مُلوك ... ولكنّهم سُرَّاق مضحكات مبكيات من زمن الثورات بقلم عزالدين القوطالي أمّا أنا فأسرق بصراحة ووضوح ... هكذا تحدّث الأمبراطور الروماني كاليجولا الذي كان غريب الأطوار الى حدّ الجنون ولذلك أقدم على أفعال لا يتّسع لها عقل أو مجال إذ أنه يعتبر أوّل من شرّع السرقة العلنية في روما وجعلها عادة رسميّة تمارسها الدولة على رعاياها الذين منع عليهم توريث ممتلكاتهم الى أبنائهم فبمجرّد الوفاة تؤول الأملاك الى خزينة روما والتي كانت تعني في النهاية خزينة كاليجولا نفسه بإعتباره هو روما .... وفي الحقيقة فإن الأمبراطور المجنون لم يكن وحده في هذه العادة إذ شاركه فيها عبر التاريخ القديم والحديث العديد من ملوك وأمراء ومشاهير العالم ومنهم على سبيل المثال الملك فاروق ملك مصر والسودان الذي تعمّد سرقة ساعة يدوية لرئيس الوزراء البريطاني تشرشل أثناء لقاء رسمي جمعهما في لندن ، كما قام بسرقة بعض الأوسمة والنياشين الذهبيّة المتعلّقة بشاه إيران بعد مرور الصندوق الحامل لجثّته بالقاهرة ... وفي التاريخ المعاصر عمد رئيس جمهورية التشيك فاتسلاف كلاوس عام 2011 الى سرقة القلم الذي تمّ بواسطته توقيع معاهدة دولية مهمّة في مراسم إحتفالية وقع بثها على التلفزيون وعلى الهواء مباشرة ، إذ وقّع على المعاهدة ثمّ وببساطة وضع القلم في جيبه ... المهمّ في هذا كلّه هو المقارنة بين القديم والجديد ، وبين حكّام الأمس التليد الذين حكموا الدّنيا بالنار والحديد وسرقوا بوضوح شديد ، وحكّام اليوم الذين ليس لهم تاريخ مجيد وإنما تاريخهم بدأ منذ أن إمتدّت أيديهم الى ثروات الشعب بالنهب والسّلب في المأتم وحتى في العيد ... ملوك الأمس سرقوا بوضوح وصراحة فأعتبروا أموال الأغنياء غنيمة مُباحة ، وملوك اليوم يسرقون بكتمان ووقاحة معتبرين أن ثروات الشعب هي دوما مُتاحة ومُستباحة ... ولكن سرقات ملوك الأمس إستهدفت في الحقيقة أموال الأشراف وكبار التجّار وأصحاب الثروات الطائلة ، فلم يكن كاليجولا مهتمّا بأرزاق الفقراء وإنما كان إهتمامه بالأساس مسلّطا على الأغنياء إذ هم في إعتقاده سبب البلاء ، ولذلك كان ضحاياه من اشراف روما وافراد الامبراطورية الاثرياء ... ولم يكن الملك فاروق مهتمّا بالمال في ذاته لأنه كان بطبعه فاحش الثّراء ولذلك كان هدفه الأسمى هو سرقة أمثاله من الملوك في غفلة منهم أو في أوقات الفرفشة والصّفاء ... أمّا ملوك اليوم فلم يسلم منهم الفقير والغنيّ على حدٍّ سواء فهم مثل المنشار يأكل نازلا وصاعدا فلا يترك في الخشبة شيئا قابلا للتشكيل والإحتواء ، وهم مثل النار تلتهم الأخضر واليابس وتأتي على الأرض الخصبة فتجعلها في لمح البصر معدمة جرداء ، وهم مثل السّوس المنحوس إذا إستقرّ بشيء لن يتركه إلاّ وقد أصبح خرابا وفناء ... ومع هذا يقارن ملوك اليوم أنفسهم بملوك الأمس ويقولون بالهمس واللّمس نحن ملوكٌ مثلهم لا يزيدون عنّا شيئا سوى أننا أبناء اليوم وهم أبناء الأمس ... وهنا أتذكّر ذلك الأعرابي الذي رأى عبيدا يلبسون ثياب أحرار فقال : أرى حللا تصان عل رجال و أعراضا تذال و لا تصان يقولون الزمان به فساد وهم فسدوا و ما فسد الزمان