«الداخلية» توزع كراسى متحركة فى الاحتفال باليوم العالمى لذوى الإعاقة    وزارة العمل: وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    القومي للمرأة يهنئ الفائزين بجوائز التميز الحكومي والعربي وأفضل مبادرة عربية    تذبذب الأوقية بالبورصة العالمية.. ومجلس الذهب يكشف عن توقعات 2026    يكشف عن تكنولوچيا عسكرية مصرية متطورة |«إيديكس 2025».. مصر وطن القوة والقدرة    السفير الفلسطينى بالقاهرة ل «أخبار اليوم»: موقفنا متطابق مع الموقف المصرى ونثمّن جهود الرئيس السيسى فى دعم القضية الفلسطينية    علي ناصر محمد: التجربة اليمنية الديمقراطية الشعبية واجهت تحديات بسبب نقل التجارب الخارجية    ترامب يشيد بالاستعدادات قبيل قرعة كأس العالم 2026 ويؤكد جاهزية الولايات المتحدة للبطولة    تركيز على الجوانب الفنية في مران الزمالك    مقتل شاب بالمحلة الكبرى بسلاح أبيض على يد صديقه    حافظوا على تاريخ أجدادكم الفراعنة    إلهام شاهين تشيد بفيلم «giant» ل أمير المصري بمهرجان البحر الأحمر    كواليس تحضيرات نسمة محجوب ومنى زكي لأغاني أم كلثوم بفيلم «الست»    فتاة البشعة تبكي على الهواء: مظلومة ومش هتاجر بشرفي من أجل التريند    مصل الإنفلونزا وأمراض القلب    الإسماعيلي يفوز على الإنتاج الحربي بهدف وديا استعدادا للجونة    الرئيس الأمريكي يصل إلى مقر حفل سحب قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026    تفاصيل تخلص عروس من حياتها بتناول قرص حفظ الغلال بالمنيا بعد أشهر قليلة من زوجها    البريد المصرى يتيح إصدار شهادة «المشغولات الذهبية» من مصلحة الدمغة والموازين    صور من كواليس حلقة اليوم من دولة التلاوة.. تعرف على موعد عرض البرنامج    المستندات المطلوبة لإحلال التوكتوك بالسيارة البديلة «كيوت» ب6 أكتوبر    تايمز: مصر تسعى لاستعادة حجر رشيد لخروجه من البلاد بشكل غير قانونى    إعلامي سعودي ينصح صلاح بالرحيل عن ليفربول    تأجيل محاكمة طفل المنشار وحبس المتهم بالاعتداء على طالب الشيخ زايد.. الأحكام × أسبوع    علام: بعض الجماعات تسيء استغلال المرحلة السرية بالسيرة النبوية لتبرير أعمالها السياسية    الأمم المتحدة تدعو لتحقيق شامل ومحاسبة المسئولين عن جرائم الأسد والهجمات الإسرائيلية في سوريا    الصحة: فحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم» بالمدارس الابتدائية    رئيس مصلحة الجمارك: نتطلع إلى نقلة نوعية في كفاءة وسرعة التخليص الجمركي للشحنات الجوية    فرنسا ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا بواشنطن    جامعة المنصورة الأهلية تشارك بمؤتمر شباب الباحثين لدول البريكس بروسيا    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    الصين وفرنسا تؤكدان على «حل الدولتين» وتدينان الانتهاكات في فلسطين    لجنة المسئولية الطبية وسلامة المريض تعقد ثاني اجتماعاتها وتتخذ عدة قرارات    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    جامعة الإسكندرية تحصد لقب "الجامعة الأكثر استدامة في أفريقيا" لعام 2025    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    صلاح مصدق يعود للمغرب بعد فسخ عقده مع الزمالك    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    وزير الكهرباء: تعظيم مشاركة القطاع الخاص بمجالات الإنتاج والتوزيع واستخدام التكنولوجيا لدعم استقرار الشبكة    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    تفاصيل القصة الكاملة لأزمة ميادة الحناوى وحقيقة لجوئها ل AI    ضبط 1200 زجاجة زيت ناقصة الوزن بمركز منفلوط فى أسيوط    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    مصر ترحب باتفاقات السلام بين الكونجو الديمقراطية ورواندا الموقعة بواشنطن    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحنة ( صندوق الإقتراع )
نشر في شباب مصر يوم 22 - 01 - 2012

" حقا إن المحنة تولد الإرتباط " تتمتم السيدة سعاد في خاطرها وهى تقف في طابور الإقتراع الطويل أمام اللجنة الإنتخابية للإدلاء بصوتها " هذه هى المرة الأولى التي أدلي فيها بصوتي " هذا بالرغم من أنها قد بلغت الخمسين من عمرها وقد لاحظت أن الكثيرات مثلها تماما يأتين لأول مرة ، بعضهن في العقد السادس من العمر وأخريات أكبر من هذا العمر ، رأت رجلاً مسناً في اللجنة المجاورة يسانده جنديان من الجيش يقول أن عمره ثلاثة وسبعون عاماً وهذة أول مرة طوال عمره ينزل فيها من أجل الإنتخابات .
لقد أخذت اليوم أجازة من العمل خصيصا من أجل الأدلاء بصوتها ولأول مرة تشعر أن من واجبها وحق عليها أن تدلي بصوتها من أجل الوطن ، من أجل مصر ، من أجل الشباب الذين استشهدوا منذ اندلاع الثورة - ثورة 25 يناير العظيمة - وما مر بنا من محن وأزمات اقتصادية وانفلاتات أمنية وفتن طائفية ووقفات احتجاجية وفئوية وصراعات وبلطجة .
" ربنا يسهل " قالتها بصوت عال وهي واقفة في الطابور الطويل الذي لا ينتهي ترى الأحداث الجثيمة التي مرت بها البلاد أمام عينيها قبل موعد الإنتخابات وحالة الناس والقلق والخوف الذي أصابهم وهم يرقبون ما يحدث في كل مكان من اعتصامات ومواجهات وصراعات مرة أخرى مع الشرطة وسقوط عدد ليس بقليل من الشهداء .
انتشت بفخر وهي ترى اقبال الجماهير بجميع الفئات وجميع الأعمار - شباب ورجال وشيوخ وبنات وسيدات وعواجيز - " ماراثون : سباق مع الزمن للوصول إلى صناديق الإقتراع ، رغم صعوبة الطقس البارد والمطر يهرع الناس إلى لجان الإنتخابات ، الناس ، انزاح الهم عن قلوبهم " وتمصمص بشفتيها اعجابا بإصرار الناس على الأدلاء بأصواتهم .
شعرت بالتعب أخذت تنظر حولها علها تجد مقعدا تريح جسدها قليلاً ، رمقت بعينيها الساعة في معصمها ، لقد مرت ساعة كاملة والطابور مازال واقفاً ، خيل إليها أنه لا يتحرك .. وجدت مقعد البواب بجانب بوابة العمارة وجلست لتنال قسطاً من الراحة ، تنفست الصعداء وهي تنظر إلى الحشد أمامها تنتابها هالة من الخواطر " إنها لم تخرج في اليوم الأول للإقتراع فعندما أعلنت الحكومة أن الإقتراع مدته يومين رأت (هي) أن تخرج في اليوم الثاني ويبدو أن هؤلاء القوم عندما استشعروا الأمن والأمان في اليوم الأول أقبلوا جميعا مثلما فعلت هى في اليوم الثاني ، لقد لاحظت إقبال كثيف من المرأة علي صناديق الإقتراع إيمانا منها بدورها الفعال في المجتمع ، هذه هي المرأة المصرية " تومئ برأسها ويروم الفخر في عينيها وهي تري رجال الجيش والشرطة يلتفون مع الجمهور من أجل الحماية والأمن العام .
مرت ساعة ثانية وتحركت السيدة سعاد من مقعدها لتلحق بالصف الذي تحرك قليلا لتجد مقعدا آخر تجلس عليه وتتذكر أنها بالأمس جلست أمام التلفاز طوال النهار مثل باقي الأفراد والأسر في منازلهم من شعب مصر العظيم لمتابعة سير عملية الإنتخابات التي كان يغطيها التليفزيون المصري في جميع المحافظات ، كم شعرت بفخر !! وهي تري عرس الديمقراطية يتوج في إصرار الناس وإقبالهم على صناديق الإقتراع ، الكل حريص على الأدلاء بصوته ويعلم تماماً بقيمته ، صورة مشرفة للشعب المصري الذي أثبت أنه صاحب القرار وقادر على تحقيق الأمن وتصحيح المسار من أجل الديقراطية ، أحست بعمق الوعي لدى الناس ورغبتهم الشديدة في تعميق الفكر الديمقراطي لديهم .. همست تكلم نفسها " الوعي تراث موروث في حضارتنا ومتأصل في ثقافتنا .. مصر تعيد اكتشاف نفسها .. نعم " وفركت أصبعيها لتحدث صوتاً مطقطقاً وهي تبتسم تستحسن هذا الخاطر .
شاهدت السيدة سعاد كما شاهد معظم الجمهور المصري والعالم أجمع السيدة المسنة المقعدة وجنودنا الأبطال يحملنها للأدلاء بصوتها في إحدى اللجان وأخرى كهلة عجوز لا تستطيع صعود الدرج ينزل إليها القاضي المسئول من الطابق الثاني حاملاً أوراق الإقتراع إليها ، الإصرار والحرص الشديد والشعور بمسئولية الصوت وقيمته وتأثيرة في مستقبل بلدنا هو الباعث الحقيقي والقوي وراء خروج هؤلاء ، مواقف عظيمة وصور مشرفة في التلفاز تحدث أمام لجان الإقتراع في جميع أنحاء البلاد ، الشعب هو البطل الحقيقي في ميدان أحداث الانتخابات ، أناس بسطاء وفقراء يتوافدون يبدو الإصرار والعزم واضحين في عيونهم على تحقيق هدفهم المنشود .
توجة مراسل إحدى القنوات الفضائية يسأل افراد من الجمهور أمام إحدى اللجان عن الباعث لتواجدهم رغم الحالة الصحية لبعضهم وكبر السن كانت إجابات بعضهم مشرفة وعميقة الوعي : " أعمل حاجة لبلدي .. وأنقذ أولادي " إحدى المصوتات .
" أحسست أن صوتي له قيمة ويفرق كثيراً " مصوت آخر ، "أول مرة أشارك في الإنتخابات" - لماذا ؟ " من أجل بلدي ومن أجل الشباب " مصوت ثالث .
" أحد القضاة مسئول عن إحدى لجان الإقتراع لم يذهب إلى بيته بعد إنتهاء اليوم الأول ولكنه نام ليلته داخل سيارته الخاصة أمام اللجنة حرصاً منه على صناديق الإقتراع ، أرواح عجيبة تتملك الناس هذه الأيام ، ترابط وارتباط وشعور بالمسئولية تجاه البلد يكتنفهم " مازالت تهمس في خاطرها وقد مرت ساعة ثالثة عليها وهي لاتزال تصف في طابور الإنتخابات .
" مصر تعيد اكتشاف نفسها " تمتمت وهي تنظر خلفها لترى الطابور ممتد حوالي كيلو من المترات حتى أنه يمر بالعمارات المجاورة للجنة الإقتراع ، " المحنة التي مرت بها البلاد هي التي جعلت الناس تتكاتف وتتلاحم وترتبط ببعضها ، أصبح هناك تفاؤل كبير لديهم بعد الشعور بالكآبة الذي تملكهم من مرارة الأحداث الأخيرة والشباب الذي سقط شهيداً في ميدان التحرير وشارع محمد محمود من شباب الثورة والشرطة ، دم أبنائك غال يا مصر ، الناس اتخنقت من الترقب والحذر والخوف والأنتظار وماكادت تصدق حدوث الإنتخابات إلا وهرعت الجموع الغفيرة من كل صوب إلى لجان الإقتراح ، هى الثورة أهم حدث وأعظم حدث شهدته البلاد ، لولا الثورة ماكان خروج هذا الشعب العريق بجميع فئاته وأعماره لإثبات ذاته ووجوده من أجل بناء دولة ديمقراطية حرة " انتبهت على نداء زميلة تقف أمامها في الطابور قائلة :
أخيراً إقتربنا من باب اللجنة !! إنت فين ياأختي ؟
نظرت إليها تعلو شفتيها بسمة عفوية " أنا هنا " وخفضت عينيها تلمح الساعة في معصمها
" يا خبر مر أربع ساعات " نهضت تستعد لدخول اللجنة ، مازال أمامها أربع نساء .
تذكرت وهى تمسح دمعة فرت على خدها وهى تشاهد مراسل إحدى القنوات الفضائية عندما
اختنق صوته من البكاء وهو يقول في تقريره " أن خمس فتيات حضرن متأخرات أثناء قيام القاضي بإغلاق صندوق الإقتراع وختمه بالشمع الأحمر ، بكى وهو يرى الحسرة تروم في أعينهن والحزن الشديد الذي بدا على وجوههن " .
- إتفضلي .. الأسم ورقم التسلسل في الكشوف والبطاقة الشخصية من فضلك . سألها أحد رجال اللجنة الإنتخابية ؟
أخيراً أدلت السيدة سعاد في جو مريح تشوبه الشفافية والنزاهة وغمست أصبعها في الحبر الفسفوري وخرجت على عجل فقد تذكرت أن عندها موعد مع إحدى القنوات الفضائية .
تمت
بقلم / السيدالعربي رزق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.