الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
25 يناير
الأخبار
الأسبوع أونلاين
الأهالي
الأهرام الاقتصادي
الأهرام العربي
الأهرام المسائي
الأهرام اليومي
الأيام المصرية
البداية الجديدة
الإسماعيلية برس
البديل
البوابة
التحرير
التغيير
التغيير الإلكترونية
الجريدة
الجمعة
الجمهورية
الدستور الأصلي
الزمان المصري
الشروق الجديد
الشروق الرياضي
الشعب
الصباح
الصعيد أون لاين
الطبيب
العالم اليوم
الفجر
القاهرة
الكورة والملاعب
المراقب
المساء
المستقبل
المسائية
المشهد
المصدر
المصري اليوم
المصريون
الموجز
النهار
الواقع
الوادي
الوطن
الوفد
اليوم السابع
أخبار الأدب
أخبار الحوادث
أخبار الرياضة
أخبار الزمالك
أخبار السيارات
أخبار النهاردة
أخبار اليوم
أخبار مصر
أكتوبر
أموال الغد
أهرام سبورت
أهل مصر
آخر ساعة
إيجي برس
بص وطل
بوابة الأهرام
بوابة الحرية والعدالة
بوابة الشباب
بوابة أخبار اليوم
جود نيوز
روزاليوسف الأسبوعية
روزاليوسف اليومية
رياضة نت
ستاد الأهلي
شباب مصر
شبكة رصد الإخبارية
شمس الحرية
شموس
شوطها
صباح الخير
صدى البلد
صوت الأمة
صوت البلد
عقيدتي
في الجول
فيتو
كلمتنا
كورابيا
محيط
مصراوي
مجموعة البورصة المصرية
مصر الآن
مصر الجديدة
منصورة نيوز
ميدان البحيرة
نقطة ضوء
نهضة مصر
وكالة الأخبار العربية
وكالة أنباء أونا
ياللاكورة
موضوع
كاتب
منطقة
Masress
4 ديسمبر 2025.. الدولار يستقر في بداية تعاملات البنوك المحلية عند 47.63 جنيه للبيع
اسعار المكرونه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى محال المنيا
وزير الكهرباء يبحث مع «أميا باور» الإماراتية التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة
وزير التنمية المحلية: تنفيذ 57 حملة تفتيش ميدانية على 9 محافظات
تخصيص قطع أراضي لإنشاء وتوفيق أوضاع 3 مدارس
قادة البنتاجون يبررون للكونجرس أسباب الضربة المزدوجة في الكاريبي
المعرض الدولى الرابع للصناعات الدفاعية ( إيديكس - 2025 ) يواصل إستمرار فعالياته وإستقبال الزائرين
تركيا تدرس الاستثمار في حقول الغاز الأمريكية بعد سلسلة صفقات استيراد الغاز المسال
أجواء أوروبية تضرب مصر.. درجات الحرارة اليوم وأبرد المناطق على مدار اليوم
موعد صلاة الظهر..... مواقيت الصلاه اليوم الخميس 4ديسمبر 2025 فى المنيا
"القومي للمرأة" ينظم لقاءً بعنوان "قوتي في مشروعي.. لمناهضة العنف"
وزير الزراعة يدلي بصوته في جولة إعادة انتخابات مجلس النواب بدائرة الرمل
بوتين: محاولات الضغط الاقتصادى على الدول ذات السيادة تسبب مشاكل لأصحابها أنفسهم
وفد من مجلس الأمن يصل سوريا في أول زيارة من نوعها
يوم كروي ساخن.. مواجهات حاسمة في كأس العرب وختام مثير للجولة 14 بالدوري الإنجليزي
الحقيقة الكاملة حول واقعة وفاة لاعب الزهور| واتحاد السباحة يعلن تحمل المسئولية
مصر تقيم احتفالية كبرى لوزراء البيئة وممثلي 21 دولة من حوض البحر المتوسط
الداخلية تضبط شخصا يوزع أموالا بمحيط لجان انتخابية فى جرجا
محكمة جنح أول الإسماعيلية تؤجل نظر محاكمة والد المتهم بجريمة المنشار
اختفاء يتحوّل إلى مأساة فى أسيوط.. تفاصيل العثور على جثتين من أسرة واحدة
السيطرة على حريق مخزن فى حدائق الأهرام
طرح برومو ملوك أفريقيا استعدادًا لعرضه على الوثائقية الأربعاء المقبل
تحقيقات عاجلة بعد اعتداء على ممرضة في مستشفى الفيوم العام
الصحة: مباحثات مصرية عراقية لتعزيز التعاون في مبادرة الألف يوم الذهبية وتطوير الرعاية الأولية
سعر الذهب يتراجع 10جنيهات اليوم الخميس 4 ديسمبر.. وعيار 21 يسجل هذا الرقم
اليوم الثاني للتصويت بالبحيرة.. إقبال لافت من الناخبين منذ فتح اللجان
بيراميدز يخسر جهود زلاكة أمام بتروجت
استمرار الغلق الكلي لمحور 3 يوليو.. تعرف على البدائل
«الأعلى للأمناء»: منهج البرمجة والذكاء الاصطناعي يجهز جيل المستقبل
مانشستر يونايتد يستقبل وست هام في مباراة خارج التوقعات بالبريميرليج
فيدرا تدعم منى زكي بعد الانتقادات بسبب فيلم الست: ممثلة تقيلة وموهبتها تكبر مع كل دور
رمضان 2026| سوسن بدر تتعاقد علي «توابع »ل ريهام حجاج
الإدارية العليا تتلقى 159 طعنا على نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب
استشهاد 5 فلسطينيين وإصابة 32 آخرين في عدوان الاحتلال على خان يونس
في أول ظهور له.. رئيس سموحة الجديد يكشف خطته لإعادة هيكلة النادي وحل أزمات الديون والكرة
بوتين يعلن معارضته لبعض نقاط الخطة الأمريكية للحرب في أوكرانيا
محافظ الدقهلية ينعى الحاجة سبيلة صاحبة التبرع بثروتها لصندوق تحيا مصر
فيديو.. متحدث الوزراء: عملية تطوير القاهرة التاريخية شاملة ونراعي فيها المعايير العالمية
وزير العمل يستقبل مدير مكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة لبحث تفعيل التعاون في الملفات المشتركة
هل وجود الكلب داخل المنزل يمنع دخول الملائكة؟.. دار الإفتاء تجيب
حبس شبكة تستغل الأطفال في التسول بالقاهرة
كتيب عن المتحف المصرى الكبير.. طالب يلخص الحكاية فى 12 صفحة.. صور
المنيا.. حين تعود عاصمة الثقافة إلى مسرحها الأول
تعليم البحيرة تصدر تعليمات مشددة للتعامل مع الحالات المرضية المشتبه بها داخل المدارس
عبد الحميد معالي يهدد بفسخ تعاقده مع الزمالك
بعد إلغائه لغياب تقنية الVAR.. البدري ومصطفي في مواجهة حاسمة الليلة بنهائي كأس ليبيا على ستاد القاهرة
لو عندى نزلة برد أعمل إيه؟.. الصحة توضح خطوات التعامل والوقاية
اللهم إني أسألك عيش السعداء| دعاء الفجر
دولة التلاوة.. المتحدة والأوقاف
حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بمرض السرطان
أحمد حمدي يكتب: هيبة المعلم
جمال شعبان يُحذر: ارتفاع ضغط الدم السبب الرئيسي للفشل الكلوي في مصر!| فيديو
محمد رجاء: لم يعد الورد يعني بالضرورة الحب.. ولا الأبيض يدل على الحياة الجميلة
كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي
علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة
الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء
هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب
مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
مصر الشاعرة
البهاء زهير.. وهو يغنِّي!
000;
نشر في
الأهرام اليومي
يوم 26 - 05 - 2017
إذا كان موضوع هذه المقالات هو مصر الشاعرة فأول من يجسد لنا هذا المعني في الشعر المصري المنظوم باللغة العربية هو البهاء زهير الذي كانت تجربته في الحياة وفي الشعر واللغة تمثيلا لتجربة مصر وتجسيدا لها.
البهاء زهير ولد في أواخر القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي في مرحلة من تاريخ مصر وتاريخ المنطقة كانت حافلة بالأحداث.
قبل أن يولد البهاء زهير بسنوات قليلة سقطت الخلافة الفاطمية واستولي الأيوبيون علي السلطة في مصر التي تصدت وحدها للصليبيين واستطاعت مع صلاح الدين وخلفائه أن توقع بهم الهزائم وأن تستأصل شأفتهم، كما استطاعت بعد الأيوبيين أن تتصدي للمغول الذين اجتاحوا بغداد وقضوا علي الخلافة العباسية حتي هزمهم المماليك في عين جالوت بعد أن قضوا علي الأيوبيين وأسسوا دولتهم التي ورثت الخلافتين وحكمت مصر والشام والحجاز واليمن وأرمينيا.
في تلك المرحلة الغنية بالأحداث والتطورات كانت روح جديدة تنبعث في مصر التي تعربت وأسلمت وأصبحت سلطنة مستقلة. وفيها ولد البهاء زهير في الحجاز، لكنه هاجر إلي مصر في سن مبكرة ليعيش في الصعيد في مدينة قوص التي كانت في ذلك الوقت ملتقي ثقافيا مهما ومحطة في الطريق الذي يسلكه الحجاج المصريون والمغاربة إلي الأراضي المقدسة. وهكذا اتصلت تجربة البهاء زهير بتجربة مصر كلها. فمصر تتعرب، والبهاء زهير يتمصر.
فرعي الله عهد مصر وحيا
ما مضي لي بمصر من أوقاتِ
حّبذا النيل والمراكب فيه
مصعدات بنا ومنحدرات
هات زدني من الحديث عن النيل
ودعني من دجلة وفرات
ولياليَّ في الجزيرة والجيزة
فيما اشتهيت من لذاتِ
بين روض حكي ظهور الطواويس
وجو حكي بطون البزاةِ
ونديم كما نحب ظريفٍ
وعلي كل ما نحب مؤاتي
يا زماني الذي مضي يا زماني
لك مني تواتر الزفراتِ!
وسوف نري أن البهاء زهير لا يمثل مصر بما قاله من شعر تغني فيه بها وتحدث عن معالمها كما فعل في هذه الأبيات فحسب وكما يمكن لشاعر أن يفعل دون أن تربطه بمصر رابطة، وإنما يمثلها بروحها التي تجسدت فيه فأصبح يشعر كما تشعر مصر وينطق كما تنطق سواء وهو يتحدث عنها أو وهو يتحدث في أي موضوع آخر. ولهذا اخترته لأتحدث من خلاله عن شاعرية مصر العربية وأشرح معني العبارة التي جعلتها عنوانا ثابتا لهذه المقالات. مصر الشاعرة.
ما هو المعني الذي أقصده عندما أتحدث عن مصر الشاعرة؟
المعني الذي أقصده هو شخصية مصر في فن الشعر وهو المكان الذي تحتله في شعر اللغات التي نظم بها الشعراء المصريون وخاصة في شعر اللغة العربية التي أصبحت بعد الفتح العربي لغة وطنية في مصر يتكلمها المصريون ويعبرون بها عن أنفسهم شعرا ونثرا كما يفعل غيرهم من الناطقين بها سواء أصحابها الأصليون الذين حملوها إلينا أو غيرهم ممن تلقوها مثلنا وتعربوا كما تعربنا في الشام والعراق وبلاد المغرب والأندلس.
ما الذي تتميز به لغة المصريين العربية؟ وما الذي أضافته مصر للشعر العربي؟
لقد كان علي اللغة العربية أن تخوض في مصر معركة طويلة لتتوطن أى لتتمصر وتحل محل اللغات التي كان يتكلمها المصريون وتصبح لغة الادارة والثقافة والحياة دون شريك، وهي معركة طالت كما شرحت في المقالات السابقة واستمرت عدة قرون حتي ظهر في نهايتها أوائل المصريين الذين انضموا لغيرهم من كتاب العربية وشعرائها من أمثال الأسعد بن مماتى الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي السادس الهجري وكان كاتبا وشاعرا وجغرافيا. ولد لأسرة قبطية واعتنق الاسلام وشغل عدة مناصب في دولة صلاح الدين الأيوبي، وله ديوان شعر فضلا عن مؤلفات نثرية يتحدث في بعضها عن مصر وأراضيها ومساحاتها. أما أشهر مؤلفاته فكتاب سماه «الفاشوش في أحكام قراقوش». والفاشوش هو الضعيف المتهالك الذي لا قيمة له. أما قراقوش فاسم أطلقه المصريون علي وزير أيوبى أصبح عندهم رمزا للطغيان فجعلوه هدفا لسخريتهم ونكاتهم التي تعودوا أن ينتقموا بها من الحكام الطغاة.
وفي العصر الذي ظهر فيه ابن مماتي ظهر من الشعراء ابن مطروح، وابن النبيه، والبهاء زهير، وابن سناء الملك. أما النثر فأهم ما قدمه المصريون فيه هو السير والقصص الشعبية التي شارك في ابداعها عامة المصريين وأضافوا بها للأدب العربي فنا لم يعرفه من قبل، كما فعلوا في هذا العصر الحديث الذي ولدت فيه الرواية العربية ووصلت إلي قمة نضجها علي أيدي الكتاب المصريين. فإذا لم تكن مساهمة المصريين في الفنون القصصية والمسرحية محل تساؤل أو خلاف فالسؤال مطروح حول مساهمتهم في فن الشعر، وهم أول من يطرحونه علي أنفسهم كما نفعل في هذه المقالات.
..............
السؤال مطروح لأن القصيدة العربية ظهرت في موطنها الأول وتشكلت ونضجت هي ولغتها وازدهرت في دمشق وبغداد والبصرة وغيرها من عواصم الخلافة، وأصبحت تراثا باذخا قبل أن يتعرب المصريون وقبل أن يبدأوا مشاركتهم في ابداع الشعر العربي الذي تتلمذوا فيه بالضرورة علي من سبقوهم من الشعراء الجاهليين والاسلاميين الذين أصبح شعرهم نموذجا يقيس عليه الناقد أو القارئ ما يقرأه أو يسمعه. وهو سلوك مفهوم في ثقافة انتقلت من موطنها الأصلي إلي مواطن أخري متفرقة وارتبطت فيها اللغة بالدين وأصبحت مرجعا من مراجعه ومن هذا الارتباط كانت النزعة المحافظة التي حالت دون تطور القصيدة العربية وجعلت شعر المحدثين اعادة صياغة لشعر القدماء لا يستطيعون أن يضيفوا إليه من عندهم إلا بعض المحسنات الشكلية. فإذا كنا نستطيع أن نفهم هذا السلوك ونقدره فلكي نعرف سلبياته ونتحرر منه ونحن ننظر في الشعر المصري الذي نشأ في ظروف مختلفة عن الظروف التي نشأ فيها شعر الشام والعراق. البيئة غير البيئة، والعصر غير العصر، والميراث الثقافي غير الميراث.
وأنا أتكلم هنا عن شعر الفصحي التي نعرف أنها لغة واحدة في كل الأمصار والبلاد التي فتحها العرب. لكننا نعرف من ناحية أخري أن اللغة التي تكون واحدة عند اللغويين لا تكون كذلك عند الشعراء والأدباء أو يجب ألا تكون كذلك. لأن لغة الابداع ابداع يتأثر فيه المبدع بما يحيط به، وبما يجده في ذاته، وبما يكتشفه بقدراته التي لا يملكها سواه ويضيفه إلي ما هو ملكية مشتركة من العناصر اللغوية والأدوات والخبرات التي يتلقاها من غيره ويصنع من هذا كله قصيدته التي يجتهد في أن تكون معبرة عن شخصيته التي شكلتها بيئته وظروفه وثقافته التي تلهم غيره كما تلهمه وتجعل شعر الجاهليين علي سبيل المثال قصيدة تكاد تكون واحدة يلتزم فيها الجميع شكلا واحدا ويستخدمون رموزا مشتركة وإن اختلفت لهجة كل منهم عن لهجات الآخرين. ونحن نري أن هذه الخصوصية ليست مقصورة علي الشعر في بيئة أو في عصر دون غيره وإنما هي متحققة في شعر كل بيئة وكل عصر. وعلي أساسها نتحدث عن شعر المصريين فنقول أنه مختلف عن شعر الشوام وعن شعر العراقيين وغيرهم رغم أن المعجم والنحو والتراكيب والأوزان واحدة كلها.
..............
هذه القضية، قضية البحث عن خصوصية الشعر المصري المنظوم بالعربية شغلت الكثيرين ولاتزال تشغلهم حتي الآن. لأن شخصية مصر تشغل الكثيرين الذين يتحدثون عن عبقريتها المكانية والزمانية وعن حضارتها وثقافتها وأدبها وفنها. وباستطاعة القارئ أن يراجع ما كتبه العقاد في هذه القضية في كتابيه «ساعات بين الكتب»، و«شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي»، وما كتبه أمين الخولي في محاضراته عن الأدب المصري، ومحمد كامل حسين في عدد من مؤلفاته، وأحمد سيد محمد في «الشخصية المصرية في الأدبين الفاطمي والأيوبي».
ولقد استند الكثيرون في تصورهم للشخصية المصرية علي البيئة الجغرافية وعلي الأحداث التاريخية التي تتأثر بها الشخصية القومية دون شك، لكني أستند في تصوري للشخصية المصرية علي اللغة قبل أي شيء آخر. لأن اللغة القومية ولغة الأدب والشعر بالذات ليست مجرد مفردات كما أشرت من قبل، ولكنها ثقافة جامعة. أحداث وتجارب وخبرات متراكمة، وحافظة تختزن ما اجتمعت عليه الأمة واتفقت علي حفظه وتذكره والرجوع إليه. وبهذا نستطيع أن نقول إن الأمة تتمثل في لغتها التي تجسد روحها وتعبر عن عبقريتها. والخطأ الفاحش الذي يقع فيه البعض هو أنهم يتخذون الشعر في بعض البلاد وبعض العصور نموذجا يقيسون عليه الشعر المصري فيجدونه مختلفا وبهذا لا يعطونه حقه لأنهم لا يجدون فيه البحتري وأبا تمام.
إذا أردنا أن نقرأ الشعر المصري وأن نعرفه ونقدره حق قدره فعلينا أن نسلم قبل كل شيء بخصوصيته واستقلاله وألا نشرك معه شعرا آخر يحول بيننا وبين اكتشافه وتذوقه. وقد بدأت هذه القراءة في مقالة الشهر الماضي التي تحدثت فيها عن لغته وعن حوار العامية والفصحي فيها، وهذه مسألة أتمني أن تفهم فهما صحيحا. فأنا لم أتحدث عن لغة هجين أو لغة اختلطت فيها الأدوات، وإنما قصدت بالعامية والفصحي روح الشعب من ناحية وثقافة النخبة من ناحية أخري. فالشعر المصري هو شعر المصريين حين يعبر المصريون عن أنفسهم باللغة الفصحي وحين تتمصر الفصحي وتتحرر مما تختزنه في خلاياها من بيئتها الأولي وتنطق بلسان المصريين وتعبر عن ذكائهم وبساطتهم وحبهم للحياة وقدرتهم علي الجمع في لمحة واحدة بين الجد والهزل وبين الضحك والبكاء.
فإذا كان لنا بعد هذا الحديث عن اللغة والشخصية القومية وعن شعر مصر وشاعريتها إذا كان لنا أن ننظر في ديوان البهاء زهير فماذا نجد؟
نحن نجد في الديوان قصيدتين ونجد لغتين: الأولي هي تلك القصائد التي يمدح فيها بعض رجال عصره ويستخدم فيها لغة لا عيب فيها إلا أنها لغة قديمة تقليدية طالما طالعناها وحفظناها وعرفنا ما فيها قبل أن نقرأها. فالممدوح بحر في الجود، وأسد في الهيجاء، وهو شمس ساطعة وقمر منير.. إلي آخره. أما القصيدة الأخري فهي قصيدة البهاء زهير حقا وصدقا، لأنها القصيدة التي يغني فيها لنفسه، يحب فيها ويكره، ويطرب ويشرب، ويحلم ويحن، ويتمني ويتذكر، ويهجو ويسخر، ويستخدم في ذلك كله لغته هو لا لغة غيره. لغة حية مأنوسة مألوفة نعرفها لكننا مع ذلك نفاجأ بها، لأنها اللغة التي نتكلمها ونتواصل بها، لكننا لم نتعود أن نقرأها في الشعر. وها نحن نقرأها فنجدها حية صادقة صريحة وفصيحة تكشف عن نفس الشاعر كما تكشف لنا عن نفوسنا.
ومن حسن الطالع أن تكون هذه القصيدة هي الغالبة في ديوان البهاء زهير الذي كان في ديوانه شاعرا مغنيا أكثر بكثير مما كان شاعرا مداحا. ولأنه كان شاعرا مغنيا ظل شاعرا إلي اليوم، لأن المشاعر والأحاسيس التي تغني بها قبل ثمانية قرون هي المشاعر والأحاسيس التي يتغني بها الشعراء اليوم وسوف يتغنون بها غدا وبعد غد.
أروح ولي في نشوة الحب هِزةٌ
ولست أبالي أن يقال طروبُ
محب خليع عاشق متهتك
يلذ لقلبي كل ذا ويطيبُ
خلعت عذاري، بل لبست خلاعتي
وصرحت حتي لا يقال مريبُ
وفي لي من أهوي وأنعم بالرضا
يموت بغيظ عاذلٌ ورقيبُ!
ويقول في شخص متطفل:
وأحمق قد شقيت به
بلا عقل ولا أدبِ
فلا ينفك يتبعنى
وإن أمعنت في الهربِ
كأني قد قتلت له
قتيلا فهو في طلبي!
ويقول في منقبة متصابية:
كم ذا التصاغر والتصابي
غالطت نفسك في الحسابِ
لم يبق فيك بقية
إلا التعلل بالخضاب
لا أقتضيك مودة
رفع الخراج عن الخراب
ولقد رأيتك في النقاب
وذاك عنوان الكتاب
وسألت عما تحته
قالوا عظام في جراب
ويقول في الأشرار الذين يتسترون وراء اللحي:
وأحمق ذي لحية
كثيرة منتشرة
طلبت فيها وجهه
بشدة فلم أره!
ويقول في السر الذي ذاع:
سمع الناس وقلنا
وافتضحنا واسترحنا
بت والبدر نديمي
ففعلنا وتركنا!
ويقول في وداع حبيبته:
جاءت تودعني والدمع يغلبها
يوم الرحيل وحادي البين منصلت
وأقبلت وهي في خوف وفي دهشي
مثل الغزال من الأشراك ينفلت
وقفت أبكي وراحت وهي باكية
تسير عني قليلا ثم تلتفت!
هكذا استطاع البهاء زهير أن «يجعل لغة الحياة الجارية فى بساطتها ومرونتها لغة للشعر» كما يقول مصطفى عبدالزازق فى كتابه البديع عن هذا الشاعر المبدع.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
مصر الشاعرة
لغة مصر الفصحى
الفصحى.. كيف ازدهرت؟ وكيف فسدت؟
مصر الشاعرة
حوار الفصحى والعامية
مصر والشعر
الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي: نظام «عبدالناصر» غير إنساني
أبلغ عن إشهار غير لائق