مضحكات مبكيات من زمن الثورات بقلم عزالدين القوطالي يحكى أن رجلا ملتحيا قرّر التنقّل الى أحد الأحياء البعيدة ولم يكن لديه في جيبه فلسا واحدا ، فأستقل سيارة تاكسي وحينما وصل الى المكان المعلوم فتح أبواب السيارة وأطلق رجليه للريح ، ولمّا رآه سائق السيارة يركض ترك سيارته وركض خلفه ... كان الرجل الملتحي يعتقد أنّ سائق السيارة يركض خلفه من أجل أجرته ، وكان سائق السيارة يعتقد أنّ الرجل إرهابيّ وضع قنبلة بالسيارة ولاذ بالفرار ... تفرّ الأحزاب من بعضها البعض وترتجف خوفا من الإلتقاء ، لأنها تعتقد أنّ الفرار هو خير وسيلة للبقاء ، خصوصا إذا كان كلّ حزب يرى في غيره غولا يهدّد وجوده في الصيف والخريف والشتاء ، ويُنذر بتفتيت قوّته المزعومة وتقسيم وحدته الى أجزاء ... وربما كان الوضع في بلادنا مضحكا الى هذا الحدّ في علاقة بالأحزاب التي لا تحصى ولا تعدّ ، إذ كلّها تتحسّب من بعضها وتخشى بعضها بناءا على معطيات خاطئة حول تقييم القوّة والضعف والحجم الحقيقي لكلّ حزب في هذا الصدد ... أحزاب هلاميّة محاطة بالتكتّم والسريّة ، نُسِجت حولها الكثير من الحكايات الأسطوريّة ، حتى بات الناس يعتقدون أنها أحزاب ضخمة أبيّة ، وهي في الحقيقة والواقع مجرّد بيوت من قشّ يسكنها خفافيش الظلام وبعض من الحراميّة ، فإذا هبّت الرّيح العتيّة تطاير القشّ في السماء وأصبح البيت عاريا بدون سقف يحمي سكّانه من الضربة الشمسيّة ... وأحزاب كالكلاب تسمع نباحها فتظنّ أنّه من الصّعب إقتحام بيوتها من الشبابيك أو الأبواب ، فإذا رميت لها بعظمٍ تمايلت الأذناب وأنقطع النّباح وأصبحت العمارة كلّها بدون حارس ولا بوّاب ... وأحزاب تبشّر بالتقدّم والإقلاع وتدّعي التفوّق والإشعاع ، وتعد الجائعين بالإشباع والإرضاع ، ومن كثرة وعودها أصيب الناس بالصّداع ... ولكنها في الأصل أحزاب حثالة ورعاع ، تعوّدت على العيش في أسفل السافلين من القاع مستعينة بقناع مخيف وبعض أساليب المناورة والخداع ... وصدق الشاعر أحمد مطر حينما قال : أكثَرُ الأشياءِِ في بَلدَتِنا الأحزابُ والفَقْرُ وحالاتُ الطّلاقِ . عِندَنا عشرَةُ أحزابٍ ونِصفُ الحِزبِ في كُلِّ زُقاقِ ! كُلُّها يسعى إلى نبْذِ الشِّقاقِ ! كُلّها يَنشَقُّ في السّاعةِ شَقّينِ ويَنشَقُّ على الشَّقّينِ شَقَّانِ وَيَنشقّانِ عن شَقّيهِما .. من أجلِ تحقيقِ الوِفاقِ ! جَمَراتٌ تَتهاوى شَرَراً والبَرْدُ باقِ ثُمّ لا يبقى لها إلاّ رمادُ ا لإ حتِر ا قِ ! لَمْ يَعُدْ عندي رَفيقٌ رَغْمَ أنَّ البلدَةَ اكتَظّتْ بآلافِ الرّفاقِ ...