ناقش المؤتمر الأدبى لإقليم شرق الدلتا الثقافى ضمن جلساته رواية الكاتب الصحفى الأديب الدكتور أحمد عبد الهادى رئيس حزب شباب مصر " العشق فى الزمن الحرام " . وقد طرح الأديب محمد عبد الله الهادى دراسته حول الرواية خلال المؤتمر الذى تم تنظيمه الأسبوع الماضى بعنوان " الأدب وقضايا الوطن .. مشكلات معاصرة " والتى قال فيها : رواية الدكتور أحمد عبد الهادى رواية قصيرة حيث تقع أحداثها فى أقل من 90 صفحة من القطع المتوسط وهو العدد الأول من سلسلة كتاب شباب مصر الصادرة عن حزب شباب مصر وهذا أمر طيب أن تتبنى الأحزاب السياسية إصدار سلاسل أدبية أوثقافية تخاطب الرأى العام ولايقتصر خطابها أوبرنامجها على الشأن السياسى فقط كما هو الحال فى معظم الأحزاب المصرية . سواء من كانت قائمة قبل ثورتى 25 يناير و30 يونيو أومن قامت وظهرت بعدهما باستثناء حزب التجمع اليسارى القديم الذ ى لم يغفل منذ تأسيسه هذا الأمر . وكانت له إسهاماته الواضحة فى هذا المجال قبل تقهقره وتراجعه فى السنوات الأخيرة . يهدى الكاتب روايته إلى قريته : إلى السمارة قريتى الصغيرة .. وزمن قد ولى وعنوان الرواية يحيل مباشرة لحالة العشق التى قدر لها بالنسبة للعاشقين فى الوراية أن تكون زمنيا " الزمن الحرام " وهى كما يصرح الكاتب " زمن قد ولى " رغم الإشارة إليه برموز وإشارات تحدده ولايخفى على القارئ هذا العشق نشأ وتنامى منذ الصغر بين " أحمد " الصبى القروى إبن السمارة وبين أسماء الطفلة القروية وكبر معهما متحديا هذا الزمن عبر 18 فصلا متتاليا هى مجموع فصول الرواية ومن خصائص السرد بهذه الفصول أن العبارات والجمل السردية تمتاز فيها بالقصر مع الإقتصاد فى الحكى بالكلمات القليلة وعدم الميل للترهل بالثرثرة اللغوية أوالإفاضة فى وصف الشخوص والملامح أوالمؤثرات النفسية المبررة للأحداث ذلك أن الراوى يسلك طريقا مختصرا نحو هدفه فلايحيد عنه . لاتغريه الزخارف أوالحيل أوجماليات الوصف معتمدا على لغة بسيطة واضحة موحية خالية من الأخطاء إلا فى القليل النادر قريبة فى كثير من الأحيان من السطر الشعرى الذى يخلو من الغموض الفنى . وإن لجأ كاتبنا أحيانا إلى الرمز المعبر . ونجح كثيرا فى اللجوء إليه . مع كيفية توزيع وتشكيل هذه العبارات على مساحة الصفحة البيضاء أمام عين وعقل القارئ دون وصفها وصفا تقليديا . ولنتأمل هذه الفقرة من صفحة 16 من الرواية : " وأقلك الأتوبيس من العقبة إلى عمان .. كانت الصحراء عريضة .. وكنت كحبة رمل تائهه فى قلب الجبال والدموع متحجرة فى العين المرهقة والفراغ ورائحة الموت والوحدة .. والفقر والقلم اليتيم والأوراق .. وأسماء " السرد فى كل الرواية بضمير المخاطب الذى عرف تاريخيا مع الفرنسى ميشيل بوتور فى روايته " التحولات " والذى شاع إستخدامه فيما بعد بين عدد من الروائيين العرب . وهو السرد الذى يكون المروى له بطل الرواية أوالشخص الذى يرى العالم من بؤرته وهو يعتبر من أحدث الأشكال السردية إستخداما فى الرواية بعد ضميرى المتكلم والغائب . ومن السمات الروائية هنا أيضا إستلهامها التراث حيث يوظف الكاتب التراث الشعبى الشفهى توظيفا جيدا جدا فى خدمة الحدث عندما تتوازى حدوتة " الشاطر غريب / الشاطر حسن " وبحثه عن حبيبته " ست الحسن والجمال " ومايلاقيه من متاعب فى البحث عنها مع قصة العشق فى الرواية بين " أحمد وأسماء " فتتماهى الحبيبة " أسماء / ست الحسن والجمال " مع الوطن / مصر . " كان ياما كان .. فى سالف العصر والأوان .. كان فيه فارس جميل إسمه الشاطر غريب .. سجنوه ظلما تحت الأرض وهو فى طريقه للبحث عن ست الحسن والجمال " ص17 كما تستدعى الرواية من التاريخ بعض أحداثه الملتبسه عندما تشير فى موضع آخر لقصة قدوم " السيد البدوى لطنطا بمصر بعد وفاة الحجاج بن يوسف الثقفى لنشر المذهب الشيعى . وتناقض هذه الحقيقة التى يقر بها الراوى مع إيمان العامة بالشيخ كرمز دينى له معجزاته رمزا للخرافه وغياب الوعى ص30و31 ومن الحيل السردية الملفته للنظر أيضا لجوء الكاتب لحذف بعض الكلمات من العبارات لتسريع وتيرة السرد من ناحية والإعتماد على ذكاء القارئ من ناحية أخرى ... الحذف يعتمد على حذف بعض الكلمات ويطلق عليه الحذف المكانى أو"المعرفة المضمرة " إذ يعمد فى كثير من الأحيان إلى حذف كلمات من عباراته فى محاوله منه لإشراك القارئ بانتاج النص فلايصير القارئ طرفا سلبيا يتلقى النص دون إكتراث أولامبالاة بل عليه أن يملأ الفراغات التى يتركها ويمنحه الفرصة ليس فى القراءة فحسب وإنما فى إعادة النص لغوية وصناعته لفظيا . حتى شكل الإقتصاد اللغوى هاجسات لدى الكاتب . وأمثله الحذف كثيرة فى الرواية وعلى سبيل المثال لا الحصر : " لاياعم بيومى .. الشاعر يقصد بالكعبة ..... " ص62" يؤكد أنه لم ....... ص77 أعدكم بعد نجاحى فى الإنتخابات أن ..... ص 85 ويعرف أيضا أنك ...... ص86 إلى آخره من عبارات المعرفة المضمرة كما يلجأ الكاتب لحيله أخرى تميز السرد فى الفصل 15 الذى يعتبر مغايرا لما سبقه أومايليه من فصول حيث يعتبر أطول فصول الرواية حجما حيث تقتراب صفحاته من العشرين صفحة . يستثمر فيها الكاتب مهارته فى كتابة القصة القصيرة فى رسم ملامح الزمن الحرام من خلال عدة قصص قصيرة جدا يستدعيها من أوراقه ويومياته وقصصه . قصص قصيرة تبدو كأنه لاعلاقة لها بالحدث الرئيسى للرواية . ولكنها فى الحقيقة جزء كاشف ومهم لايتجزأ عنه . نحن أمام عاشق مثقف . فالمروى له أوالبطل المخاطب قارئ جيد لديه مكتبة عامرة ويمارس عمله كصحفى ناجح ويكتب القصة أحيانا . تهاجمه الذكريات وهو يحدث فى خيوط العنكبوت التى إحتلت أركان حجرته . " ... يتراءى لك القطار العملاق آتيا من بعيد .. أسود كالشبح .. يخترق سحب ضبابية كثيفة .. وقطعة بشرية عارية .. لايد لها أوقدم .. كلها برأس كبير .. لها عين وفم وأذن .. تقف أمام القطار .. لاتأبه بصفيرها أو بالموت الزاحف أسفل عجلاته .. يمر من فوقها .. يخلفها ألف أخرى حية .. تنزف دماء غزيرة .. تتألم .. وتقف كلها أمام ألف قطار قادم عملاق يخترق سحب ضبابية .. " ص8 وكأن هذا القطار الأسود هو الزمن الحرام بكافة وجوه ورموزه التى إستباحت الوطن وسلبته أجمل مافيه . وداست بعجلاتها الحديدية القاسية على طموحات وأحلام شبابه المخلص ووأدت قصص عشقهم البريئة ودفعتهم دفعا إما للسلبية أوبيع ضمائرهمأوالهروب من واقع يسشترى فيه الفساد للغربة والشتات حيث يلاقون الإذلال وتتعاظم فى الوطن الخرافة وينعدم الوعى بين العامة ويسهل التحكم فى مقادير الناس من خلال قوى إقتصادية إستغلاليه متوحشة وتتسلح بالخداع وتتقوى بالمال . تزيد الفقراء فقرا لصالح سارقى الوطن من أمثال " عادل رياض " المرشح والنائب الذى ساوم أحمد ذات يوم : إسمع لماذا لانقتسم السمارة معا ؟ ص 35 ثم محاربته له عندما يرفض الإنصياع له . يخرج العاشق المحبط من حجرته متوجها لمولد الطاهرة الشيخة سلمى بالقرية . ومع حركة أحمد فى جوانب المولد تتوالى الأحداث عبر الذاكرة . ويستخدم الراوى تيار الوعى بنجاح أمام الأغراب والحاوى وخيام الخدمة وصندوق النذور وحلقات الذكر فنعرف أحداث قصة العشق الفاشلة مع أسماء إرتباطهما كطفلين تحت ظل صفافة خضراء على شاطئ ترعة ثم الذهاب للمدرسة وسنوات الدراسة .. عشقه للكتابة والأدب وعصا الأب تنهال عليه وهو يمارس الأدب . الصحافة التى ترفض كتاباته وتطالبه بنوعية معنية : كتاباتك .. صدقنى جيدة ونحن فى أمس الحاجة إليها .. لكن ماباليد حيلة " ص81" وسنوات السجن والإعتقال بسبب الأفكار السياسية والتهمة جاهزة والمضبوطات هى مجموعة كتب المكتبة . والخال العائد من معتقل عتليت الإسرائيلى بعد الهزيمة العكسيرة عنوانا لعصر .. الهروب عبر ميناء نويبع للعمل فى الأردن وتعرضه للمهانة والإذلال فى الغربة .. خطابات أسماء تناشده أن يلحقها وينقذها قبل الفضيحة بعد أن إنزلق معها للهاوية فى لحظة ضعف .. فحملت منه .. بعد رفض أبيها له كعريس عندما تقدم لها بسبب فقره .. وهى الكتابة يابنى بتأكل عيش " ص41" أمر طبيعى فى الزمن الحرام أن تموت المعشوقة " أسماء " على يد أبيها بعد ليلة دخلتها ليلة المولد عندما إكتشف عريسها فقدانها لعذريتها .. ومن الطبيعى أيضا أن يتقل العاشق أحمد وسط المولد بطلق نارى من سارقى الوطن " هزمونا يا أسماء .. قتلونا فى ليلة واحدة .. والقطار أسود عملاق .. والرأى فى المواجهة " ص90 وتنتهى الرواية بتساؤل مشروع كأنه تساؤل إستنكارى بعد أن عرف أن الوجه المنشطر أمام القطار هو وجهه : " رباه هل كان يجب أن أدفع عمرى ثمنا لإكتشاف هذه الحقيقة وأنا وسط هذا المولد " ص91"