منهج تربية الأطفال صورة عامة ذهنية للطفل عند دخوله المرحلة الابتدائية يكون الطفل بين مرحلتين الأولى ليست فيها مسئولية بل يملأها التدليل واللعب، وفور دخوله المدرسة تخطف الطفل حالة من الإرهاب العقلي والنفسي يكون فيه متوترا ، فوالديه ليسوا معه ولا أخواته وعائلته، بل أشخاص لا يعرفهم، وتكليف بأشياء لا يفهمها ولا يستوعبها عقله، حتى رغباته لم تعد تُنفّذ كما في السابق. السبب في حدوث هذه الحالة أن الطفل من ثلاث إلى ست سنوات-تقريبا- يمر بمرحلة يعرفها البعض بمرحلة التساؤل، فهو يريد معرفة كل شئ يلفت انتباهه، ويريد تجربته ولو باللعب ، حتى لو كانت الإجابة غير مقنعة لديه الأهم أن يسأل ويلعب، ومرحلة التساؤل هذه تعني أن الطفل لديه (المبادرة) وهي حالة من (الحرية المطلقة) يشعر بها الطفل تنتهي فور دخوله المدرسة، لأن طبيعة المدارس تنقل المبادرة من الطفل إلى المُعلّم، وتُقيّد حركته في اللعب، فينخفض لديه معدل التساؤل ويصبح مُكبّلاً بهموم الواجبات المدرسية، وشعور الانطلاق السابق لديه في اللعب انتهى أيضا..والنتيجة حالة من الإرهاب تخطف الطفل في أيامه وأسابيعه-بل وربما أشهره الأولى- في الدراسة. الطفل كالأرض المزروعة إما خيرا وإما شرا التربية كعلم هي كالسياسة كفعل، أي التربية في حقيقتها تشبه ما يقوم به الحاكم، فالنفس البشرية تجنح للحرية وتحطيم القيود، وبما أن الحرية المطلقة أذى وصل الإنسان لفكرة (القانون) أو الدولة بهدف تنظيم حياة البشر وتقييد حرية الفرد والجماعة الجزئية لصالح الجماعة الكلية وهي (المجتمع)، والمُربّي في المُجمل هو القائم على قانون التربية..يعني هو المسئول عن حياة الطفل وأفكاره وغرس مبادئه ومراقبة سلوكياته، وينبغي على المُربي أن يكون قدوة ، فالطفل في مراحله السِنّية الأولى (كائن مقلد) ومن فرط (بياض) ذهنه وخلوّه من أي معارف يستقي فوراً معارفه بطريقة ظاهرية، فلو كان الأب هو الأقرب إليه يأخذ منه..ولو كانت الأم يأخذ منها..وهكذا. لذلك كان تشبيه الطفل بالأرض المزروعة صحيحاً من هذه الناحية، ولكن حذار من الأخطاء ، فالخطأ التربوي للطفل يبقى معه بعد البلوغ ويصعب معه العلاج..بل أحياناً يستحيل، فمرحلة الشباب-مثلاً- إذا وصل إليها متشبعاً بعُقد وأخطاء تربوية في الطفولة يصبح من الصعب علاج هذه الأخطاء، ولو فشل المربي في العلاج تكبر معه حتى يصير شيخا، والسبب أن الإدراك في الطفولة (كلَوحة الرسم) فإدراك الشجر والبحر غير إدراك الصحاري القاحلة، وإدراك الحرب والعنف غير إدراك السلم والأمن، وإدراك العدل غير إدراك الظلم..وهكذا. فالمجتمعات الصحراوية لديها صورة عن الحياة والكون مختلفة بشكل كبير عن مجتمعات المدن، والمجتمع الزراعي لديها فكرة عن الحياة تختلف عن المجتمع الصناعي. والطفل قبل الابتدائية يتلقى الأسلوب التربوي بشكل جزئي غير منضبط، والسبب كما قلنا أن الأعباء عليه غير موجودة، وأن التدليل واللعب سمة عليا له، لذلك يجب تأسيس الطفل في المرحلة الابتدائية بالذات على (إدراك سليم) يتقبل به (منهج التنوير) ويتشربه حتى يصير معه للأبد..وكما تم استغلال هذه المرحلة لتدريبه على تلقي الأعباء وحملها بارتياح..يجب استغلال تطور الطفل في مراحله السنية المختلفة بنفس المنهج التربوي..أي يتم الاعتبار بعُمر الطفل وعدم التعامل معه بما يناسب مرحلة عُمرية أخرى. الطفل يمثل كل مقومات الفطرة البشرية أصل هذه الفطرة في قوله تعالى.." والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون"..[النحل : 78] وهو إقرار إسلامي بالصفحة البيضاء للطفل التي أقرها الفيلسوف الألماني .."إيمانويل كانط"..وأن سائر المعارف والسلوكيات التي يكتسبها البشر لمجتمعاتهم دور أصيل فيها. ومعنى الفطرة هنا أن الطفل يبدأ بإدراك معارفه وأشياءه عن طريق (حواسه الخمسة) فقط، وما دون ذلك من شعور ومنهج عقلي يأتي إليه بالاكتساب، أي يتعلم الطفل الاستقراء والاستنتاج من والديه، فلو كانت النافذة هي مصدر الضوء والهواء للمنزل..فهذا يعني أن الظلام يلزمه فتح النافذة، وأن الضوء يلغي الظلام..وهكذا..يتعلم الطفل أساسيات عقله بما فيها (العلة والمعلول) فدواليب الملابس-مثلا- مصنوعة..إذن لو لمن يكن فلان الصانع ما كان هذا الدولاب..وهكذا. كذلك فالطفل كائن فيلسوف بطبعه والسبب أنه (مندهش) أي يرى الأشياء بشعور الاندهاش وما يعقبه من السؤال، لذلك يمكن القول أن الطفل (كائن متسائل) أيضا، والفلسفة هنا ليست بمعنى العمق والدراية..بل بمعنى (الإقرار بالجهل) ولمن يتبحر في الفلسفة يعلم أن الاعتراف بالجهل هو في ذاته فلسفة، وأن أشهر فلاسفة التاريخ أقروا بجهلهم في أشياء كثيرة..لكن ما يميز الفيلسوف أنه لا يستسلم لجهله بل يبحث عن مصادر المعرفة، ولو تعذر عليه الوصول لتلك المصادر بطرق شرعية ربما يلجأ لأساليب وحيل غير شرعية ..كالاستفزاز مثلا سقراط كان من هؤلاء..فلسفته قائمة على الجدل وتحفيز العقول للسؤال والجواب بطريقة دائرية (استفزازية) ، أي هو المؤسس الأول للجدلية الماركسية، كان يعتقد أن هذا الأسلوب هو المصدر الوحيد للمعرفة ، ولأنه يتطلب غزارة معلوماتية ودراية عقلية لا يمكن للكثيرين الاندماج أو التعايش مع هذه الفلسفة، لكن الطفل يمارس الجدل حسب حدود معلوماته ودرايته العقلية..أي له حد معروف وحاجز يقف عنده يعجز فيه عن الإكمال..لذلك عقلية الطفل هي (اللبنة الأولى) للعقل الإنساني..وأن إكماله لطريق الجدل مرتبط فقط بامتلاكه المعلومة وبخبرة استعماله لعقله.. وأشير أيضا أن تمثيل الطفل بالفلسفة يجعله يتأثر بكل ما تأثرت به الفلسفة، فالعلوم الطبيعية-مثلا- كالفيزياء والرياضيات والكيمياء..والعلوم الروحية كعلم النفس والباراسيكولوجي كانت جزء من الفلسفة قديما، وانفصلت عنها مؤخرا بفضل تطور العلوم، وهذا يعني أن الطفل معرض لانفصال بعض معارفه وسلوكياته بمرور الزمن، فما كان يجيده في الخامسة من عمره ليس شرطا أن يجيده في العاشرة، وما كان يفشل فيه طفولته ينجح فيه في رجولته، وما كان يكرهه صغيرا ربما يحبه كبيرا...وهكذا..بل ربما يكتسب الطفل سلوك جديد (وربما غريب) لم يألفه من قبل..ولا حتى عائلته. عُمر الطفل ليس علامة للنضوج نخطئ كثيراً في معاملة الأطفال ذوي السن الواحد بطريقة واحدة، هذا يتعلق بحالة (النضوج ) للطفل..والأطفال لا ينضجون بالزمن..بل بعوامل أخرى كالذكاء والعاطفة والظروف الاجتماعية والأسرية، كذلك تتعلق بالتطور العام الذي يصيبه منذ أشهر ولادته الأولى إلى أن يدخل المدرسة، فالأسرة لها دور في نضوج أطفالها وبتصرفاتها تحدد متى وأين سينضج الطفل. هذا الكلام يجب أن يفهمه المعلم، فالأطفال في الفصل الدراسي لن يدركوا المادة الدراسية بطريقة متساوية، ويجب التعامل معهم كطريقة تعامل (مدرب الأحمال) مع فريق كرة القدم، بحيث يعطي المادة الدراسية لتناسب مستوى الطفل من الذكاء والإدراك والوعي، وهذا يعني أن هناك مادتين دراسيتين في الفصل، الأولى يلقيها المعلم للتلاميذ بشكل عام..وهي تطرح الأساسيات والعموميات، الثانية يلقيها بشكل خاص حسب تصنيف كل فرد أو مجموعة مع نفسها ، وهذا يعني أن المعلم يجب مع بدء السنة الدراسية أن يبدأ في امتحان (أوّلي) لتحديد وتصنيف قدرات التلاميذ ومهاراتهم، ويسجل ذلك في كراسة أو اسطوانة مدمجة أو برنامج. صفات يجب توافرها في المعلم أول هذه الصفات حُسن الخُلق والصوت الهادئ المنخفض، هذه الصفات توفر الطمأنينة والثقة للطفل، إضافة إلى أنها توفر البيئة المناسبة لتلقي العلم، كذلك يجب توفر صفة (الجاذبية) وهي لمحة أولى عن شكل وطريقة كلام المُعلّم، والمعلم الجذّاب يكون مريح ولطيف مع التلاميذ، كذلك يجب توفر صفة (المرح) وهي خفة الدم التي تضخ الدوبامين في الجسم، وتجعل الطفل هادئا واثقا.. وأكثر تقبلاً للمنهج العلمي مهما كان مكثفاً أو جاء على غير رغبة أو قدرة منه. أحيانا يكون الطفل مرهق ولا يستطيع البوح بذلك خشية أن التصريح به يعرضه للعقاب، فالتربية المنزلية أحيانا تفرض نفسها، لذلك فالمعلم لديه دور لعلاج هذه التربية المنزلية السيئة، وصفة المرح بالذات تُحبب الأطفال في المدرسة ..بل وفي هذا الفصل الدراسي بالذات...لكن إقرار صفة المرح لا تعني أن يكون المعلم سفيهاً لحد الاستهزاء به، لذلك قلت يجب توافر صفة الجاذبية أيضا كونها تعطي للمعلم قدر من الاحترام والثقة . ضرورة إنشاء الطفل على مبدأ (التحدي) علمونا ونحن صغار ماذا نريد من هذه الحياة؟..الأفلام والمسلسلات بها مشهد مكرر (عاوز لما تكبر تطلع إيه ياحبيبي؟) ولو لم يعلم الطفل -أو يدربه أهله- يلقنه السائل (مهندس ولا دكتور؟) الدافع في ذلك بناء فكرة لدى الطفل حول أهمية النجاح والعلو في المجتمع، وأهمية هذه الوظيفة بالذات لأنها تمثل في (الوعي البشري) قمة النجاح والتأهيل لأن يمارس حياته بشكل طبيعي. هذا السؤال هو المحفز (الطبيعي) لمبدأ التحدي، لكن في تقديري الموضوع أبعد وأوسع من ذلك، فالتحدي بالعموم طاقة نفسية لإثبات الذات، فالطفل مثلا حين يخسر في صراع مع إخوته أو أصدقائه يحضر لديه شعور فوري بضرورة التعويض، وهذا ما يجعل الطفل (ينتقم) من ضاربه مثلا، وبعض الآباء يفقهون ذلك فلو ضربت الأم طفلها يحمله الأب للانتقام بطريقة لطيفة ولو بضربة خفيفة تشعره بالرضا ومن ثم إثبات نفسه وتعويض مظلوميته..هذا يعني أن مبدأ التحدي هو (شعور فطري) عند البشر، حتى مملكة الحيوان لديها هذا المبدأ، فالقطة عندما تضربها لا تتركك بل تسارع في الانتقام، وهذا في ذاته تحدي. وتدريب الطفل على هذا المبدأ ليس فقط بإحياء هذه الغريزة-أو الشعور الفطري –فيه، بل (بطريقة تفكير) تجعل هذه الغريزة منضبطة بحيث توجه لصالح البناء لا الهدم..لصالح العدل لا الظلم، لصالح الوحدة لا التفرق، وأزعم أن سبب كبير لانتشار العنف والحروب في العالم العربي الآن هو أن الأسرة والمدرسة عجزت عن ضبط غرائز أطفالها وتوجيهها في المسار السليم، فنشأت حالة من الدونية انتشرت حتى صار كل مواطن عربي هو مشروع للعنف، فالمسلم يتحدى المسيحي والسني يتحدى الشيعي..بدلا من أن يتحدى كليهما نفسه في بناء أوطانهم والنهوض كما نهضت دول وشعوب أوروبا وأمريكا. ضرورة إنشاء الطفل على مبدأ (الحرية) أصل هذا المبدأ في شعور .."الاستقلال"..وهو شعور قد يزعج أحياناً الأسرة والمُعلّم في الفصل، لأن الطفل المستقل غالبا متمسك برأيه وعنيد، أما الكبار عادة يرونه (مكابر أو جاهل) وبالتالي يستحق الوصاية وربما العقاب..وهذا خطأ تربوي شهير، فالطفل المستقل-مهما كان سيئا- لديه صفات إيجابية كثيرة تؤهله للنجاح، كشجاعته وثقته في نفسه وعدم خوفه من وقوعه في الخطأ، أي في المجمل هذا الطفل هو (كائن عملي) وليس نظري. والكائن العملي هو الأكثر عرضة للنجاح، لأن سبق التجربة لديه تكسبه مهارات سلوكية ومعرفية، وتصقل مواهبه بتوالي الزمن..والطفل المستقل هو (كائن حُرّ بالضرورة) لأن ميله للاستقلال يمنعه من تقليد الآخرين..وهي آفة تربوية تصيب خصوصا ذوي التعليم الديني القائم على الحفظ وتقديس الأئمة، حتى امتدت هذه الآفة وأصابت كافة صنوف التعليم المهني والأكاديمي، لذلك يجب الحفاظ على هذه الشخصية المستقلة، بل ومساعدتها في تطوير نفسها للأفضل في سياق حريتها واستقلالها. ضرورة إنشاء الطفل على مبدأ (المساواه) في هذا الباب للأسرة دور كبير، لأن الظلم في تفضيل الأبناء على بعضهم ينعكس سلبا على المتضرر.. وهو (الطفل المفضول) أي أن دور المدرسة هنا تكميلي لدور الأسرة، وتأسيسي في مرحلة متقدمة ربما لا يستوعبها الطفل في المرحلة الابتدائية، فثقافة المساواة تظهر (مجردة) في مرحلة متأخرة ربما في الإعدادية أو الثانوية، والسبب أنها تتطلب أولاً معرفة (الهويّات) من هذا ومن تلك؟..ما هذا وما هذه؟..ولماذا وكيف؟..ولو لم يعرفها فكيف سيُساوي؟ العقل البشري يفهم المساواة كمرحلة لاحقة لفهمه الهويّات والحقائق، ولو كان جاهلا بهويّة الأشياء فكيف سيفهم الفصل بينهم ومن ثم مساواتهم ببعض؟.. إنه على أفضل الأحوال سيرى أن هذه الأشياء كلها واحدة. لذلك يفضل تعليم الطفل مبدأ المساواة في المرحلة الابتدائية كمبدأ تكميلي لما تقوم به الأسرة، وتطبيق ذلك يكون عمليا بالتدريب على حُرمة تفضيل الطفل لنفسه أو لشخص على آخر، وبعد دخوله الإعدادية أو الثانوية يكون ذهنه قد اكتمل وأصبح مستعدا لقبول ثقافة المساواة والبحث في الهويّات، مع تعليمه أساسيات قوله تعالى.." يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "..[الحجرات : 13] ويتم شرح التقوى هنا بالعمل الصالح فحسب، أي الصدق والتسامح وحب الناس..إلخ، ويمنع منعاً باتا تعليم الطفل معنى التقوى عند بعض المشايخ الذين يرون أنها تعني الشريعة والعمل بالتنزيل والاستعداد للموت..فهذه كلها قيم لا تعني الطفل بشئ ولا يفهمها، وكذلك في حكم الأصوليين والعقلانيين فاسدة، فشريعتهم تعني الظلم والقتل والذبح لا العدل والعفو والسماحة، والتفكير بالموت قد يعرض الطفل لأزمات نفسية وعقلية تلاحقه في الكِبَر، وحبذا لو كان المعلم يمتلك قدر قليل من الثقافة في الإسلام ويشرح التقوى بأسلوبه الخاص بما يوافق قيم البناء عالية. ضرورة إنشاء الطفل على مبدأ (الثقة بالنفس) يقول الفيلسوف الصيني .."لاوتسه".."إذا لم تثق بما فيه الكفاية لا أحد سيثق بك"..والمعنى أن ثقة الآخرين فيك تعتمد على مدى ثقتك بنفسك، والطفل لابد أن يتعلم ثقته في نفسه في سن مبكرة، فلا يخشى من التصريح برأيه، ولا يخشى الأذى، وإذا دعته الضرورة لتغيير رأيه ومراجعة نفسه فلا يتأخر ..هذه من شروط الثقة في النفس أن يراجع المرء ذاته وقت الخطأ، فكلنا بشر نخطئ..ولكن ليس كلنا يمتلك الشجاعة ولا الثقة بالنفس. ضرورة إنشاء الطفل على سلوك (الإصغاء وعدم مقاطعة أحد حين يتحدث) الطفل في المرحلة الابتدائية لديه الإصغاء بالفطرة، لأن مقاطعة المتحدثين سلوك في الغالب للكبار، والسبب أن الكبار قد تكونت معارفهم ولديهم خبرة بحيث يمتلكون تصور كامل للحياه، أما الطفل فهو (كائن مُصغي بالفطرة) لذا فلا غضاضة من تعليمه أساسيات الإصغاء (المكتسب) باعتبارها تحقق له السلامة النفسية والبدنية من جهة..وسلامة الأخلاق من جهة ثانية..وتزيده علما ومعرفة من جهة ثالثة. فالفطرة لا تكفي في غرس بذور الخير في الإنسان، لأن الإنسان يكبر ومع تعدد تجاربه في الحياه يفقد هذه الفطرة الحسنة، وقديما قالوا ان الإنسان (كائن اجتماعي) أي يكتسب كل معارف وطباع مجتمعه..ويؤمن بها لحد القداسة، ومهمة المعلم أن يشرع في تحصين التلميذ من مساوئ المجتمع..بحيث يكبر وتظل فطرته (الإصغائية) معه. ويجب على المعلم أن يفهم خطورة عدم الإصغاء، فالمقاطعين غالباً أشخاص عدوانيون، وإهمال تلك العدوانية في الطفل نقص في المعلم، لذلك يجب أن يكون المعلمين من ذوي الأخلاق الحسنة بحيث يعطون القدوة للصغار قبل الحديث، مع ضرب بعض الأمثلة في الواقع وتمثيل ذلك للتلاميذ عيانا بيانا..ولو بآداء مسرحي يكون فيه المعلم هو (المُخرِج) كذلك يتم تدريب الطفل على موهبة (الحديث مع النفس) فهذه الموهبة توسع الأفق والخيال، وتساعد في فن الإصغاء، فسماع النفس هو أول الطرق لسماع الآخرين، ومن لم يفهم نفسه لن يفهم أحد، كثير من المقاطعين -إن لم يكن أغلبهم-تأثر بعنصر (المفاجأة) فهو حين يسمع رأي معارض له-بطريقة مفاجأة- يسارع فورا بتكذيبه والطعن فيه، وعنصر المفاجأة يزول مع (التوقع) والتوقع نتيجة طبيعية للحديث مع النفس. لذلك حين يتحدث الطفل مع نفسه يكتسب ميزة التوقع وسرعة البديهة، وتكون صورة الشئ قد انطبعت في ذهنه وفهمها بطريقة أفضل، والطفل حين يفهم لا يتأثر بعنصر المفاجأة...ويكون لديه اطمئنان داخلي على سلامة معلوماته وثقة بالنفس أكبر وبالتالي قدرة على الإصغاء أعلى. ضرورة إنشاء الطفل على مبدأ (الحوار) وهذا المبدأ متعلق بمبدأ الإصغاء السابق، فلا حوار لمن لا يجيد الإصغاء للآخرين، والمعنى أن من يمتلك القدرة على الحوار هو من (يفهم الآخرين) وأنت لن تفهمهم دون أن تصغي إليهم. أفضل أن يكون هناك آداء مسرحي للتلاميذ في الفصل على فن الحوار والقدرة عليه، والتنبيه أن بعض الناس ليست لديهم القدرة على الحوار ..إما لجهلهم أو لعدوانيتهم، لذلك فالطفل يجب أن يكره الجهل والعدوانية معا، ويفهمهم قبل أن يكرههم، فلربما كره معنىً آخر غير موجود. ضرورة إنشاء الطفل على مبدأ (الشجاعة وقول الحق دائما) وهذه تبدأ بتعليم الطفل كيف يكون (إيجابيا) أي مبادر، وهي نقطة تُضاف إلى جزئية الاستقلال في الرأي والحرية، فالطفل الشجاع هو كائن حر ومستقل بالضرورة، لكن ما يفصل الشجاعة عنهم هو أن الإيجابية قد لا تعني الاستقلال المطلق في الرأي، لأن الحق في الأذهان واحد أو متشابه، وقد يجمع البعض على حقيقة لا يعني ذلك أنهم جميعا غير مستقلين، لأن الأصل في الإنسان أن يبحث عن الحقائق لذاتها وليست لتوافق هوى فلان أو علان. مثال: المصريون مستقلون عن إسرائيل، لكن هذا لا يعني أن لو إسرائيل قالت حقيقة نسارع فوراً برفضها..هذا خطأ..فلو قالت مثلا إسرائيل أن (الظلم حرام) لا يعني ذلك عند المصريين أنه (حلال) بل هو حرام قولا واحدا..والترجيح هنا صفة المبادر والشخص الإيجابي الذي نطلبه، أن يكون مع الحق بصرف النظر عن ماهية قائله ..أو أن يطعن في نواياه..فالطعن في النوايا بالذات ليس من صفات الكائن الشجاع..بل هي صفات كائن أحمق متهور، لأن الشجاعة كما أنها تعني الإيجابية تعني أيضا الالتزام بخلق الشجاعة وهي (كف الأذى وصون اللسان) وحبذا لو تم ضرب الأمثلة على بعض شجعان العرب كعنترة بن شداد الذي ناضل من أجل حريته ومع ذلك لم يؤذ أحد بلسانه، وكان أعف قومه أخلاقاً وأحسنهم لفظا. نقطة أخيرة في جزئية الشجاعة والإيجابية..وهي أن الطفل يحتاج دائما إلى مُحفّز معنوي ليواصل شجاعته أو أن يملك الإرادة ليُصبح شجاعا، والتحفيز المعنوي هنا قد يعني تذكيره بنجاحاته ومواهبه وقدراته المميزة في بعض الأشياء..حتى لو في اللعب، كذلك لا يُكثر المعلم من اللوم والتوبيخ له وتذكيره بمواطن نقصه أو ضعفه، بل لو ذكرت مواطن ضعفه يجب معها تحفيزه للتخلص منها وإعطائه الأمل أن ينتصر عليها بالكلية. ضرورة إنشاء الطفل على مبدأ (الزهد والتواضع وحُرمة الغرور واعتبار الغرور والكِبر نقص فيه وسلوك سئ) دائما أذكر نفسي أن أول شرط للزهد والتواضع هو أن يكون الشخص (موضوعيا) فلا يلجأ لأساليب عدوانية ولا أن يترك الفكرة ويذكر الشخص، كلها آفات دالة على الجهل والكراهية، أما الموضوعية هنا تعني احترام الرأي الآخر والرد عليه بعلم ورؤية متبصرة هادئة..قد لا يفهم الطفل ذلك في مرحلة متقدمة –كالابتدائية- ولكن مدخل أخلاقي بسيط وهو (الاحترام) يعني أن الطفل قد يصبح موضوعيا منذ صغره. كذلك لا يتحدث الطفل في أمر يجهله وأن يملك الشجاعة للتعبير بجهله، كما في قوله تعالى.." ولا تقف ما ليس لك به علم"..[الإسراء : 36] والموضوعية هنا تعني الاعتراف بالقصور ..لا عيب في ذلك، سترى بنفسك كيف أن الطفل أصبح زاهدا بطريقة عملية..بعيداً عن تعقيدات الشيوخ وبعض التربويين بتركيزهم على تحصيل الزهد بقصص الصالحين، وهي قصص قد تناسب أشخاص لكن قد لا تناسب آخرين، لكنها في المجمل لا تناسب الأطفال خصوصا في المرحلة الابتدائية..فنحن هنا نريد أن يخرج الطفل زاهدا بطريقة عملية لا نظرية معتادة.. كذلك تتطلب الموضوعية عدم الحكم على الأشياء إلا (بدليل وحُجّة راسخة) كما في قوله تعالى.." يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم"..[الحجرات : 12] وأيضا في قوله تعالى.." يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين".. [الحجرات : 6].. والطفل هنا يجري تعليمه الآيات بطريقة (مسرحية) بحيث يدعي طفل على آخر أنه كذا وكذا بصفات سيئة فيسارع آخر بتصديقه، فيأتي ثالث بنهيه عن ذلك وتذكيره بالآية وأن العقل يتطلب منه التأكد واليقين بأدلة وحجج راسخة، وأن يُحسن الظن في الناس إلى أن يظهر منهم ما ينفي ذلك أيضا بأدلة قطعية لا شك فيها. هذه كلها صفات الزاهدين..أنهم يؤثرون الحقيقة ولو على أنفسهم، ولا يسارعوا في تلبية رغباتهم أو الاستسلام لنزعاتهم العدوانية، وأذكر أن التطرف الديني والإرهاب بالعموم لم يظهر في العرب والمسلمين إلا بتلك الأخطاء التربوية التي جعلت الشباب يستسلم تماماً للشيوخ ودعاة الفتن، وأنهم منذ أن كانوا صغاراً لم يروا ضرورة الرد العلمي الموضوعي..بل التعصب فقط لرأيهم باعتباره هو (رأي الله) كما يزعمون.. وللموضوع بقية. ---- بقلم / سامح عسكر كاتب وباحث مصري