عندما قرّر رئيس البرلمان والمولود من رحم الأغلبية ذات التوجُه الإخواني والسلفي فتح قناة فضائية تُخصص للبث المباشر لجلسات المجلس .. وجب علينا وضع علامه استفهام .. وعندما قرّر نفسه منع البث في الجلسه الطارئة المُخصّصة لتداعيات بورسعيد الكروية بينما عارضت الأغلبية قراره وبُثّت الجلسة علي الهواء مباشرة وجب وضع علامة إستفهام أخري كذلك .. الإستفهام الأول مضمونه مدي تأثر الأداء البرلماني بالمواءمات خارج المجلس علي الجهتين سواء كانت شعبية صامتة أو ثورية صارخة .. والإستفهام الثاني عن نتائج بث الجلسة المباشر علي ذات الجهتين بما يؤكد او ينفي نتائج الاستفهام الأول .. كان هذا هو المُفتتح واليك قارئي التحليل لكلا الاستفهامين : التساؤل الاول وهو مدي تاثر الاداء البرلماني بالمواءمات الشعبية والثورية ؟ ان الاجابه علي هذا التساؤل يتطلب منا دراسه السوابق البرلمانية العالمية في محل جعل قناة بث مباشر وبدون منتاج يراعي دواعي الأمن القومي أو حتى الأمن الشخصي لاعضاء البرلمان أنفسهم .. لاتُوجد دولة ياسادة في كل أنحاء العالم وقد خصصت لبرلمانها قناة بث مباشر وذلك لاعتبارات عديدة أهمها : ان البرلمان هو مستودع أسرار الدولة وقضاياها والذي تُناقش فيه بما له من اختصاصات التشريع والرقابة علي كل ما يدور بأروقة صناعة القرار السياسي ومردوده علي الدولة ككيان سواء كانت هذه المناقشات تمُس اتفاقيات دولية أو معاهدات مُبرمة قد تتأثر بانشائها أو الغائها علاقة الدولة بالاستراتيجيات الخارجية : كما وان المجلس يُعدُ ترمومترا استبيانياً لتوجه الشارع ومشاكله وقضاياه بما يكون من شأن بث جلساته علي الهواء مباشرة أكبر خطيئة وخطر يهددان أمن البلاد وتسهيل مهمه أعمال المخابرات العدائية للدولة وشئونها.. كما من شأن هذا البث ان يجعل النائب ضحية لأرائه في ظل وجود توجهات سياسية عديدة منها ما تتخذ من العنف وسيلة لفرض رؤاها بما يجعل النائب يخضع لاعتبارات الشارع وهو في محل الادلاء بدلوه في القضية محل المناقشة خاصة والجلسة يتم بثها علي الهواء مباشرة ومن ثم تكون اعتبارات الأمن الذاتي للعضو وحمايه نفسه من ردود الفعل الشعبيه علي دوره البرلماني مُقدمة لديه في الأولويه علي الاعتبارات البرلمانية ذاتها وما تتطلبه دراسة القضايا محل المناقشة من جُرأة في الرأي دونما خوف أو وجل بما يصب في المصلحة البرلمانية في الأساس .. ان مسألة البث الحي لجلسات البرلمان هي من أصول ادارة الجلسات ويجب الّا يأخد رأي الأعضاء بخصوصها فهي مُرتبطة بقرار رئيس الجلسة كي تخضع الاذاعة لاعتبارات الادارة المسئول هو عنها بالأساس بما يجعله يُقرر في الغالب اذاعة تسجيل الجلسات بما يمكن معه من عمل المنتاج لها حفاظا علي صورة المجلس من دواعي الاختلافات والاشتباكات الداخلية بين الأعضاء والوارد حدوثها بالتبعية لاختلاف أرائهم والتي قد تصل في أحيان كثيرة حُدود التعديات اللفظية وبما يُحافظ علي وقار العمل البرلماني وعراقته وأصول ادائه في ضمير الأُمّة كما ومن شأن ذلك المُحافظة علي صورة المُمارسة السياسية والبرلمانية الوطنية أمام العالم أجمع بل والمصلحة الكُبري من ذلك تكمُن فى المحافظة علي أسرار الأمن القومي للبلاد والتي قد تكون محلاً لتلك المُناقشات .. ان من شأن اذاعة الجلسات علي الهواء مباشرة أن يجعل النائب يخاطب ناخبه بالأساس بما يجعله يتماشي مع انفعالات الشارع أحيانا وهو في محل دراسة موضوعية وبرلمانية لقضية ما تتطلب تنحية العواطف ومؤثرات الشارع والناخبين جانباً واعلاء مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات .. كما ومن شأنه أن يجعل النائب خائفاً من رد فعل الشارع وناخبيه ومُعارضيه عن كل كلمة يتفوه بها بما يشل من قدراته وصحيح ممارسته البرلمانيه بل ومن أدوات دراسة القضية البرلمانية محل المناقشة لديه .. وهذه النتائج تجعلنا نُجيب علي السؤال الثاني وهو عن نتائج بث الجلسة الطارئة للبرلمان لمناقشة تداعيات أحداث بورسعيد ومدى تطابق ما توصلنا اليه من نتائج ونحن بصدد الاجابة علي التساؤل الأول للاجابة علي هذا السؤال الأخير علينا قراءة أحداث تلك الجلسة تحديداً قراءة جيدة وكذا نتائج الأداء البرلماني للأعضاء فيها وعلانية الجلسة علي الشارع وأحداثه التالية لتلك الجلسة .. افتتح رئيس المجلس الجلسه بطلب عدم البث المباشر والاكتفاء باذاعة تسجيل لها وقد كان في نظري رجل دولة بالمعني الدقيق للكلمة لكونه قد أراد عدم تأثر الشارع بحماسة الأعضاء والتي قد تصل الي حد التهييج للجماهير وما قد يترتب عليها من عواقب كارثية وهم نوابهم وممثليهم .. وكذا عدم تأثر الأعضاء أنفسهم بهذا البث الحي بوضع اعتبارات الشارع وارضاء المواطنين وعواطفهم في الأولويه عن مصلحة الوطن بالأساس .. ومع الأسف عرض رئيس المجلس الأمر علي الأعضاء بأخذ الرأي وبالطبع كان رأي الأغلبية هو المُنفّذ بعلانية الجلسة والبث الحي لها .. وفي نظري ان رئيس المجلس قد ارتكب خطأً مُريعاً أن طرح الأمر لرأي الأعضاء رغم أن هذا من صميم أعمال الادارة له المسئول هو عنها بالأساس .. الأمر الذي جعل الأعضاء يتبارون في اظهار تعاطفهم متجاوزين الحد مع الاتجاهات الشعبية والمواءمات السياسيه والتي تقدّمت لديهم علي اعتبارات الصالح العام .. راح الأعضاء يُزايدون كحال الشارع تماماً علي دماء الشهداء وطعنا في أعمال الداخلية ووزيرها والذي ظل قابعاً بمقعده لا ينبث ببنت شفة وبجواره رئيس الحكومه واللذن قد صارا كبش فداء للأحداث الكرويه لتنتحر الداخلية والحكومة ذاتها امام العامة والخاصة وعلي الهواء مباشرة .. تجرّأ الكُل علي الداخلية بعد هذا المشهد وتجرّأ الكُل علي الحكومة والمنشأت العامة وصارت وطنية الشباب يتم اثباتها لديهم لا كما أثبتها النواب بالاعتداء اللفظي علي الوزير ورئيس الحكومة بل تجاوزها لديهم بالاعتداء المادى.. هاج الشارع يا سادة وقفذ عدد الشهداء من بضع وسبعين شهيداً الي ما يُجاوز المئة بينما الجرحى فقد صاروا بالألاف.. هذا ما جناه البرلمان من بث الجلسة علي الهواء مباشرة وهذا ما قد خشيه رئيس المجلس ولم يستطع درء مخاوفه بمنعه أمام اصرار النواب .. ان ما قام به المجلس ياسادة في جلسته الطارئه لجوار تأكيده علي صحة تحليلي السابق بصدد الاجابة علي التساؤل الأول كان من شانه كذلك تحريض الشارع ضمنياً وبلا عمد منه علي كل هذا التدمير للمنشأت العامة وزيادة أعداد القتلي والجرحي بما وقد فتح المجال معه للبلطجية أن يجدوا مناخاً يُمارسون فيه أعمالهم وهواياتهم التدميرية وباسم الثورة والثوار .. لقد رأيت أحد الأعضاء يتباري مفتخراً بعد انتهاء الجلسة مع نظرائه بأنه ذاهبٌ الي ميدان التحرير لينضم الي الثوار ومطالبهم وقد سقط في معتقدي كعضو برلماني اذ كيف لعضو البرلمان أن يُمارس تحريضاً ميدانياً خارج أروقة البرلمان وهو المفترض بيته الذى خصّصه له الشعب ليُمارس فيه دوره التشريعي والرقابي .. الأمر الذي يدفعني لمُطالبة رئيس المجلس باحالة ذلك العضو ومن هُم علي شاكلته الي التأديب والمُساءلة لخروجه عن الأداب البرلمانية المرعية التي يلتزم بها الأعضاء .. ان ما قام به الأعضاء يا سادة بل وما قام به أحد الأعضاء المُمثلين لحزب الأغلبية بطلب محاكمة وزير الداخلية في نظري ليس الا مُداعبة للرأي العام وللشارع الثائر المُتابع للجلسة بالبث المباشر من قبل أن يكون مسأله برلمانية حقيقية .. حيث قد قدم سنداً لطلبه قانون محاسبة الوزراء رقم 247 لسنه 1956 والذي تم الغاؤه بالقانون رقم 79 لسنه 1958 والذي تم الغاؤه بدوره بانفصال الوحدة بين مصر وسوريا .. المُهم أن كل ما دار بالجلسة قد داعب عواطف العامة وقد جعل من اعتبارات الاذاعة الحيّة الأولوية عن المعالجة الحقيقية للمشكلة الأمنية وكنت أتمني أن يمنح وزير الداخلية وقتاً لابداء رأيه في الأحداث وأسبابها ورؤيته في فرض حلول أمنية جذرية للفوضي العامة والعارمة التي باتت تُهدد الوطن وجموع المواطنين ونزع فتيل الخوف لدي رجال الشرطة وهم في محل مواجهتهم مع المجرمين والبلطجية لا أن نزيد في ارتعاش أياديهم بالتخوين تارة والتخويف بالمحاكمات والمساءلات تارة أُخري.. ان حل مشكلة الأمن يا سادة هي بتقوية ذراع الأمن وطمأنته بعدم المغالاة في تخويفه بالمُساءلة لأنه يتعامل مع فئة تخرج عن أُطُر التعامل القانوني والأخلاقي وقد لامسنا هذا في الأونة الأخيرة لا أن نُقوّض أداءه بتهديده كل ساعة والاساءة اليه لكون هذا يُثنيه عن أداء دوره اما خوفاً من المسئولية المُغالي فيها من جمعيات حقوق الانسان والذين قدّموا حُقوق المجرمين علي حقوق الوطن والمواطنين الأمنين .. واما خوفاً علي أنفسهم وهم لايستطيعون حماية أمنهم الشخصي خاصةً وقد رأوا من هو علي قمة وزارتهم وقد صار محلاً للاتهام والإذلال .. الأمر الذي يجعلني أقولها وبحق أن إذاعة جلسات البرلمان من شأنه تحريض الأعضاء الضمني للشارع باعتبارات الشارع وكذا تحريض الشارع نفسه للأعضاء باعتبارات الأعضاء ومواءماتهم حين أدائهم أعمالهم بل وفي المجمل عرقلة الأداء البرلماني بما يمُس بالأساس وبالسلب مصلحة أمن البلاد القومي ..