إن الجزاء من جنس العمل فقد اختار المتسول بإرادته الحرة أن يريق ماء وجهه أمام الناس، أى أنه فضح نفسه فاختار الله له عقوبة الفضيحة فى الآخرة.. وفى الماضى كانت هناك عقوبة تسمى الخسروان وهى أن يركب المجرم حمارًا بطريقة معكوسة يمشى به بين الناس وعلى جانبى الحمار تتدلى أجراس وجلاجل لذلك قيل: فضيحة بجلاجل ، وقيل أيضا تجريس أى فضيحة باستخدام الأجراس لكى ينتبه كل الناس لأن الإنسان بطبعه يحب أن يعيش كريما عزيزا.. وقد أراد الله أيضا للمسلم أن يكون عزيزا فلا يسأل ولا يلجأ إلا له فالسؤال لغير الله مذلة. إن النبى صلى الله عليه وسلم وضع شروطا لسؤال الناس أهمها أن يكون السائل ليس لديه أى شىء فى بيته لا طعام ولا ملابس ولا نقود وفى هذه الحالة يصبح التسول حالة مؤقتة استثنائية فقط من أجل الحصول على مال ليبدأ به مشروعا أو يشترى به بضاعة ليبيعها وليس لكى يتخذ من التسول مهنة دائمة. وفى ذلك قصة طريفة لرجل ذهب ليتسول فطرق بابًا فرفض صاحب البيت أن يعطيه شيئا فقال له الشحاذ: أين الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة؟ فأجابه صاحب البيت: ذهبوا مع الذين لا يسألون الناس إلحافا. المتسول يرتكب ذنبا عظيما كل يوم ومن هنا فإن مهنة التسول لا تصبح مهنة شريفة كما كنا نسمع من قبل. وإن من أهم المشاكل التى عالجها الإسلام هى مشكلة البطالة بحل بسيط وسهل فعن الزبير بن العوام رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتى الجبل فيأتى بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" (أخرجه البخارى فى صحيحه عن المقدام بن معد يكرب) .. ولقد عمل الأنبياء وهم صفوة الخلق فى مهن الدنيا، فنبى الله نوح عليه السلام كان نجاراً، ويعقوب عليه السلام كان يرعى الغنم، ويوسف عليه السلام كان وزيراً على خزائن مصر، وإدريس عليه السلام كان خياطاً، وكان يعمل فى الخياطة ولسانه لا يكف عن ذكر الله، فلا يغرز إبرة ولا يرفعها إلا سبَّح الله، كما عمل موسى عليه السلام عشر سنين فى رعاية الغنم عند الشيخ الكبير، أما نبى الله داود عليه السلام فقد كان حداداً يصنع الدروع، وآلات الحرب، كما كان ملكاً يعمل ويأكل من عمل يده ، كما يخبرنا بذلك النبى عليه الصلاة والسلام فى قوله: «ما أكل أحد طعاماً قطٌّ خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده». كل الأنبياء كانوا يعملون رغم انشغالهم الشديد بالدعوة. وقد اشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك برعى الغنم فى صغره، وعمل فى التجارة فى شبابه، كما شارك أصحابه فى أعمال كثيرة، فى حفر الخندق حتى تعفرت لحيته، وجمع الحطب، وبناء المسجد، وغير ذلك، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحب صاحب الحرفة ويثنى عليه ويقربه إلى مجلسه ويدعو له. ولو كان النبى صلى الله عليه وسلم يحيا بيننا الآن ورأى هذا الكم الهائل من المتسولين لحزن حزنا شديدا على ما وصل إليه حال أمته.