رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد التعليمي هو منهج متكامل يسهم في ترسيخ ثقافة التميز    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    الإسكان تعلن تخصيص قناة رسمية لوحدة التواصل مع المستثمرين والمطورين العقاريين    نجيب ساويرس: الحكومة ليست منافسا للقطاع الخاص وطرح المصانع المتعثرة بسرعة مفتاح جذب الاستثمار    رئيس الوزراء يفتتح مصنع إنتاج الطلمبات الغاطسة بشركة قها للصناعات الكيماوية.. مدبولى: توجيهات رئاسية بتوطين الصناعة وبناء القدرات البشرية والبنية التحتية.. ووزير الإنتاج الحربي: تقلل الفاتورة الاستيرادية    هبوط مؤشرات البورصة بمنتصف التعاملات بضغوط مبيعات عربية وأجنبية    بنهاية عام 2025 .. خبير سياحي يتوقع استقبال 19 مليون سائح    مصر ترحب باعتماد الأمم المتحدة قرارين يؤكدان الحقوق غير القابلة للتصرف للفلسطينيين    مصر ترحب باعتماد الأمم المتحدة قرارين يؤكدان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني    زيلينسكي: واشنطن تعهدت بأن يدعم الكونجرس الضمانات الأمنية    كييف تعلن إسقاط 57 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    بطل سيدنى السورى.. تفاصيل رسالة أحمد الأحمد قبل سوء حالته وفقد الإحساس بذراعه    أحمد صلاح وأحمد سعيد يفسخان تعاقدهما مع السويحلي الليبي    بيان جديد من الزمالك بشأن تحقيقات النيابة العامة في ملف أرض أكتوبر    غزل المحلة: الأهلي لم يسدد حقوق رعاية إمام عاشور    ضبط شبكة لاستغلال أطفال في أعمال التسول بالقاهرة    إحباط محاولة تهريب سجائر وشيشة إلكترونية داخل 10 حاويات بميناء بحري    نقل جثمان طالب جامعى قتله شخصان بسبب مشادة كلامية فى المنوفية إلى المشرحة    المنتج تامر مرتضى يدافع عن الست: الفيلم وطني بنسبة 100% وصعب يوصف بعكس ذلك    من الفتوى إلى هندسة الوعى..الجلسة العلمية الثالثة للندوة الدولية للإفتاء تناقش "الأمن الحضاري للوعي" و"استدامة الثوابت"    تفاصيل افتتاح متحف قراء القرآن الكريم لتوثيق التلاوة المصرية    محمد فراج يبدأ تصوير مسلسله الجديد "أب ولكن" وعرضه على شاشات المتحدة    وزارة الصحة تصدر أول دليل إرشادى لمواجهة إصابات الأنفلونزا بالمدارس    الرعاية الصحية تستحدث خدمة تثبيت الفقرات بمستشفى دراو المركزى بأسوان    تجديد بروتوكول تعاون بين البنك المركزي وصندوق مواجهة الطوارئ الطبية والأمراض الوراثية    المصريون بالخارج يواصلون التصويت في جولة الإعادة بانتخابات النواب    دغموم: الزمالك فاوضني من قبل.. وأقدم أفضل مواسمي مع المصري    من المرشح الأبرز لجائزة «ذا بيست» 2025    الأهلي يقترب من حسم صفقة سوبر.. وتكتم على الاسم    مَن تلزمه نفقة تجهيز الميت؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الخارجية يؤكد أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار بغزة    وزير التعليم ومحافظ أسوان يتابعان سير العملية التعليمية بمدرسة الشهيد عمرو فريد    بالفيديو.. تفاصيل بروتوكول التعاون بين "الإفتاء" و"القومي للطفولة" لبناء الوعي المجتمعي    منها التهاب المعدة | أسباب نقص الحديد بالجسم وعلاجه؟    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بمدرسة كفر عامر ورضوان الابتدائية بكفر شكر    ضبط جزار ذبح ماشية نافقة خارج المجزر بمدينة الشهداء بالمنوفية    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    عاجل- دار الإفتاء تحدد موعد استطلاع هلال شهر رجب لعام 1447 ه    الخريطة الزمنية للعام الدراسي 2025–2026.. امتحانات نصف العام وإجازة الطلاب    اليابان ترفع تحذيرها من الزلزال وتدعو لتوخي الحذر بعد أسبوع من هزة بقوة 7.5 درجة    برلماني بالشيوخ: المشاركة في الانتخابات ركيزة لدعم الدولة ومؤسساتها    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    الذهب يرتفع وسط توقعات بخفض جديد للفائدة في يناير    خروقات متواصلة.. الاحتلال يرتكب 5 انتهاكات جديدة لوقف إطلاق النار في لبنان    البدري: الشحات وأفشة مرشحان للانضمام لأهلي طرابلس    مباراة دراماتيكية.. مانشستر يونايتد يتعادل مع بورنموث في الدوري الإنجليزي    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: لا مكان سيستوعب كل الكلاب الضالة.. وستكون متاحة للتبني بعد تطعيمها    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    تعيين وتجديد تعيين 14 رئيسا لمجالس الأقسام العلمية بكلية طب قصر العينى    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    جلال برجس: الرواية أقوى من الخطاب المباشر وتصل حيث تعجز السياسة    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 16 ديسمبر    نقيب أطباء الأسنان يحذر من زيادة أعداد الخريجين: المسجلون بالنقابة 115 ألفا    محافظ القليوبية ومدير الأمن يتابعان حادث تساقط حاويات من قطار بضائع بطوخ    لجنة فنية للتأكد من السلامة الإنشائية للعقارات بموقع حادث سقوط حاويات فارغة من على قطار بطوخ    حضور ثقافي وفني بارز في عزاء الناشر محمد هاشم بمسجد عمر مكرم    هل الزيادة في الشراء بالتقسيط تُعد فائدة ربوية؟.. "الإفتاء" تُجيب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر فلسفية لتربية الأطفال [ 2 ]
نشر في شباب مصر يوم 12 - 05 - 2018

مازال الحديث موصول حول موضوع [ خواطر فلسفية لتربية الأطفال ] ونقول الآتي::-
ضرورة إنشاء الطفل على مبدأ (حُرمة إيذاء الآخرين لا بالقول ولا بالفعل)
ويتم ذلك بتدريب الأطفال على خُلُق (التأنّي والتروّي) يعني عدم الحكم على الأشياء بسرعة، وأن يأخذوا وقتهم بكل أريحية قبل الرد، وقبل الرد يجب أن يكونوا متسلحين بالمعلومات الكافية، فتدريب الطفل على التروّي يمنعه من أذى الآخرين، لأن غالبية من يؤذي الناس هم كائنات متهورة سريعة الأحكام، وهذا يتطلب كيفية التخلص من سرعة الأحكام هذه التي تجلب الأذى، وفي القرآن تحذير من ذلك، قال تعالى.." ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"..[ق : 18]
أعلم جيداً أن الطفل قد لا يعي ذلك، ولكن بتدريبه على التأني والتروي يجعله متحفظاً وممسكاً لسانه على الأذى، وبتطور الطفل في مراحله الدراسية مع احتفاظه بتلك الميزة يخرج إنساناً مثالياً رائعا، قليل الخوض في الناس ولا يعرف حتى كيفية أذيتهم، فما تلقاه في الصغر من تأني وتروّي حمله على أن يكبر ويشيب على العدل والهدوء والعلم.
لاحظ أيها القارئ أنني مع كل مبدأ تعليمي أستعمل لتحصيله (سلوك عملي) فالزهد يتطلب الموضوعية، وكف الأذى يتطلب تأنياً وتروّيا، والشجاعة تتطلب الإيجابية..وهكذا، فالتعليم المتخلف قائم بالأساس على طرق نظرية لتحصيل مواد نظرية، بينما الأصل أن المادة النظرية تحتاج لوسائل عملية مفهومة كي تصبح واقعاً معاشا.
ولفهم أصل المشكلة التعليمية أن الطريقة النظرية المستعملة الآن في مصر وأغلب بلاد العرب يُكثِر فيها المعلم من ذكر القصص التي تشتت انتباه الأطفال، وربما في بعض ملامح تلك القصص يأتي التعليم بنتائج عكسية، فالأسلوب القصصي مهما كان مفيدا في التربية إلا أن عدم تجريده وتفكيك القصص وفهم محتوياتها وملامحها قد تُنتج في الأخير حقيقة مزيفة أو لا تعني الأطفال بشئ، أو تثير انتباههم لأمور أخرى يفقد معها الطفل اعتداله وربما عقله في بعض الأحيان، ولنا في قصص شيوخ السلفية مثال، حيث استمدوا ذلك من الجانب الأدبي في التراث والمناسب لثقافات ناس ميتة منذ مئات -وربما آلاف- السنين، يُجبرون معها الأطفال على عيش زمان غير زمانهم، وربما ثقافة غير ثقافتهم.
وأذكر مثال على ذلك قصص السلفيين عن عقاب الله لمن يسمع الموسيقى، وهي قصص مفبركة ألّفها سكان الصحاري الذين –بحكم بيئتهم الصحراوية- لا يتعايشون مع الفنون، فإذا ذكرت تلك القصص في مجتمع متحضر -كمصر أو سوريا- فورا يتأثر الطالب بملامحها ويعتقد أن الله يأمره بكراهية المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا منبع التطرف الديني الذي اجتاح العرب منذ 40 عاما إلى الآن..وخصوصا بعد انفتاحهم على مجتمع الصحراء في شبه الجزيرة العربية وامتلاك هذا المجتمع للبترول آنذاك والمال الوفير الذي عن طريقه نجحوا في نشر مذهبهم الصحراوي..حتى شاع ما يعرفه بعض المثقفين (بالتصحّر المعرفي) أي جفاف وفقر شديد للمعارف والعلوم عند العرب..
ضرورة تعليم الطفل (واقع العالَم الآن) بمنتهى الموضوعية والحيادية، ويفضل أن يكون ذلك في مرحلة متأخرة
أتذكر لما كنا صغارا في الثمانينات والتسعينات لم تكن المدرسة مهتمة بشرح واقع العالم لنا ولو بطريقة تناسب عقولنا في هذا السن، فنشأنا بعزلة تامة عن الواقع، كانت لهم حجتهم وهي عدم إشغال الطفل بمشاكل وهموم بلده صغيرا..والجواب: أن الطفل لا يدرك معنى الهموم والمشاكل أصلا في سنوات عمره الأولى إلى أن يبلغ –تقديرا- ما بين 16: 20 عاما، وكل شعوره بالمشاكل محدود داخل (دائرة مصالحه المادية) أي يريد الأموال لينفق، يريد حرية اللعب، يريد لباس جديد، يريد أصدقاء طيبين، يريد أصدقاء أقوياء يعتز بهم ويحموه.
وبالتالي عند الحديث معه عن الوطن أو الواقع العالمي والإقليمي يكون ذلك من باب (الاستئناس) أي زيادة في المعلومات والاهتمامات، تكبر معه حتى ينشأ رجلاً إيجابيا مشاركاً في الأحداث ولو برأيه، يمتلك ولو قدر ضعيف من المعلومات هو أفضل من غيره ممن يفتقر لتلك المعلومات بالكلية..وربما يلحظ مراحل تطور هذه المعلومات والاعتقادات لديه في الكبر فيفطن لأقرب حقيقة وتصور واقعي عن المشهد.
أي أن تعليم الأطفال هذه الجزئية في المنهج يكون من باب (المشاركة) فتدريبهم على طرح رأيهم بشجاعة.. وحضهم على الإطلاع واحترام الآخرين..سينتج حتماً (كائن مشارك) والمشاركة أحد سمات الشخص الإيجابي، وهي سمة مميزة تجعل المرء مبادرا على طول الخط، وحبذا لو تم شرح واقع العالم للأطفال بطريقة بسيطة، أي لا يتكلف المعلم –مثلا- في شرح (أزمة سوريا) بل اختصارها- حسب المنطق التنويري -بجيش يحمي الشعب ويحارب إرهابيين مجرمين، هذا له أثر كبير في نفسية وعقلية الطفل عندما يكبر، وقتها سيتذكر أن ما كان يحدث في سوريا مشكلة ثقافية بالأساس، وأنه مطالب بإجراءات احترازية ومقاومة لهذه الأفكار الضالة التي خربت المجتمعات.
ضرورة تأسيس أفكار الطفل باعتمادها على أساسيات (الإنسانية والأديان)
والإنسانية تعني أن تكون واقعيا، فالطفل يجب أن يتشرب (فلسفة الواقع) القائلة بأن هذا الكون للجميع، وأنه لا كائن أفضل من آخر، بل الجميع يُكمّل بعضه بعضا، أي اعتقاد آخر يعني بحث ومفاضلة، هذا أسوأ وهذا أحسن..وبالتالي ينشغل الطفل في تقييم غيره وينسى نفسه، ومع الوقت يضيع آدميته إلى كائن آخر أكثر عدوانية وتصنيف..
هذا ما أسميه التربية على أساس (التكامل) لا (التفاضل) فكلاهما مبادئ رياضية صحيح لكن لهما انعكاس في الواقع غريب، بمعنى أن علوم الرياضيات ليست فقط مجرد علوم نظرية بل تمس حياتنا بشكل مباشر، والطفل الذي يتعلم مبدأ (التكامل) يصير كل الناس لديه سواسية، وهو مدخل مهم لأنسنة ذلك الطفل في مرحلة سنية مبكرة، كذلك فالأديان لا تتعارض مع مبدأ التكامل ففي الإسلام كل الناس خلقوا من طين، والأمر بالعبادة للجميع، ولا شعب أفضل من آخر، حتى في تقرير مصائر العباد في الآخرة منع الله أي احتكار للجنة أو الحقيقة المطلقة.
قال تعالى.." إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".. [البقرة : 62]
وقال أيضا.." إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".. [المائدة : 69]
وقال أيضا.." إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد".. [الحج : 17]
وقال أيضا.." ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ".. [النساء : 123]
الآيات الأربع تقرر مبدأ التكامل وأن كل الأمم والشعوب مهمتها فقط في الدنيا هي العمل، وأن الأفضلية والتفاضل ليس من سلطة بني البشر، وأن الجميع يدخل في رحمة الله، وبالتالي حين يخطئ أي طرف يتحمل هو (وحده) نتائج أخطاءه..هذه قمة الواقعية أن يتبرأ الإنسان من أي معتقد أيدلوجي أو مثالي يؤثر على طبيعته البشرية ويحوّله إلى كائن مسخ مهمته الوحيدة في الدنيا هي الكراهية
هذه الأفكار ربما لا يتقبلها الطفل في سن متقدمة، لذلك أنصح فقط بالمعيار وهو (التكامل) كمبدأ عام سهل وبسيط لا يجد المعلم أي جهد في شرحه، العقدة فقط في التفاصيل والشرح يمكن أن يغذى به الطفل في مراحل متأخرة..ربما تبدأ- مثلا-في الصف الخامس الابتدائي أو السادس، ففي هذا السن يبدأ الطفل في التفاعل مع مجتمعه والمشاركة، كمثال ما يحدث من اعتماد الوالدين على أطفالهم في هذا السن ..سواء في بعض الخدمات المنزلية والعائلية، وقتها يكون الإعلان عن حياة جديدة للطفل انتقل منها من مرحلة يكون فيها عالة ومتطفل إلى مرحلة يصبح فيها أهم ومشارك ضمن النسيج الأسري..
ضرورة تعليم الطفل المسلم على مبادئ (القرآن) فحسب..ويمنع منعاً باتاً تعليقه بأقوال المشايخ
وفي هذا الباب لما لأقوال المشايخ من آثار نفسية سيئة تبقى مع الطفل ربما حتى مماته، والسبب أن قوة أسلوب الشيخ ومعلوماته وتشويقه أو ربما ذكاءه الاجتماعي يجبر الطفل على تقليده..حتى لو كانت معلومات الشيخ كاذبة أو أفكاره عدوانية أو رجعية..إلخ..ومع تطور الطفل في مراحله العمرية المختلفة يتشرب مبدأ التقليد، ويصبح أي شخص ذو مهارة إلقائية وخطابية –كهذا الشيخ-يصلح لتقليده..
البديل أن يجري فقط تعليم الطفل مبادئ القرآن المستمدة من أحكامه الكلية، كحرية العقيدة والتكامل والسلام والعفو والحوار..إلخ مع غرس مبدأ الحرية بداخله يكون الطفل متشبع باستقلالية تحفظه من التقليد وتبعية الغير، ويُفضل أن يحضّ المعلم على (خطورة تقديسه) أي يعلم التلاميذ أنه شخص يصيب ويخطئ وأن مجاله فقط الدراسة، وأن الدين شأنك أنت مع الله ولا أحد –أياً كان هو –له سلطة أن يتدخل في تلك العلاقة..
ضرورة تحديد الهدف من تعليم الطفل كغاية إنشاء مجتمع متسامح وواقعي في نفس الوقت
هذه الجزئية بالذات محتاجة صبر وفهم من المعلم ، لأن أي محاولة لنسج خيال الطفل بمجتمع (متسامح مطلق) ستأتي بنتائج عكسية، ويصبح الطفل طوباويا مثاليا ، وبدلا من أن يعيش الواقع نعزله داخل أقفاص ودهاليز الأيدلوجيات..
والمعنى أن يفهم الطفل أنه (بشر) يصيب ويخطئ، وأن الخير والشر أصل في هذه الحياة، وأن الخير موجود لخدمة الإنسان ومن يخدمه سيفوز بالجنة، والعكس أن الشر موجود كصفة للإنسان الطمّاع والشهواني الذي يكره ولا يحب..يجهل ولا يعلم، وبالتالي فكرة إنشاء (مجتمع متسامح مطلق) أو (مجتمع ملائكي) هي مستحيلة ولا يمكن تحقيقها، بل الخير والشر يلازمان الإنسان حتى مماته..
المطلوب فقط أن نجتهد في هذه الدنيا لنُعلي نسبة الخير على الشر، وأن ننصر المظلوم على الظالم، وأن نعلم ولا نجهل، وأن نحب ولا نكره..وهكذا..والهدف إنشاء مجتمع قابل للحياة، فأي مجتمع تعلو فيه نسبة الشر والجهل على نسبة الخير والعلم هو مجتمع ظالم يموت بسرعة، وبالتالي أي جهد لنصرة الخير هو لاستمرارية الحياة بالأصل، وأي جهد لنشر العلم كي نواكب التطور الذي يحدث لنا وللعالم..
ضرورة تعليم الطفل (حقوق الإنسان)
هذه أهم جزئية تختصر منهج تربية الأطفال بالكامل، لذلك وضعتها الأخيرة، والمعنى أن كل ما سبق يلخص إيمان الطفل بحقوقه الشخصية على أنها نفس حقوق للآخرين، يعني لو من حقك تأكل ما تريد فالآخرين لهم نفس الحق، ولو من حقك تلبس ما تريد..فالآخرين لهم نفس الحق..وهكذا
حقوق الإنسان مقسمة ما بين حقوق طبيعية (ثابتة) لا يمكن تغييرها أو الاستغناء عنها أو المشاركة فيها مع أحد كحق الطعام والملبس والمشرب والسفر والحركة والرأي والعبادة أيضا..يعني هذه حقوق أصيلة لك باعتبارك إنسان تتمتع بها كما تتمتع بأملاكك، أما الحقوق الغير طبيعية وهي (المتغيرة والنسبية) كحقك في معاملة حسنة ووظيفة في الدولة وأصدقاء جيدين..وتأتي هذه الحقوق تبعا للدولة والمجتمع الذي تعيش فيه، كذلك تؤثر الظروف في هذه الحقوق أحيانا، وبعضها أيضا يتوقف على مهارتك وأسلوبك في التعامل، والبعض يتوقف على مشاركتك الاجتماعية وعلومك الشخصية..
هذا يعني أن أول مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان أن تحترم حقوق الآخر الثابتة، كحقه أن يأكل ويشرب ما يريد، أن يعبد من يريد، أن يقول ما يريد..وهكذا، أما حقوق الآخرين في معاملتك لهم معاملة حسنة فهذا يتوقف على سلوكهم معك، وإن كنت أفضل أن يكون الإنسان مبادر وسبّاق بالخير..ومهم سياسة الضبط والربط، لأن جزء كبير في التعليم ليس في المادة التعليمية نفسها بل في القيود والقوانين التي توضع على الطفل في مقدمة حياته، وكما أشرنا في المنهج أن الطفل يدخل على مرحلة جديدة يجهل كل أبعادها، ويتخوف من طبيعتها ونتائجها، والتعامل معه يجب أن يكون بمنتهى الحذر حتى يعتاد الدراسة..
وفي الضبط والربط يجب مراعاة أن نسبة تقبل الطفل للتعليمات في عمر 6 سنوات هي نسبة قليلة جدا، تصل إلى حد العدم في بعض الأحيان، والسبب أن الطفل يتعامل (بإدراك حسي بديهي) مع الأشياء في هذا السن، أي يرى الأشياء بانطباعاته الشخصية، وليست بالضرورة أن تكون هذه الانطباعات سليمة، فلو سمع أو رأى أي تعليمات من المعلم ربما يخطئ في انطباعه ويفهمها بطريقة مختلفة عن المراد، كأن تطلب منه مثلا عدم الحركة إلا بإذن يعتقد أن عليه الحركة أولا وبعد ذلك يستأذن..
وقتها يعتقد المعلم أن الطفل تعمد الخطأ فيعاقبه، وهذا غير سليم، فالتفاعل بين الإدراك الحسي للطفل وبين نشاطه قليل في هذا السن، والوسيلة الوحيدة التي تزيد من هذا التفاعل وتجعل الطفل أكثر قابلية للفهم هو (اللعب) فعلى المعلم خصوصا في الفصلين الأول والثاني أن يتيح مجال أكبر للطفل أن يلعب، وفي تقديري أن نسبة الضبط والربط في هذا الفصل يجب أن تكون في أدنى معدلاتها وسأضع نسبة تقديرية تبدأ ما بين 20: 30% حسب رغبة ورؤية المعلم..
تزيد هذه النسبة بشكل تصاعدي بمقدار 10 أو 20% كل فصل دراسي، حتى إذا انتقل للصف السادس وقتها يكون الطفل قد تقبل معنى التعليمات وأصبح الانضباط سمة فيه بدون أن يكره المدرسة..
كذلك يجب التخفيف قدر الإمكان من الشروط القاسية التي يضعها بعض المعلمين، كمنع الطفل مثلا من الطعام والشراب داخل الفصل ، يجب السماح بذلك في حدود نسبة الضبط والربط المعلنة، على اعتبار أن الطفل هو (كائن مادي) في النهاية، ولا يعرف أي قيم، بل يتلقاها بالتقليد والترديد، وبالتالي حين يجوع أو يعطش أو يشتاق للحلوى مثلا على المعلم أن لا يمنعه من ذلك حسب نسبة الضبط والربط المعلنة، مع التنبيه عليه أن ذلك خطأ وغير مسموح، لكن تيسيرا عليه سنسمح له في حدود قد يراها المعلم مثلا في الالتزام بنظافة وشكل الفصل.
وكعادة المدارس يبدأ الطفل بتعلم اللغة المحلية، لغة الكتابة ولغة الصوت، فالحروف يتلقاها منفصلة ويتم تجميعها في كلمات ثم تُفكك بعد ذلك..وهكذا..والهدف أن يكتسب الطفل مهارة اللغة، لكن وبما أن هذا المقال مجرد خواطر فلن نستفيض في المواد الأخرى كاللغة والرياضيات والعلوم والدين، لكن أكتفي باستبدال مادة الدين بمادة (التنوير) وعلى المدرسة أن لو رأت تعارضاً بين الاستبدال وبين قوانين الوزارة أن تلحق التنوير بالدين كأن يتم (تنصيف) الحصة-مثلا- جزء للدين والآخر للتنوير، مع زيادة قليلة في زمن الحصة لو أمكن..
وعلى المعلم أن يشرح معنى الحب، وكيف أن الله خلقنا لنُحب وليس لنكره، مع شرح الفارق بين الحب والكراهية، وتأثير ذلك في حياتنا العملية، مع الوضع في الاعتبار أن الطفل قد لا يستوعب بعض هذه الشروح النظرية فيجب فورا تمثيل ذلك وأداءه بطريقة مسرحية، وأشدد أن المسرح في التربية جزء أساسي في التكوين.
قصدت بالحب لكي نعزل الطفل عن أي مشاعر سلبية وأفكار سيئة تلقاها في محيطه الأسري، فقد يتعرض الطفل للظلم أو الاضطهاد، أو أن يكونا أبويه على قدر قليل من العاطفة والذكاء فيعلمانه بطريقة غير سليمة، والبدء بالحب يعزل الطفل عن هذه البيئة بل وبفهمه لمعنى الحب قد يعشق مادة التنوير بالكامل..
يبدأ الطفل كالعادة بأن يفقه معنى حب الأرحام من الدرجة الأولى ثم الثانية، كحب الأبوين، أنا أحب أبي وأمي، أحب أخي وأختي، أحب خالتي وعمتي..إلخ..ثم حب الأصدقاء..أنا أحب صديقي فلان، وحب الزملاء في الفصل وحب المُعلّم..وهكذا..فالطفل يولد وهو لا يملك أي من تلك المقومات والمشاعر، وبتعليمه إياها وحضه على اكتسابها ترسخ في ذهنه كأصل تربوي.
بالمناسبة: تعليم الحب سأضعه في كل مراحل التنشئة ضروري، فالحب ليس مخصوص بفترة زمنية بل قيمة ومشاعر تعيش مع الإنسان حتى مماته، والسبب في وضعها في كل الصفوف الدراسية أن الطفل يتطور وتتطور معه المفاهيم، فإذا امتنعت عن تدريسه الحب بعد الصف الأول أو الثاني ستتكون لديه صورة جديدة عن الحب اكتسبها من محيطه الاجتماعي، وقد تكون هذه الصورة سلبية أو تتعارض مع الصورة الراسخة في ذهنه منذ الصف الأول، لذلك فمادة الحب رئيسية في تكوين الطفل في المرحلة الأساسية وعليه أن يفهمها ويستوعبها ، وإذا ما قدر لهذه المجموعة النجاح واستوعبت مادة الحب فسيخرج من بينهم الحكماء وذوو البصائر النافذة..
الحب كذلك سبب في زيادة معدل الذكاء، فالأصل في الذكاء (الارتياح) وفي تقديري أن أغبى الناس هم أكثرهم كراهية، وأضعف الناس كذلك هم من يكرهون، وبالتالي فالحب ليس فقط ذكاء..بل قوة وبصيرة وشخصية، والأنشطة التربوية القائمة الآن على مستوى الجمهورية لا تهتم بهذه المادة..بل لو ناقشتها فسيكون بطريقة عابرة أو مادة في صف دراسي واحد ثم تنتهي، وهذا خطأ كما أشرت، فتطور الطفل سيكسبه صورة جديدة عن مفهوم الحب..والفظيع أن يأخذها من شيخ..وقتها سيحب فقط المتدينين أو من يوافقوه الرأي..وهذا ضد منهج التنوير..
أخيرا: فالطفل الذي ينشأ في مجتمع متسامح يتعلم السماحة وحب الناس، والطفل الذي ينشأ في مجتمع عدواني يتعلم الكراهية والقتال، فعلى المدرسة والوزارة أن توفر بيئة التسامح للطفل، وأن يكون الحب قاعدة لتعليم هذه القيمة وتوفير تلك البيئة الطيبة.
-------
بقلم / سامح عسكر
كاتب وباحث مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.