هَرب أو عاد أو احتياطات أمنية، سمها كيفما شئت لكنها تهدف لشيء واحد فقط، أن مصر بعد مبارك لم تعد مصر قبل مبارك، وأن مصر وإن كانت ظروفها وأحوالها لا زالت بعيدة عن الاستقرار السياسي والأمني إلاّ أن مصر عادت ولو مبدئياً إلى دفئها السابق، دفء عبد الناصر، وعروبة مصر. السفير الإسرائيلي يعود إلى بلده خشية وخوفاً من الذكرى الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير التي شهدها ميدان التحرير بقلب قاهرة المعز، واستطاعت أن تطيح بالرئيس المصري حسين مبارك الذي استلم الإرث السلطوي من سلفه أنور السادات الذي انتقل بمصر من موقع لموقع آخر معاكس له بالاتجاه، ومضاد له بالتيار، فجاء خلفه مبارك ليرسم لوحة علاقات متطورة ومتقدمة مع إسرائيل تستطيع الأخيرة من خلالها من غرس قدم في التربة العربية عامة انطلاقاً من التربة المصرية التي تعتبر من أهم الترب العربية وأقواها خصوبة وتأثير في الحالة الإقليمية عامة، فحققت إسرائيل بمعاهدة كامب ديفيد سنة 1979م ما لم تحققه بكل حروبها التي خاضتها ضد الأمة العربية، بدءًا من اقتلاع فلسطين من جغرافية الوطن العربي، انتهاءًا بحرب سنة 2008م ضد غزة التي ارتكبت فيها كل المجازر . اليوم أعلنت اسرائيل عن عودة سفيرها من القاهرة خشية من ذكرى ثورة الخامس والعشرون من يناير التي جسدها الشباب والمجتمع المصري بملحمة بطولية، دبت الرعب في قلب إسرائيل والولايات المتحدة، مما دفعهما للتحرك سريعًا في استغلال بعض القوى والمقومات التابعة لإرباك الساحة المصرية وإغراقها في جهنم الفتن، والمحن بما إنها تدرك أن مصر ليست بلد أخرى، وأن مصر الفقيرة بمواردها الاقتصادية، أغنى من كل البلدان العربية الأخرى بمواردها السياسية والحضارية، ومؤثراتها في المنطقة، وهو ما أكدته مصر عمليًا بمجهوداتها في المصالحة الفلسطينية، ودورها المؤثر في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل، وأن مصر لا زالت تقف على قدميها ثابتة كبلد عروبي لا ينسلخ عن جذوره المتينة المتجذرة بالأرض العربية. إذن فثورة الخامس والعشرون من يناير وهي تشعل شمعتها الأولى، وإن حققت بعض أهدافها الآنية إلاّ أنها استطاعت أن تحقق أهم هدف أو لا زالت تبحث عن تحقيق أهم الأهداف وهو الإطاحة بمجرم " مدرسة وادي البقر"، ومجرم قاتل الأسرى المصريين بحرب سنة 1967م، والمجرم الذي نهب وسرق خيرات سيناء، وعليه اليوم أن يدفع ثمن إجرامه، وثمن خطاياه العدوانية ضد الشعب المصري، والإرادة المصرية. تحل ذكرى ثورة يناير الأولى ومصر لا زالت تبحث عن استقرار سياسي يمكنها من العودة إلى دورها الطليعي في قلب هذه الأمة التي تتنازع عليها العديد من القوى الدولية والإقليمية كمحاولة لإسقاط مصر وإغراقها بفتنة سياسية، ولكن كل المؤشرات تؤكد أن الشعب المصري ومن خلفه طلائعه المثقفة والسياسية، والعسكرية، والأمنية تعي هذا المخطط جيدًا وتدرك إلى أين تسير الأمور، وهذا لن يتحقق دون أن يتم الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية وعقد البرلمان جلساته وبدء فعليًا الحياة النيابية، والدستورية، وإطلاق العنان للقانون أن يجد طريقه في الحياة المجتمعية المصرية التي حافظت- ولا زالت - تحافظ على مصر المتجانسة المتآلفة، بعيدًا عن تهويل وفبركة بعض الوسائل الإعلامية التي تحاول دس السم بالعسل. إذن لم يهرب إلاّ بيناير، ويناير شهر الأمطار والخيرات، هو شهر الدفء لمصر العروبة، وشهر الدفء للمجتمع المصري الذي لا زال يرسم معالم ثورته بولادة قسريه متعسرة. سامي الأخرس العشرون من كانون الثاني( يناير) 2012م