رغم كل الأحداث الدامية التي تجري في مصر الآن والتي يعرفها ويتابعها القاصي والداني والتي تبدو في ظاهرها عشوائية وفوضي وانفلات وبداية طريق الضياع , إلا أنها في يقيني مخاض حقيقي لميلاد جديد من رحم اليأس والإحباط لدولة عظيمة اختفت طويلاً من خريطة العالم رغم أنها تمتلك من المقومات ما يؤهلها لأن تكون دولة عظمي في هذا الكون إذا ما توافرت لها إدارة واعية فاهمة شريفة مخلصة لله وللوطن . لا أقول ذلك تفاؤلاً أو من باب رفع المعنويات بل أكتبه يقيناً راسخاً من قراءة التاريخ واستشراف المستقبل . لن تمر مصر بفترة ركدت فيها المياه وتلوثت فيها الحياة والأخلاق وتراجعت بلاد بمساحة مليون كيلو متر مربع وشعب يقترب من التسعين مليون إنسان وتاريخاً ضارباً بجذوره في عمق التاريخ يمد وجدان الإنسانية كل حين بمصادر للإلهام , أقول لن تمر مصر بفترة كما كانت عليه في العقود القليلة الماضية . لقد أفاق الشعب والجميع الآن يدفع فاتورة الفساد في الحكم والمناصب والمحسوبية والشللية , الكل يتألم ألماً حقيقياً وما هذا الألم إلا ميلاداً جديداً لكراهية الظلم والاستعلاء والفساد والسكوت علي المظالم ما ظهر منها وما بطن , ولا يوجد أبداً ميلاد بلا آلام للمخاض . الآن مطلوب أن يتبدل مفهومنا للصبر والذي تعودناه استسلاماً للأمر الواقع وإيثاراً للسلامة إلي مواجهة الواقع وتحمل آلام تلك المواجهة . يا كل مصري لا تكن سلبياً بعد اليوم , شارك , لا تستهن بدورك , بكلمتك , بموقفك , فلكم كانت استهانتك بنفسك وقوداً شرهاً لتجبر الظالمين . أنت مهم بل مهم جداً لمستقبل هذا الوطن بل ولتلك الأمة بأسرها . تابع وافهم وأنقد وتعلم . كن إيجابياً كما علمنا ديننا , كن شجاعاً كما كان أجدادنا , كن عزيزاً كما أراد الله لك , كن محباً للإنسانية وللحق والعدل والخير كما كانت حضارتنا عبر قرونٍ طوال منارة لبني الإنسان . سوف تزول الغمة .. سوف ينقشع الغبار .. سوف تنطفئ الحرائق.. وسوف نري بوضوح جلي أن المصري الجديد قد ُولد أقوي بكثير مما كان , واعياً بحقوقه مؤدياً لواجباته , مستمسكاً بمستقبلٍ أفضل جداً من ماضيه , عيونه مفتحة علي حكامه , يراقبهم , يقومهم , يختار مشرعيه , سوف ينتقل المصري لخانة الفاعل بعد أن كان مكث طويلاً في خانة المفعول به في الجملة الاسمية . سوف نعشق الجمل الفعلية , البنائية لوطن يستحق أن يكون في طليعة الأمم . لقد بدأنا نشعر حقاً بروعة أن يكون لنا وطن كلنا شركاء في بنائه بعد أن عشنا طويلاً غرباء في بلادنا , سلبه منا حزب أناني شديد الأنانية كان يتضخم كل يوم , أسمه ( حزب المنتفعين بالفساد ). في مصر الجديدة سوف يكون الكذب عاراً وسوف تكون الرشوة عاراً وسوف تكون السلبية عاراً وسوف يكون السكوت عن الحق عاراً وسوف يكون إهدار ثروات الوطن عاراً . سوف يتغير المصري الجديد بعد أن يبصر بجلاء نواتج حكم الفرد ونواتج هتاف " بالروح والدم نفديك يا فلان " لن نختزل الوطن كله بعد ذلك في فرد مهما كان , لن نضع صورة الحاكم بعد اليوم في كافة المصالح الحكومية بل سنضع صورة ذهنية واضحة لوطن كاد أن يضيع منا نتيجة خدمة الفساد والسكوت علي المفسدين ! وصورة أخري لمواطن مرفوع الرأس موفور الكرامة داخلياً وخارجياً , وطناً مهاباً , حصناً للشرفاء وليس طارداً لهم , وطناً لكلمة الحق الشجاعة البناءة وليس للطبل والطبالين ! وطناً سوف يتقدم فيه العلماء والمخلصين ويتراجع للمقاعد الخلفية الجهلاء والمنافقين . المصري الجديد – بإذن الله – آت بفجرٍ جديد وصبحٍ جديد ودولة جديدة , ومن فوهة البركان سوف يولد . إنني أكاد أراه أوضح بكثير مما أري سطوري التي أخطها . يا رب أنصر مصر . الجمعة 25 نوفمبر 2011