1- نشأة الشعر الفصيح بإختصار شديد , كانت نشأة الشعر الفصيح مع نشأة اللغة العربية , ونشأة اللغة بشكل عام , كانت نتيجة لحاجة الإنسان , إلى ما يعبر به عن رغباته ,ومكنونات نفسه , فنجد أولى هذه المحاولات , في قديم الزمن , متمثلة في النقوش والصور على العظام , والصخور , والأشجار, وقد جرت سنة الله في خلقه, بالتطور الدائم والترقي ,فصارت هذه النقوش ,أكثر دقة وأوضح مفهوما ,والشعر بشكل خاص كان لغة الوجدان. دائما ما يكون مقرونا بالمشاعر, التي تتملك الإنسان في تلك اللحظة ,فتارة يكتب فرحا ,وتارة يكتب حزنا ,وتارة يكتب غضبا , ثم تطورت هذه المشاعر, فكان لها مسميات , فعندما تكون القصيدة ,مشتملة على مشاعر الحزن ,وذكر الموت يسمى هذا رثاءا ,وعندما تكون مشتملة ,على ذكر المناقب ,والمآثر الشخصية ,أو القومية ,يسمى هذا فخرا, وعندما تكون مشتملة ,على ذكر المثالب والعيوب ,يسمى هذا هجوا ,أو هجاءا ,وهناك الكثير والكثير من المسميات . وهناك أمم وحضارات كثيرة ,عرفت الشعر ومارسته ,منذ قديم الأزل ,بطريقتها الخاصة ,أمثال الحضارة اليونانية ,وشاعرهم الكبير هوميروس, وملحمتيه الإلياذة والأوديسا ,وبالطبع كان من أبرز هذه الحضارات,الحضارة العربية ,لما تميزت به اللغة العربية ,من تعدد في الألفاظ ,التي تحمل معاني متفقة, ولما تميزت به أيضا من تناغم صوتي ,وإيقاع موسيقي, يأسر الوجدان ويحرك المشاعر . 2- نشأة الشعر العامي أما الشعر العامي, فقد كان نتاجا لتردي اللغة الفصحى, في عهد أبناء محمد علي والظروف القاسية والمؤلمة, التي عانى منها الشعب ,وصعوبة التعليم الجيد ,مما أدى إلى ندرة العارفين ,المتقنين للغة والأدب ,ولولا أن حفظ الله ,اللغة العربية في مصر, بالأزهر الشريف ,لكانت الطامة الكبرى . ولكن في بوادر النهضة الأدبية الكبرى ,التي حصلت في مصر ,بداية ب محمود سامي البارودي ,ومدرسته المحافظة ,والخطباء أمثال الشيخ محمد عبده ,وعبد الله النديم ,ومدارس التجديد والشعر الحر ,ومن تلاهم كأحمد شوقي ,وحافظ إبراهيم وحفني ناصف, تحسن الشعر العامي بشكل ملحوظ ,ولقى رواجا كبيرا بين فئات الشعب المصري والعربي ,حيث أنه كان أقرب إلى الأفهام ,ولكن ظلت الغلبة في جانب الشعر الفصيح ,وتطور هذا اللون من ألوان الشعر, إلى أن رأينا فيه شعراء مبرزين, لهم بصمة كبيرة في ذاكرة الشعب المصري ,أمثال عبدالرحمن الأبنودي -رحمه الله- وحكايات أبو زيد الهلالي ,والشاعر الكبير فاروق جويدة , وهشام الجخ وأشعاره الوطنية ,التي عاصرت أحداث 25 يناير . 3- نماذج الشعر الفصيح قديما وحديثا ومن أفضل النماذج ,للشعر الفصيح قديما , قول عنترة ابن شداد : وأغض طرفي ما بدت لي جارتي * حتى يواري جارتي مأواها إني امرؤ سمح الخليقة ماجد * لا أتبع النفس اللجوج هواها ذلك البيت الذي استحسنه, رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ,وبسببه تمنى لو لقي عنترة , وأيضا قول الصحابي الجليل, عبدالله بن رواحة : اللهم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صليا * فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا * إن الألى قد بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا ومن أفضل نماذجه, في العصر, الحديث نهج البردة لأحمد شوقي : ريم على القاع بين البان والعلم * أحل سفك دمي في الأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسد * يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم وأيضا قول حافظ إبراهيم : الأم مدرسة إذا أعددتها * أعددت شعبا طيب الأعراق الأم روض إن تعهده الحيا * بالري أورق أيما إيراق وما تميزت به هذه النماذج ,من دقة في التركيب ,وتناسق في الألفاظ والعبارات ,والنغم الموسيقي ,وجزالة الألفاظ وفصاحتها . 4- نماذج الشعر العامي وإذا أردنا أن نمثل لبعض أشعار العامية فإن أول ما يخطر بالبال قصائد الراحل الكبير عبدالرحمن الأبنودي ومن أفضل قصائده : خرج الشتا وهلِّت روايح الصيف والسجن دلوقتى يرد الكيف مانتيش غريبة يا بلدى ومانيش ضيف لو كان بتفهمى الأصول لتوقفى سير الشموس وتعطلى الفصول ونجد أيضا ,مثل هذه البساطة والمشاعر, عند الشاعر الكبير, فاروق جويدة ومن أفضل أشعاره : و تشدنا الأيام في وسط الزحام فنتوه بين الناس بالأمل الغريق و نسير نحمل جرحنا الدامي العميق و نظل نبحث في الزحام عن العهود الراحلة كالطير تبحث في الشتاء عن الصغار الليل و الألم الجريء و لوعة الشكوى و طول الانتظار وأيضا الشاعر المتميز, هشام الجخ ,ووطنياته الرائعة ,التي تدل على مشاعر جياشة ,من المحبة لأهله ووطنه ,ومن أفضل قصائده : لا كنا نعرف (ألف) ولا كنا نعرف (ب) ولا شفنا عمرنا نور غير لما قمرك جه وفضلتي رمز الأمان والناس مالقياش وطن وزرعتي قمح وغيطان وغلبتي كل المحن اقف انتباه يا زمان مصر الأبية أهي ولا كنا نعرف (ألف) ولا كنا نعرف (ب) 5- الخلاصة والخلاصة ,أن شعر الفصحى محبوب ومطلوب ,ولاغنى لنا عنه ,فهو الوصلة بيننا وبين تاريخ اللغة القديم ,بما فيه جزالة ورقة ,وعذوبة وقوة , أما شعر العامية ,عبارة عن تطور طبيعي ,لأي لغة قومية ,وهو أيضا مرغوب فيه ,لما فيه من بساطة وسرعة وصول إلى الأفهام ,ولكن لا يجب أن يطغى, الفصيح على العامي, ولا العامي على الفصيح ,وبعد أن أوردنا النماذج السابقة ,نجد أن الشعر العامي, لابأس به ,بل هو أكثر اتساعا للأغراض ,والماشعر والأحاسيس ,فلا داعي للتقليل من شأنه ,والنفور منه, بدعوة أنه هدم لتراثنا العريق, ولغتنا العظيمة .