في هذا الواقع الفلسطيني المر مرارة الحنظل ، والحنظل كلما زاد مائه زاد مراره ، يجب إعادة قراء التاريخ قراءة موضوعية نقدية ، وبعيدا عن أي قراءة انتقائية أو مغرضة ، وعلى قاعدة من له فليزاد ومن عليه فليؤخذ منه ، لأن الحاضر ابن الماضي. ونحن لا نستطيع وليس من عقد الممكن ان نراهن على ما سوف يخرج لاحقا ، لأن الحاضر صورة المستقبل ، والفصائل كلها مسئولة بشكل مباشر أو غير مباشر ، وبدرجات مختلفة عن كل ما لحق بالقضية من نكبات بالفعل أو بالامتناع عن الفعل ، لأن الفصيل يمكن أن يكون مخطئا بالفعل إذا فعل فعل يؤدي إلى الخطأ ، ويمكن يكون مخطئا بعدم الفعل إذا امتنع عن القيام بفعل يمنع وقوع الخطأ ، وكذلك المثقفون والإعلاميون الذين كانوا يصدرون الخطأ ، ويزيفون وعي الناس ، ويشوهون أحاسيسهم ، والخطأ أهون من قتل الإحساس بالخطأ ، والخطأ أهون من تسويغ الخطأ ، والموضوع اكبر من مجرد خطأ ، والخطأ لا يمكن أن يستمر خطأ ، ولكنه قد يتحول إلى خطيئة ، وخاصة إذا استمرت الفصائل في الخطأ ولم تعترف بالخطأ ، وهي لن تعترف لأنها لا تمتلك ثقافة إمكانية الاعتراف بخطأ الذات . ولذلك وبناء على ذلك ، ولأن فلسطين كل وكل ما هو كل يجب أن يكون للكل ، والفصائل جزء ولا يجوز للجزء ان يقرر نيابة عن الكل ، ولكن ولأن فلسطين كل والكل يتضمن كل أجزائه ، ولأن الفصائل أجزاء والأجزاء متضمنة في الكل ، ولذلك يجب ان يكون القرار قرار فلسطين ، وليس قرار الفصائل . خاصة وان فلسطين هي إلام والفصيل هو البنت ، والبنت لا تلد أمها ، ولكن الأم هي التي تلد ابنتها . ولذلك ومن خلال قراءة موضوعية تتطابق معرفيا مع تاريخ الفصائل يمكن القول وبدون الخوف من الوقوع في الخطأ ان فلسطين اكبر من فكر وفعل الفصائل ، ومن الظلم التاريخي ان يظل القرار الفلسطيني محصور في ثنائية ضيقة ، ثنائية فتح وحماس ، أو في يد قيادات فصائل فئوية تفكر في بطنها وليس في رأسها ، بدافع المصلحة الشخصية والفئوية ، والمصلحة هي الصخرة التي تتفتت عليها كل القيم الوطنية والإنسانية ، وبدافع الولاء الوظيفي للمال السياسي . ولذلك ونحن في هذا الواقع المر نقع بين سلطة حاكمين مستبدين الفساد والانقسام ، والفساد مطلوب وطنيا وعربيا ودوليا ، لأن الفساد انحلال والانحلال لا يقاوم الاحتلال ، والانقسام مطلوب وطنيا وعربيا ودوليا ، لأن الانقسام الاجتماعي في الحالة الفلسطينية ليس انقسام عمودي يقوم على أساس الهوية التي ورثها الناس عن إبائهم ، ولا إرادة لهم فيها كالطائفة والمذهب والعرق والدين ، ولكنه انقسام اجتماعي أفقي يقوم على أساس الهويات التي يكتسبها الناس باختيارهم في الانتماء إلى حزب أو فصيل أو إيديولوجيا أو حرفه . ولذلك يمكن القول وبدون الخوف من الوقوع في الخطأ ان الانقسام خيار فلسطيني وعربي ودولي ، لأن الانقسام انحلال والانحلال لا يقاوم الاحتلال . ولذلك وبعد كل ما جرى ويجري ، وبعد ان دخلت الفصائل في اختبار أمام الوطن والتاريخ ، في الثورة والمقاومة ، والعلاقات الوطنية والقومية والإقليمية والدولية ، والسياسية والدبلوماسية والمفاوضات ، والسلطة والمعارضة ، وسقطت في الاختبار ولم تعترف ، لأن قيادة الفصائل وكما تعتقد لم تكن تدين للشعب في وجودها في القيادة ، وإنما كانت تدين إلى الفرصة ( النكبة ) التي أتاحت لها مادة استطاعت تصويرها على الشكل الذي رأته مناسبا , وأنه لو لم تكن هذه الفرصة ( النكبة ) لضاعت مواهبها , وأنه لو لم تكن لها هذه المواهب في القيادة لمرت هذه الفرصة دون أن تنتهزها . ولكن سبعون عاما من الغياب ، لماذا لا تكون وقتا كافيا من الزمن لقراءة الحضور في الغياب ، الغياب في صنع القرار، والغياب في صنع المستقبل ، والغياب في اختيار القيادة ، إن اكبر جريمة يمكن أن يرتكبها أي شعب هي إساءة اختيار قيادته وعدم محاسبة قيادته ، ونحن لم نختار ولم نحاسب ، ورضينا أن نموت حتى نلقن هذه القيادة درسا في الأخلاق والوطنية ، كما فعل سقراط الذي تجرع السم راضيا حتى يلقن أثينا درسا في الأخلاق والحكمة ، ولكن لا أثينا استوعبت درس سقراط في الأخلاق والحكمة ، ولا القيادة الفلسطينية استوعبت درس الشعب الفلسطيني في الأخلاق والوطنية ، والان وبعد ان وصلنا إلى ما وصلنا من اعتراف بحق الكيان الصهيوني في الوجود على 78 % من مساحة فلسطين ، وتنسيق امني ، واستيطان وجدار ، وانقسام وحصار ، ومفاوضات مع الآخر غير الوطني المنفصل عنا والمتصل فينا بحكم الاحتلال الاستيطاني وأوسلو ، وحوار مع الآخر الوطني المتصل فينا والمنفصل عنا بحكم الانقسام ، وبعد هذه الهزائم التي ترجع إلى القيادة والتطبيق ، ماذا عسى القيادات الفلسطينية ان تقول إذا كان كل الشعب من حولها يقول انه لا يمكن بناء حقائق جغرافية ( وحدة وطنية ودولة وطنية ) من هزائم تاريخية . وان الوطن هو الشيء الوحيد الذي يسمح لكل مواطنيه بان يمتلكوه في نفس الوقت . ولذلك وعلي ذلك صاغ نفر من المثقفين مشروع تشكيل وفد فلسطيني ، والمثقف هنا تعني الإنسان ، لأن الثقافة روح الحقيقة التي تعبر عن شمولية الحياة الاجتماعية للإنسان ، وتفاعل الإنسان مع بيئته الطبيعية ، ومجاله الطبيعي ، وهكذا يمكن القول ان كل إنسان مثقف ، لأن كل إنسان يمتلك رؤية وفلسفة خاصة ، ولأن الثقافة شيء قائم في طبيعة الإنسان ، ولأن الإنسان يتميز بقدرته على إنتاج ثقافة ، ولكن ليس كل إنسان مثقف يمتلك وظيفة المثقف العضوي ، لأن المثقف العضوي كالمرآة التي تعكس تفاصيل الأمور بسلبياتها وايجابياتها ، ولأن المثقف العضوي يمارس دورا حيويا في تكوين الأيديولوجيات ، وبناء التماسك الاجتماعي ، ولذلك يحدث التناقض بين المثقف العضوي والسلطة التي تعتمد الكذب والتزوير في الفكرة أو في التعبير عن الفكرة ، بين ثقافة سياسية تدفع الناس نحو التحرك والانطلاق والسعي إلى الثورة ، وثقافة سياسية تشد الناس نحو الأرض ، وتكرس فيهم روح التبعية والتراجع ، وثقافة اجتماعية تدعوا إلى الاتجاه نحو تحكيم القيم ، وثقافة اجتماعية تشد الناس نحو السلبية والتفكك والانعزال وزرع الهزيمة في النفوس ، ولأن أي عمل عضوي يحتاج إلى تفكير وأي عمل ذهني يحتاج إلى جهد عضلي ، لذلك يجب أن لا يكون السؤال من هو المثقف ، ولكن ما هو تعريف المثقف ، وأن لا تكون المشكلة في كمية ما يمتلك الإنسان من المعرفة ، ولكن في طريقة تفكير الإنسان ، لأن الإنسان الذي لا يرتبط بقضايا وطنه ولا يتحسس هموم شعبه ، والإنسان الذي لا تكون همته اكبر من همه لا يمكن أن يكون مثقف ، والهدف من تشكيل الوفد هو فتح الأفاق لتشكيل وفد فلسطيني واحد موحد في بنيته ومواقفه ومرجعيته ، وفد واحد أي وفد يجمع كل فئات الشعب الفلسطيني السياسية والاجتماعية ، ووفد موحد بمعنى الاتفاق على برنامج موحد ، ووفد واحد موحد برفض المحاصصة والفئوية ، ويسقط كل حجج الانقسام ، والتدخلات الإقليمية والدولية . وفد واحد وموحد يشارك في رسم سياسة الوطن ، ومستقبل الوطن ، وحق المواطن في المقاومة ، والوحدة الوطنية ، والعيش الكريم ، والكهرباء والماء والتعليم والضمان الاجتماعي ، وحرية السفر، واستئصال الفساد السياسي والمالي والإداري من كافة المؤسسات ، وإعادة تسكين الموظفين حسب المؤهل والخبرة ، وليس على قاعدة قرد موالف ولا غزال مخالف ، وإعادة النظر في كل القرارات الرئاسية والتشريعية والوزارية ، وخاصة القرارات التي صدرت تحت مسمى قرار بقانون . ولكن يجب ان لا نراهن على المسئولين ، لأن المسئولين لن يتحمسوا كثيرا لتنفيذ عملية الإصلاح الثوري التي وعدوا بها رغم التصريحات العالية النبرة في وسائل الإعلام . لأن الإصلاح الثوري يتناقض مع مصالحهم الشخصية والفئوية ، ولأنه لا بوجد سلطة في التاريخ يمكن ان تستجيب لأي مطلب شعبي إلا تحت ضغط الشارع ، ومن هنا نقول انه يجب على الشارع ان يتدخل حتى لا يبقى الإصلاح الثوري ، والوحدة الوطنية ، والمقاومة والتحرير والعودة ، وحماية القدس والمقدسات حبرا على ورق . ولا وقت للوقت ، وان كنا اليوم نملك بعض غدنا ، يجب العمل بسرعة حتى لا يأتي يوم لا نملك فيه بعض غدنا . لأن معنى ان نكون أحياء هو ان نغير باستمرار كل ما نحن عليه ، وأن نستولد أفكارنا وأفعالنا من وحدة الأزمة ، لأن وحدة الأزمة يجب ان تكون هي المحرر النهائي للإنسان . والإنسان كائن حي في داخله كل التناقضات وخاصة النجاح والفشل ، وكل ما يجب على الإنسان فعله هو ان يخلق نقيض الشيء من نفس الشيء ، نقيض الفشل من الفشل ، ونقيض الانقسام من الانقسام ، ونقيض الاستبداد من الاستبداد ، ونقيض التخلف في الوعي من التخلف في الوعي ، ونقيض الهزيمة من الهزيمة .