بقلم/ كريم مجتهدي. ترجمة/ محمد عاطف بريكي. في إحدى ضواحي العاصمة الإيرانية طهران و خلال ليلة يوم 13 فيفري من سنة 1967 إصطدمت سيارة لا ندروفر بسيارة أخرى كانت قادمة في الإتجاه المعاكس بحيث أدى الى تحطم باب سيارة لاندروفر الى شطرين بينما وجدت الشابة التي كانت خلف المقود خارج السيارة ملقاة على الرصيف البارد و الدماء تنزف من رأسها و في الطريق الى المستشفى لفظت الضحية أنفاسها الأخيرة.يبدو الخبر عاديا من الوهلة الأولى لكن مع أولى ساعات الفجر إستيقظت الإيرانيون على نبأ وفاة مفاجئة لإحدى الأسماء الأدبية اللامعة في حادث سير تعرضت له الشاعرة الإيرانية المتمردة فروغ فروخزاد. الطريقة التي توفيت بها الشاعرة لا تقل مأساويتها عما عانته خلال حياتها التي عرفت سلسلة من الحوادث المؤسفة.ولدت سنة 1934 بطهران،عانت طفولة قاسية على يد والدها الذي إختار زيجة ثانية أما أمها فقد كانت شغوفة و نهمة للماديات أكثر من إهتمامها بأطفالها و بالكاد في أولى سنوات مراهقتها زفت الشاعرة الى رجل يكبرها سنا ما فتئت تنجب منه طفلا و لم يعمر ذلك الزواج سوى 03 سنوات إختارت الشاعرة فك روابطه بمحض إرادتها بعدما وجدت نفسها سجينة أعراف قديمة ضمن اسرة لا يعرف الحب طريقا إليها وتم سلبها الطفل من طرف أهل زوجها حيث تكفلت به جدته من ابيه،و بذلك قطعت فروغ دابر روابط شكلية و زائفة و قررت التمرد و التصرف في نفسها ضاربة كل العادات و التقاليد و الأعراف عرض الحائط،كانت ظاهريا تتجاوز مشاكلها بنجاح لكنها في حقيقة الأمر و في أقصى نقطة من روحها كانت تطبع كل محنة فيها غزلا من الحزن حول فؤادها و آثار لن تمحى،كان لابد أن تنفصل عن إبنها الوحيد و تلتفت كليا الى الفن و خصوصا الرسم،لكنها في نهاية المطاف وجدت نفسها منساقة الى كتابة الشعر. نشرت بواكير اشعارها في ديوان أسمته"الأسيرة" سنة 1955 ضمنته قصائد بلغة ذاتية صرفة وغير متوقعة في الشعر الإيراني المتداول حينذاك ربما كونها نابعة من عمق إنساني صادق للشاعرة.لم تخفى الرسائل الوعظية التي تضمنتها أولى بواكيرها الشعرية ذات المحمول الأخلاقي الشخصاني لنبذ كل ما هو نفاق في العلاقات الإنسانية عامة و كل ما يمثل الحلول الوسطية في إبداء الآراء و المواقف،هذه الصرامة في الدعوة الى العمل بهذه الأخلاق بواسطة رسالة الشعر من طرف كاتبة إيرانية كانت تنادي أبدا و من دون الانضواء تحت أية مؤسسة رسمية بالحرية ،بحريتها هي. و لم يكن لأي كان أو أي شيء إستطاع أن يقف في وجه ثورتها .ففي قمة عطاءها الشعري أثبتت فروغ فروخزاد عن طينتها كشاعرة مقتدرة تملّكت ناصية الشعر بإتقان نادر. نشرت الشاعرة لا حقا مجموعتين شعريتين هما "الجدار"سنة 1957 و " العصيان" سنة 1959 بوّآها مكانة بارزة في الشعر الإيراني المعاصر. تبدو شخصية فروغ فروخزاد الأكثر عمقا من خلال كتاباتها الشعرية و توقها الشديد إلى الحرية و الإنعتاق من سجن المجتمع المقدس لسلطة الرجل البطريركية القديمة و أصبحت نبضات قلبها المفعمة تتماهى مع سعيها الى الحرية و لا غرو أن يتحول إسمها الى عنوان أشهر من نار على علم مثلما أشعارها التي تتداولها الأيدي و يحفظها الشباب عن ظهر قلب بل و يتطلع الى جديدها بشغف و إذا كان هذا حال البعض ممن أشاد بشخصيتها الشعرية فالبعض الآخر كان يتربص بها الدوائر و يحيك ضدها الدعايات الباطلة الى حد وصفها بالفاسقة و بالبقعة السوداء التي لطخت ثوب الشعر الإيراني أما البعض الأخر قال أنها لعنة. و إمعانا في إيذائها لم تتوانى بعض الجرائد التشهير بها و السخرية منها حتى أنها ذات يوم تلقت إهانات بالغة من إبنها و برغم ما لحقها من أذى واصلت مسيرتها و أثبتت للجميع شجاعتها و عدم تأثرها بالسيل الجارف من السباب و الإهانات من هنا و هناك بل حافظت على حساسيتها الشعرية الممزوجة بمرارة و نضارة كلمها و صوتها الذهبي المغرد قصائد نادرة الجمال ليس سعيا منها وراء رحلة مجد و لا الألفاظ النابية التي رصدت لها حالا دون تحقيق ما كانت تصبو إليه ما دام تسلل إيمان قوي بداخلها أن مصيرها في النهاية هو أكثر من نجاح سريع الزوال و قد صرحت في هذا الخصوص قائلة:" أن الشعر الحقيقي مثل آلهة و ثنية حريصة دائما على أن تضحي بنفسها". في سنة1964 نشرت الشاعرة ديوانها الرابع الموسوم "ولادة ثانية" جمع بين دفتيه جواهر لم ينكرها حتى أعدائها الطبيعيين. في السنوات الأخيرة قبل وفاتها أصبحت فروغ أكثر ميلا للسينما و عملت الى جانب السيناريست و المخرج الإيراني جولستان بل أنها مثلت دورا في فيلم وثائقي قصير عنوانه" البيت المظلم" و نال جوائز في مختلف المهرجانات الدولية و برغم إهتمامها بالسينما ظلت فروغ مخلصة لكتابة الشعر.و في فيلمها الوثائقي تضعنا فروغ على الفور مع حقيقة وجود شيء اسمه "الشر" و حاولت تقريب المشاهد الى زخمه المتعال في قلب بيت مضلل بالسواد و هو المكان الذي تدور فيه قصة رجل مجذوم و في زخم عذابات الرجل البائس تفرقع لحظات من الفرح نابعة من إحساسه بالحب أو هكذا كان يأمل في قرارة نفسه و هي تقريبا نفس الغبطة المفاجئة التي إجتاحت قلب الشاعرة عندما حلمت عميقا بكل الأشياء المثالية في الحياة؟ لكنها تموت في غمرة الحياة محتضنة أبيات من شعرها كانت أخذتها معها في الطريق الى قبرها و نقشت لاحقا على شاهدة القبر هذه الأبيات: أنا أتكلم عن عمق الليل عن الظلام في أقصى حدود له عن الليل البهيم لو أنك تأتي الى بيتي،من أجلي، يا رقيق القلب لا تنسى أن تجلب معك مصباح لي ونافذة كي أتطلع الى ألأناسي عبر الشارع السعيد. [email protected] محمد عاطف بريكي الجزائر/