الدكتور رمضان حسين الشيخ إنني في هذه المقالة لا أدعو إلى المثالية أو الخروج من الواقع، بل أدعو فقط لإيجاد حل معقول في مجتمع يضج بالسلبية والتشاؤم، والإحباط. لكل منا أسلوب حياة مختلف وفكر منطقي يواجه به الظروف والتحديات، ولأن الطاقة الإيجابية جوهر العطاء والنجاح في مساقات الحياة بأشكالها، لذا فإن الحياة ميدان عمل وكفاح، وتفاؤل ونجاح، ولا تخلو من عسر ويسر، ومتاعب وشدائد، قال الله سبحانه في كتابه الكريم "لقد خلقنا الإنسان في كبد" أي: في شدة وعناء من مكابدة الدنيا. ولكن الإنسان الإيجابي المثابر ينظر إلى الجانب المضيء في كل شيء مستبشراً بالخير، فينتقل بالتفاؤل والأمل إلى التفاعل والعمل؛ وهذا ما حثنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"، لأن الاستكثار من غرس فسائل الخير ينتفع به وطننا الحبيب مصر وشعبها العظيم، ويكون الإنسان إيجابياً في حياته، فالإيجابية هي اكتساب الصفات والمهارات النفسية والعملية التي تحقق السعادة للمرء وللآخرين، وتمكنه من التغلب على الضغوط، وحسن التعامل مع الظروف، والاستثمار الجيد للواقع، وصناعة المستقبل الزاهر، والابتعاد عن كل ما يجلب اليأس والمعاني السلبية؛ فمن الإيجابية أن لا يستمع الإنسان للمحبطين الذين يعوقون الناس عن كل خير، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من يشيع روح اليأس والسلبية في الناس، فقال صلى الله عليه وسلم "إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم"، لأنه قنطهم من رحمة الله، وأيأسهم من غفرانه. فمصاحبة الإيجابيين تحفز الهمة، وتدل على الصواب، وتشجع على العمل، فيحافظ المرء على تقدمه، وإنجاز طموحاته. فالحل الأمثل للمشكلات يكمن في إيجابية التعامل معها، وتفهم أخطاء الآخرين، فننصح الناس بالحسنى، ونوجه الأبناء للأفضل، ونذكر الناسي، ونعلم الجاهل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ذلك؛ فعن عباد بن شرحبيل رضي الله عنه قال: أصابني فقر وجوع، فدخلت بستانا من بساتين المدينة ففركت سنبلا، فأكلت وحملت فى ثوبي، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له "ما علمت إذ كان جاهلا، ولا أطعمت إذ كان جائعاً"، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن العقوبات السلبية، وأرشده إلى المعالجات الإيجابية العملية. الإنسان الإيجابي يتميز بالأخلاق الفاضلة في التعامل، فيقابل الناس بابتسامة وبشر، ويبث فيهم الأمل والسرور، فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم مريضا، فقال له "أبشر، فإن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا، لتكون حظه من النار في الآخرة"، ففتح له صلى الله عليه وسلم أبواب الأمل حتى ينسى الألم، فما أحسن أن نفتح لأنفسنا أبواب الأمل بإيجابية، فالزوج الإيجابي ينظر دائماً إلى الجانب المضيء في زوجته، وكذلك الزوجة مع زوجها؛ لتدوم المحبة بينهما، وكبير السن يعتني بصحته، ويمارس الرياضة، ويجدد نشاطه، ويُقبل على الحياة وينعم بها، فقد أدى واجبه، والمتقاعد يستثمر وقته في القراءة والاطلاع، فينفع أبناءه وأحفاده بخبرته، ويمنحهم من عمق ثقافته، ويتقرب إلى الله تعالى بطاعته، وبالمشاركة في الأعمال التطوعية، فلا ينقطع خيره، ولا يقف عطاؤه، والموظف الإيجابي يذهب إلى عمله بانشراح صدر، وتبسم وبشر، ويتقن عمله، فيرضي ربه، وينفع نفسه ووطنه، والمرأة ترعى أولادها، وتحافظ على تماسك أسرتها، وتسعد من حولها. والحق أن الإيجابية لا تحتاج إلى معجزة لتحقيقها، بل هي بسيطة سهلة بحسب قدرة كل شخص على التعرّف على ميوله النفسية ومواقع نجاحه وإبداعه، فالنفس كالأرض إن استصلحها صاحبُها واستثمرها، واكتشف ما فيها من كنوز ومعادن أمكنه الاستفادة منها على الوجه الأكمل، وعلى قدر تقصيره في اكتشافها يفوته الانتفاع بها. الإيجابية سرّ من أسرار النجاح بعد توفيق الله وعونه، وإذا استطاع لينين وماركس أن يكونا إيجابيين تجاه أفكارهما فأخذا بالأسباب الكونية حتى قامت الشيوعية، حينًا من الدهر رغم مناقضتها للفطرة، فنحن أولى بذلك، فالأسباب الشرعية التي معنا تمكّننا من نشر رسالتنا في أرجاء الدنيا إن كنا إيجابيين تجاه أنفسنا وديننا ودعوتنا، والإسلام عقيدة تستقر في الذات ثم لا تلبث أن تنتشر في محيط الفرد. الإيجابية لا تعرف سوى لغة التفاؤل، ولا ترى سوى النصف الممتلئ من الكأس، مفتاحها حسنُ الظن بالله، وفي الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي"، ولو أن المصريين أحسنوا الظن بربهم على مستوى الأفراد والشعب ككل لتغيّرت أحوالهم، واستعادت عافيتهم، وجلّ الله أن يظنّ عبده به خيراً ثم يخيّب ظنّه به، لكن السلبية والوهم وتتابع الضربات المؤلمة، جعلت الكثير من أبناء وطني العزيز يضيعون في أزقة المتاهات ولو كانت على ورق، وتقتلع هممهم أدنى زوبعة حتى لو كانت في فنجان. عزيزي القارئ.. إن اختلاطنا بالمتشائم، أو كثير التذمر على سبيل المثال سيؤثر سلباً على طباعنا وتصرفاتنا لا شعورياً. لذلك إن واجهت صعوبة في إضفاء بعض من الإيجابية على يومك فراجع دائرة علاقاتك. فالسلبية، وكذلك الإيجابية مُعديتان في شكل كبير. الإيجابية تعين على رؤية وتذوّق أجمل ما في الحياة بدلاً من تضييع العمر في اجترار المآسي واستذكار الآلام، وهي لا تشترط المثالية لكي نحققها، فنحن بشرٌ نصيب ونخطئ، ونفلح ونقصّر، وننجح ونفشل، وإنّ وقوعنا في الخطأ لا يعني الاستسلام للإحباط وجلد الذّات، بل يعني مزيداً من الاستعانة بالله (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) واستدراكًا للخطأ، وما سوى ذلك يعني الهبوط المتدّرج بالإحباط ثم الموت البطئ، إنّ الماء العذب الزلال يأسن الماء إذا لم يتحرك، والجواد الأصيل يصبح طعاماً للديدان إذا لم ينهض من كبوته. ولكي نتمكّن من استثمار الإيجابية وتوظيفها، لزمنا أن نتحلّى بإيجابية الفكر، وإيجابية السلوك، وإيجابية النظرة إلى الأمور، وإيجابية التفاعل والتعاون، مع الهمّة والتصميم على تحقيق العمل المفيد، وطرد الخجل - وفرق بين الخجل والحياء - فمهما كان الإنسان خجولاً فإنه لن يمتنع من الزواج لأن الدافع قوي، ومهما كان الإنسان خجولاً فلن يمتنع من طلب الرزق لأن دافع الكسب أقوى. ومفتاح ذلك كله الثّقة بالله، مع عدم الالتفات للمعوّقات. أيها المصريين .. يجب أن نعلم جيداً أن الصحابة هزموا يوم غزوة أحدٍ بسبب المخالفة وعدم اتباع التعليمات والنصح وكان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأحد أولي العزم من الرسل ومؤيد بالوحي. ويتبع هذا الحذر من البرمجة السلبية "كذا تعودنا، ما نقدر، مستحيل"، ثم الاعتراف بحاجتنا إلى التغيير والصبر على ذلك، إذ لا يوجد علاج أو وصفة سحرية تحقق التغيير ما بين طرفة عين وانتباهتها، ولابد من المجاهدة، وتحديد الأهداف وعدم استكثار ما نبذله لتحقيقها، ولابد دون الشّهد من إبر النحل "والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا". ومن الإيجابية أن يكون المرء متفائلاً في أقواله، فينطق بالكلمات السديدة، والألفاظ الحكيمة، يشجع ولا يثبط، ويبشر ولا ينفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بشروا ولا تنفروا" فالكلمة الإيجابية لها أهميتها الكبرى، فهي تأخذ بمجامع القلوب، ويبقى أثرها الجميل في النفوس، ويؤجر صاحبها، قال صلى الله عليه وسلم " الكلمة الطيبة صدقة". عزيزي القارئ: هل رأيت الصخرة إذا اعترضت ماء يجري هل يقف الماء؟ لا يقف بل يذهب يمينا ويسارا ليتجاوزها، وهكذا الإنسان صاحب الطاقة الإيجابية. فأين نحن من الإيجابية بكافة صورها ومظاهرها ومجالاتها؟ هل نحفز أبناءنا على التعلم بإيجابية؟ وهل ننمي مهاراتهم العلمية والعملية بإيجابية؟ وهل نوطد علاقاتنا الاجتماعية بإيجابية؟ إنها تعيننا على بناء علاقات طيبة مع الآخرين، وتمكننا من المرونة في التعامل معهم، وتدفعنا إلى الأفضل، وتفتح لنا أبواب التفاؤل إلى المستقبل، وتيسر أسباب النجاح أمام صاحب كل طاقة، ورؤية متفائلة؛ للتطوير والإبداع، في كافة المجالات، فالإيجابية تغير وجه الحياة إلى الأفضل. إن من ثمرات الإيجابية أن يظل المجتمع في ارتقاء متنام، وتقدم متزايد، يطمح إلى التميز، ويهدف إلى الفاعلية والبناء، لا توقفه العقبات، وعندها سنكون أكثر منعة، وأكثر قوة، وأكثر رحمة بالآخرين، وأكثر شجاعة في مواجهة المشكلات، وأكثر ثقة في قدرتنا على حلّها، وأقدر على الابتكار والإبداع، وأكثر جاذبية في الفكر والحوار، وأكثر حماساً لقضايانا، بدلاً من أن نشتغل بالهدم دون البناء، وبدلاً من الاستهانة بالمهاترات ولو كانت صغيرة، وتضييع الطاقات ولو كانت محدودة، فمصانع الصّين الصغيرة لكثرتها وحسن الاستفادة منها استطاعت أن تغرق أسواق العالم بمنتجاتها. عزيزي القارئ.. أن نتغير ونغير من حولنا في حدود إمكاناتنا وقدراتنا بدل العيش مكبلين بأوهام الطاقة السلبية... نعم، ربما يكون اتهامنا بسلبيتنا نحن - المصريين - فيه شيء من الصحة، لكن الأهم إيماننا بقدرتنا على التغيير، والتفكير بحلول أكثر للتحكم بما يمكن تغييره، (عواملنا الداخلية). عندها فقط ستصبح الطاقة الإيجابية في مجتمعنا ثقافة. اللهم ارزقنا الإيجابية في حياتنا، واهدنا لأحسن الأقوال، وأفضل الأعمال، ووفقنا لطاعتك، وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته. الدكتور / رمضان حسين الشيخ متحدث تحفيزي وموجه شخصي ومهني باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة الخبير الدولي في التطوير المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي مصمم منهج فرسان التميز لتغيير فكر قادة المؤسسات [email protected]