يعلم ربّما تغيّرت الأحوال ودارت الأيام فأصبح المترفّهون في وضع ضياع وإنعدام وأضحت الدّولة المعدمة في بحبوحة من العيش بعد أعوام من الصيام ... والمساعدات عادة تتمّ عبر قنوات رسميّة وتسلّم من دولة الى دولة مثلها ، فلا يقال إنّ الدولة الفلانيّة قد ساعدت الشعب الفلاني وإنما يقال إنها ساعدت الدّولة الفلانيّة وهذا هو العرف في القاموس الديبلوماسي الصِّرف ... ولكن بعض الدّول المانحة تتعامل مع المسألة بإنتهازية وتحاول إلغاء أيّ دور للدول الممنوحة وكأنها غير موجودة أصلا على الخريطة الدولية فتمرّر المساعدات الى الشعب مباشرة وتقيم الولائم وموائد الإفطار وتنظم الحملات الخيرية وتدوس بالأحذية على ما بقي من سيادة وكرامة وهيبة الدولة الممنوحة الغبيّة ، وتنشر كلّ ذلك في وسائل الإعلام على نطاق واسع ضمن برنامج دعائي مدروس ومبرمج سلفا لكسب الرأي العام في البلد الممنوح وجعل ولائه يخفّ تجاه دولته ويتصاعد تجاه الدولة المانحة سواء كانت تركية أو إيرانيّة أو قطريّة ... وهكذا ترفع صور أردوغان أو الخامنئي أو الشيخة موزة في المحافل الوطنية وتدخل بيوت الناس عبر علب المساعدات وفوق الواجهات الأمامية للشاحنات الناقلة التي تجوب أراضي الدولة طولا وعرضا ، وترى البسطاء بعد ذلك يرفعون أيديهم بالدّعاء لدولة الخلفاء التركية وعصابة الدّجل الصفويّة وأمراء الخديعة والقحط في قطرائيل العربية وكأنهم أصحاب النعمة وملائكة الرحمن الذين يحملون الفرج بعد الشدّة والبليّة ... إنه نوع من الرّياء المفضوح تنتهجه بعض الدّول التي وصلت الى القمّة والسفوح تجاه دولٍ أخرى تعيش على وقع الأزمات الأقتصادية والإجتماعية بعد سقوطها من السطوح ودخولها في دوّامة الفوضى بوتيرة تفوق ما هو مقبول ومسموح ... مساعدات بطعم الفضيحة تمارسها دول إقليميّة بطريقة واضحة وصريحة تجاه شعوب مريضة مقعدة وبالفراش طريحة من أجل إختراق وعي الناس وجعلهم في الخلاصة والنهاية هم المذبوح وهم الذبيحة ... وأساليب ملتوية للتلاعب بالعقول تنتهجها دول إقليمية بشكل غير مقبول في غياب أيّة مظاهر للدولة والسيادة الوطنية في بلد مقهور مشلول أصبح الولاء فيه للأغراب بدون حساب وأصبح فيه التسوّل عبر الفضائيات أفضل طريقة لتجاوز المشاكل وإستنباط الحلول ... نتذكرهنا بالتحديد قصّة الفضيحة بجلاجل حيث إرتكب أحد الأفراد قديما جريمة السرقة بحق أهالى القرية فحكم عليه القاضى أن يركب الحمار مقلوبا ويرتدى ملابس قديمة مثل المتشردين ويقوم المارة بتعليق الأجراس أو “الجلاجل” فى رقبته لتصدر هذه الأجراس أصواتا كلما تحرك وتنقل وكأنها تقول : هذا هو السارق ... وبدل التشهير بالسارق وهذا أمر مباح ، نجد الدول الإقليمية المذكورة أعلاه تشهّر بالمسروق والشعب المسحوق وتجعل فضيحته ... بجلاجل ... وفي الختام كأنّي بالمؤرخة الكندية شارلوت جراي تتوجّه بكلامها الى أمثال تلك الدّول المانحة حينما قالت : يكفي ان تدق الباب أو تطل بوجهك من النافذة .. لا حاجة بك الى اللف و الدوران...