اختلفوا في آرائهم هل هو استرداد وطن أم استرداد أصوات كانت في عهدة الحكومة لسنوات طويلة هكذا شعرنا من إجابات المصريين بالأمس عندما طرحنا عليهم سؤال: لماذا لم تدلي بصوتك قبل ذلك و«ليه نزلت النهاردة؟» جاءت الإجابة تحمل ملامح يناير، إجابة ممزوجة بابتسامة بتقول: اعتبريني سنة أولي وطن.. علي الرغم من درجة الحرارة المرتفعة يوم الاستفتاء والزحام الشديد لكن المشهد أغلبه كان حضاريا فهؤلاء هم أنفسهم من اعتبرهم رئيس وزرائهم السابق أحمد نظيف «غير مؤهلين للديمقراطية»، الأهم أن معظم من تحدثنا معهم من مختلف الأعمار والطبقات كانوا أول مرة يدلون بأصواتهم في أي شيء، فلم يشاركوا من قبل لا انتخابات مجلس شعب ولا شوري ولا أي استفتاء.. حتي أن بعضهم فضل أن يحتفظ بذكرياته عن آخر مرة أدلي بصوته أيام جمال عبدالناصر وها هو يعود بعد 25 يناير ليترحم علي الاثنين علي عبدالناصر وعلي شهداء يناير. أول مرة أنا أول مرة أدلي بصوتي.. وانت كمان؟ كان خالد علي طالب الجامعة الأمريكية الذي يبلغ من العمر 19 سنة يسأل زميله الذي وقف بجواره نتيجة طول الطابور بلجنة مدرسة الأورمان الابتدائية النموذجية بالدقي. خالد يقول إنه في الانتخابات الماضية والتي وصفها «بالأسوأ» فضل عدم الاقتراب تماما منها أو المشاركة لتأكده من تزويرها قائلا: «الحزب الوطني موجود قبل ما اتولد وعارف أساليبه» ومشاركتي لم يكن لها معني أما الآن فخالد يري الموقف مختلفا كل الاختلاف فبعد ثورة يناير الحالة كلها جديدة يقول «صوتي هايفرق المرة دي وممكن يرجح كفة عن كفة» ولهذا قرر خالد الاستيقاظ مبكرا ليبدأ في النزول مع زملائه وجيرانه واختيار لجنة غير مزدحمة للإدلاء بصوته فيها إلا أنه يقف منذ ساعة ونصف الساعة ومازال الطابور طويلا ولكنه غير ممتعض لهذا قائلا «أنا مليت من الفساد لكني لم أمل من الطابور». أما علي بهاء الدين المحاسب الذي يعمل في شركة خاصة ويتقاضي راتبا شهريا «معقول» يقول إنه حصل علي ساعتين إذن من الشركة التي رفضت إعطاءهم اليوم كله إجازة لظروف العمل ولكنه سعيد لأنه اقترب من دخول اللجنة والإدلاء بصوته قبل الساعتين أن ينتهوا، علي لديه طفل صغير وزوجته تعمل مدرسة يقول: أول مرة أدلي بصوتي في أي شيء، رغم أنه إحساس جميل مندهش أنه لم يجربه من قبل، يحاول علي شرح هذا قائلا: «حاسس إني صاحب البلد بجد» عدم مشاركته في أي انتخابات أو استفتاءات كانت لعدم ثقته في أي شيء ويضحك قائلا: رغم أن الشركة كانت تسمح لنا بإذن ساعتين أيضا لكنه كان يستغلهم وقتها في النوم أما الآن فاليقظة يراها أفضل كثيرا. طابور طويل وأمام لجنة «الفلكي» بالتحرير وقفت فوزية عبدالفتاح في طابور طويل تلتها بسيدتين الفنانة منة شلبي التي حرصت علي الحضور مع صديقاتها، تقول فوزية إنها المرة الأولي لها في المشاركة بالتصويت لأنها كانت تخشي أعمال البلطجة التي كانت موجودة في اللجان «قبل كده» بجانب أنها كانت تعلم النتيجة فما الداعي لمشاركتها أصلا؟ فوزية ترتدي «الخِمار» وتصطحب ابنها وابنتها معها ولكنها تعلن عن رأيها بوضوح أنها ستصوت ب «لا» «علشان دم الشهدا» - كما تقول - فالبلد تغيرت ولهذا فضلت النزول للجنة مهما كان الزحام. الكوسة إحنا حاسين بدخولنا لعهد جديد «هكذا عبرت فاتن عبدالمعطي المدرسة التي تقف أمام لجنة «ملحقة المعلمين بالدقي» والتي أيضا تشارك للمرة الأولي رغم أن سنها 32 سنة ولكنها لم تهتم بعمل بطاقة انتخابية «مش فارق معاها» لكن فاتن اليوم تشعر بالحرية والمسئولية تجاه بلدها ومدي أهمية نزولها مهما كانت النتيجة. تتفق معها نورهان طالبة الجامعة الألمانية والتي وقفت خلفها في الطابور مرددة «الكوسة انتهت واتغير السبب اللي منعنا ننزل». حلم أما مريم أحمد فأمام لجنة «الفلكي» وقفت علي قرب من والدتها وأختها تنتظر الإدلاء بصوتها تقول «لم أحلم في يوم أن أشارك في أي تصويت له علاقة بمصير بلدي لأني عادة أشعر إن مصيرها ليس في صوتي» أما الآن فتبرر وقوفها بأنه يحمل ملامح «بكرة» عايزينه إزاي، تقول مريم أتذكر دائما دم الشهداء ولهذا اتفقت مع أصحابي أن نشارك جميعا اليوم. لم تشارك ومروة أيضا لم تشارك في أي انتخابات علي الإطلاق حتي استفتاء 2005 لم تحاول أن تعتني به رغم الضجة الإعلامية حوله تقول مروة هذه المرة فيه إشراف قضائي أثق فيه وقبل ذلك كانت أي استفتاءات أو انتخابات «متظبطة» نعوز ناس تنجح نلاقي ناس تانية خالص. مروة تحترم آراء الجميع من سيقول نعم ومن سيقول لا. أما الحاجة إيمان إبراهيم أحمد فهي لم تشارك منذ أيام جمال عبدالناصر مبررة ذلك «أنها كانت تعشق هذا الرجل وزمنه ولكن مع تغير الأوضاع علمت أن صوتها «غير مؤثر» أما الآن فهي اهتمت بالمشاركة في الاستفتاء لأن «بلدنا رجعت لنا» - كما تقول - فتحاول أن تثبت وجودها ولن تحبط أيا كانت النتيجة وتركنا الحاجة إيمان لتستعيد ذكرياتها مع لجنة التصويت. قوي جديدة «في فرحة وراحة نفسية».. بالمصادفة معظم من تحدثنا إليهم كانوا «سنة أولي تصويت» ولكن هذه السيدة التي يظهر عليها علامات الوعي بالأحداث والمتابعة وجدناها لديها رصيد كبير من النزول والإدلاء بصوتها في معظم الانتخابات السابقة مدام مني هي صاحبة هذ الوصف «الفرحة» كما تري داخل طوابير الاستفتاء والتي في نفس اللحظة علمنا بامتلاء صناديق اللجنة واستبدالها بصناديق أخري للإقبال الشديد، تقول مني: الزحام السابق والذي اعتادت رؤيته دون أي نظام كان «محشود» لأهداف ما لكن المشهد اليوم مختلف فالزحام منظم لا يتخطي الطابور أحد ولا تأثير علي أحد لأي جهة. لأول مرة المصوتون لأول حملنا كلماتهم إلي خبراء لنعي بشكل أعمق الموضوع.. أجابنا د. نبيل عبدالفتاح. مؤكدا أن مصر عاشت فترة سابقة تم وصفها بمرحلة التاريخ الممتدة، فهناك سياسة خاصة هي قلب العملية الانتخابية وكان التأمين لصالح نظام للمصالح المتنافسة ولهذا غاب عن صناديق الاقتراع قوي اجتماعية عديدة ذهبت بالنيابة عنهم أجهزة أخري منها في انتخابات مجلسي الشعب والشوري وأيضا استفتاءات عامة حول رئيس الجمهورية أو حول الدساتير كل الدراسات علي تلك المراحل أكدت أنها قائمة علي فكرة «التزوير» فمصر كانت الدولة الوحيدة التي لا يموت فيها المواطنين إلي الأبد. ويضيف عبدالفتاح أنه بعد 25 يناير اختلف الأمر خاصة في عقول المواطنين فهناك اصطفاف لرموز جيلية جديدة فالشباب بجانب مفكري جيل السبعينيات الجميع ذهب ليدلي بصوته فيراها عبدالفتاح قوي جديدة ذهبت لتثبت أن ذكاءها وقدراتها كبيرة بعدما شاهدوا تغييرا دفع الكثير دمه من أجله. ثورة قادمة أما د. هدي زكريا أستاذ علم الاجتماع فلم تخسر رهانها علي الشعب المصري يوما ما وكانت تؤكد دائما علي ثورة قادمة لجماهير بلا قادة وهو ما تحقق وتفسر زكريا هذا الإقبال الكبير علي صناديق الاقتراع أنه طبيعي ولم تندهش له، رافضة حديث الإعلام عن الشعب المصري «الجماهير» علي أنها كتلة يصدر عليها أحكام سيسقط عليها المثقفون أحيانا، إحباطاتهم الشخصية وعجزهم عن الفعل. وتضيف زكريا أن المصريين دائما ما يعلنون عن أنفسهم في مواقف كتلك مفسرة هذا الحشد بالضمير الجمعي الذي استشعر الخطر والذي هو في أحسن حالاته الصحية فلا يسمح بالفوضي أو التشرذم، فهو لا يحتاج لدرس في الديمقراطية ويعي السياسة بالفطرة وتري أن ما يحدث منذ ثورة يناير وصحوة المصريين وحتي يوم الاستفتاء هو مفاجأة «للغافلين فقط» فالإحساس بمصلحة الوطن هو المحرك الأساسي للخروج.