عميرة ايسر -عرفت العلاقات الإيرانية الروسية، تطور ملحوظا في السنوات الأخيرة، عقب وصول فلاديمير بوتين إلي سدة الحكم في روسيا ،والرؤية المشتركة الإستراتيجية التي صارت عقيدة سياسية لدي كل من طهرانوموسكو في مواجهة جملة من التحديات الإقليمية والدولية المشتركة والتي باتت تهدد الأمن القومي ولهاتين الدولتين ومصالحهما الجيواستراتيجية والاقتصادية وخاصة في منطقة القوقاز والشرق الأوسط برمته فإيران التي عملت من خلال زيارة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في مرتين متتاليتين أحداهما سرية والأخرى معلنة والذي عمل علي إقناع الروس بضرورة التدخل العسكري في سوريا ودعم نظام بشار الأسد لان سقوطه يعني تهديدا مباشرا لمصالح الروس الحيوية ليس في الشرق الأوسط فقط وإنما كذلك في دول أسيا الوسطي والدول المحيطة بروسيا جغرافيا بل تمتد إلي عمق الدول المحيطة ببحر قزوين الذي يشكل أهمية إستراتيجية كبري في العقيدة الأمنية الروسية إذ عملت مع حليفتها إيران علي عقد قمة لمنظمة الدول المطلة علي شواطئ بحر قزوين الذي يعتبر اكبر بحر مغلق في العالم بمساحة تقدر ب371الف كلم مربع ويتجاوز طوله1200كلم أما عرضه فحوالي 300كلم,وعمقه يقدر بأزيد من 1023متر وتصب فيه انهار مهمة كنهر الفولغا الروسي وتوجد به عدة جزر مأهولة وغير مأهولة ,وله أهمية طاقوية واقتصادية قصوى إذ حسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين فانه يحتوي علي أزيد من 70الي80مليار متر مكعب من النفط الخام وهذا الرقم يفوق احتياطي السعودية النفطي بمرتين ونصف,بالإضافة إلي حوالي 250ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ولا ننسي انه موطن للكافيار الفاخر الذي يصدر إلي كل دول العالم تقريبا,وتضم هذه المنظمة إضافة إلي روسياوإيران كلا من اذرابيجان وكازاخستان وتركمانستان ,وقد اتفقت هذه الدول في أخر قمة عقدت بينها علي منع تواجد أي قوة عسكرية أجنبية فيه وكذلك اتفق المجتمعون علي عدم السماح لأي قوة غير قواتها بالتواجد حتى علي شواطئه ,إضافة لتقاسم ثروات بحر قزوين فيما بينها دون تدخل خارجي,فالتعاون الروسي الإيراني لا يقتصر علي هذه المنظمة فقط بل للبلدين تواجد فعال ومهم في منظمات إقليمية مهمة عديدة من بينها منظمة شنغهاي التي تضم أيضا دولا كطاجاكستان وكازاخستان وقرغيزيا وأوزباكستان والصين وسيتم تعديل ميثاقها الداخلي ليسمح بانضمام دول رأت في هذه المنظمة البديل عن الأحادية الأمريكية كالهند وباكستان التي تريد أن تكون دولا كاملة العضوية بها وتستفيد بالتالي من امتيازاتها السياسية والاقتصادية العديدة والمتميزة وقد كان للمنظمة مواقف عدائية اتجاه سيطرت الولاياتالمتحدةالأمريكية علي أسيا الوسطي إذ دعتها قمة2005 إلي إنهاء وجودها العسكري وغلق قواعدها الجوية في هذه المنطقة الهامة من العالم وقامت قوات هذه الدول بإجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة في سنة2007بالقرب من جبال الاورال الصينية,وقد قامت بتأسيس بنك ومصرف مالي وصندوق للتنمية داخل هذه الدول بالإضافة إلي نادي للطاقة,ورفضوا إنشاء نظام صاروخي بالستي كالذي يقوم بتطويره حلف الأطلسي لان ذلك برأيهم يشكل تهديدا للأمن والسلم العالمي,ودعوا لايجاد حل وتسوية للازمة السورية بعيدا عن الحل العسكري,فكل من روسياوإيران تسعيان إلي لعب دور مهم ومحوري في أسيا الوسطي ومنع الولاياتالمتحدةالأمريكية من الهيمنة علي هذه المنطقة لأنها بالتالي ستضيق الخناق علي المصالح الحيوية لهذه الدول فيها,فالروس والإيرانيين يسعونا لي تجاوز خلافاتهم التاريخية العميقة بالتعاون في كافة المجالات المتاحة لذلك , إذ يذكر الدكتور والباحث الروسي فلاديمير ساجين الخبير في معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم خلال 500عام عرفت العلاقات بين الدولتين كل شيء,عرفت حربين في بحر قزوين قي القرن18,وتوقيع معاهدة للصداقة السوفيتية الإيرانية سنة1921,تسمح بدخول القوات السوفيتية إلي إيران إذا جري تهديد حدودها,لذلك لم تقم أمريكا قاعدة عسكرية علي أراضي إيران قبل الثورة الإسلامية فيها عام 1979,وفي سنة1958 انضمت طهران لحلف بغداد وهذا ما أزعج السوفيت وأثار حفيظتهم ولكن سرعان ما عادت العلاقات السياسية للتحسن بين الدولتين في أواسط الستينات من القرن المنصرم,وساهمت موسكو في تأهيل كوادر عسكريين ومختصين إيرانيين في كافة الميادين حتى عندما كانت إيران ابرز حلفاء أمريكا في المنطقة أيام الشاه محمد رضا بهلوي,وعندما نجحت الثورة في استلام زمام الحكم في البلاد بعد الإطاحة بالنظام الملكي كانت حذرة جدا في تعاملها مع السوفيت لكن العلاقات بدأت في التحسن تدريجيا مرة ثانية بعد وصول بوتين إلي بيت الكرملين,وفي سنة2010باشرت روسيا في بناء مفاعل بوشهر النووي وراحت تحدث سكك إيران الحديدية رغم آن روسيا ساندت القرارات الدولية التي فرضت عقوبات اقتصادية علي طهران فيما يخص برنامجها النووي وقام الرئيس الروسي مدفيدف بإيقاف تنفيذ شحنة الصواريخ اس300التي كانت إيران قد وقعتها مع روسيا سنة2007,وبالمقابل وفي أوج الخلاف الغربي الإيراني وقبل توقيع الاتفاق النووي بينها وبين الدول 5+1ورفع العقوبات الاقتصادية عنها بالكامل كان الروس يرفضون توجيه أي ضربة عسكرية إلي طهران مثلما دعت إليه دولا أخري كالسعودية أو إسرائيل ,فالتغير في العلاقات بين البلدين وعلي عدة محاور يعكس رغبة قيادة كل من روسياوإيران في تجاوز خلافات الماضي والانطلاق نحو مستقبل مفتوح لمواجهة عدة تحديات يفرضها النظام العولمي الذي لا يعترف إلا بسياسة القوة ومنطق التكتلات والأحلاف السياسية والاقتصادية والعسكرية,فمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين والتي تنص أهم بنودها الرئيسية علي التعاون في ميدان الطاقة والغاز الطبيعي وكذا ربط شبكة الطاقة الكهربائية الروسية عبر خط اذرابيجان وإنشاء محطات حرارية مائية,ولا يقتصر الأمر علي هذا الحد بل إن التعاون بينهما سيشمل قطاعات حيوية كالنقل وإنشاء خطوط حديدية للسكك الحديدية, هذا إضافة إلي التعاون في المجال المالي والبنكي من اجل تسهيل المبادلات الاقتصادية بينهما,فحجم التبادلات التجارية بين البلدين بلغت 2مليار دولار في العام وسيرتفع هذا الرقم إلي 10مليارات دولار في ظرف4سنوات المقبلة,وحسب ما ذكرته وكالة نوفوستي الروسية فان موسكو ستقوم بإقراض طهران5مليار دولار من اجل تمويل مشاريع مشتركة مستقبلا,فيما هناك مشاريع روسية إيرانية أخري قيد الانجاز بلغت قيمتها المالية 40مليار دولار أمريكي,فالاقتصاد هو احد الركائز الأساسية في علاقة البلدين من اجل خلق عالم متعدد الأقطاب وكسر الهيمنة الأمريكية التي استمرت منذ سقوط الاتحاد السوفيتي فروسيا بوتين لن تنسي كيف كانت أمريكا والغرب تتحكم بمقدرات البلاد السياسية والاقتصادية وبالأخص في فترة ولاية الرئيس بوريس يلتسن الأولي,حيث كانت واشنطن من يتحكم بمفاصل الاقتصاد والدولة الروسية المنهارة إلي حد كبير,إذ كان هناك حوالي أزيد من 18خبيرا ماليا أمريكيا في روسيا يحددون ما هي الأمور التي يجب تمويلها ولها الأولية في السياسة الماليةلموسكو وما هي الأمور التي لا تستحق التمويل ,فالميزانية العسكرية كانت ضعيفة جدا في ظل انخفاض أسعار البترول إلي حدود 10دولار مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي علما أن روسيا كانت ولازالت تعتمد عليه بشكل مهم في تمويل اقتصادها رغم أن احتياطاتها المالية حاليا تتجاوز 250مليار دولار,فتلك الفترة المؤلمة والسيئة جدا من تاريخ روسيا كما يقول الدكتور رجب صفاروف مدير مركز دراسات إيران المعاصرة والذي صنف من طرف المركز الأمريكي للأبحاث سنة1998كواحد من افضل100خبير في السياسة الدولية واحد المختصين 4الكبار في الشؤون الإيرانية,والذي يري في ما تقوم به روسيا حاليا في تقاربها ألمصلحي والتاريخي مع إيران ومواقف البلدين المشتركة في عدة قضايا دولية كمحاربة الإرهاب والتصدي للهيمنة الأمريكية الامبريالية ودفاعهم عن القضايا العادلة والدعوة إلي عالم مختلف يكون لجميع دوله الحق في التنمية والعيش في امن وسلام بعيدا عن الضغوط الأمريكيةالغربية,ويضيف الدكتور طلال عتريس المختص في الشؤون الإقليمية ,بان داعش والتي هي صناعة غربية إسرائيلية باتت تهد السلم والأمن العالمي وبالتالي فان علي روسياوإيران ضربها عسكريا في سوريا من اجل أن لا يصل خطرها إلي حدودها السيادية كدول,ويمتد ليشمل دول أسيا الوسطي في ظل وجود أكثر من 57الف موقع الكتروني من اجل تجنيد الشباب في هذه الدول وحثه علي الالتحاق بهذه التنظيمات الوهابية التكفيرية كالنصرة وداعش فسيناريو أفغانستان لا يزال ممكن الحدوث ووجد ساحة بديلة له عوض أفغانستان وهو سوريا,التي يعني سقوط النظام فيها انطلاق هؤلاء المسلحين نحو الدول التي جاؤوا منها من اجل نشر فكرهم المنحرف وجزء كبير منها يقع في أسيا الوسطي ومنطقة بحر قزوين,وهذا ما تريد إيران تلافيه حسب رأي الدكتور عوض حيدر بور عضو لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني,ويؤكد بان الغرب وأمريكا الذين كانوا يرفضون أي حوار مع إيران أو الاعتراف بها كقوة إقليمية مؤثرة باتوا مجبرين علي التعامل معها كلاعب أساسي في حل مشاكل المنطقة بجانب روسيا وبدا الأمر جليا عقب توقيع الاتفاق النووي معها,فالتعاون الإيراني الروسي الذي غير معادلات الصراع في الميدان السوري حسب اعتراف رئيس الأركان الأمريكي مارتن ديمبسي بات يشكل خطورة في وجه السياسات الأمريكية في مناطق مهمة من العالم وهذا ما دفع بهم إلي ضرورة إيجاد تسوية سياسية للازمة السورية وحث السعودية علي إنهاء تدخلها العسكري في اليمن فرغم أن أمريكا قد لعبت ورقة الطاقة من خلال إنشاء خط باكو جيهان من اجل نقل غاز باكو في بحر قزوين إلي ميناء جيهان التركي عبر تيلسي الجورجية واستغرق انجازه أزيد من 11سنة في ظل الحديث عن احتياطي يقدر ب300مليار برميل من الطاقة وقدرة الخط علي توفير احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي بعيدا عن غاز شركة بروم الروسية,ولكن أمريكا باتت تدرك جيدا التكلفة العالية لتشغيل هذا الخط وقدرة روسيا علي إغلاقه في أي وقت عبر القيام بأعمال تخريبية ,أو الضغط علي جورجيا عسكريا من اجل إيقاف تصدير الغاز في الوقت المناسب,وبالتالي علي الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تعترف لروسيا وحليفها الاستراتيجي إيران,بقدرتهما علي تغيير المعادلات الدولية وإرباك الغرب في عدة ملفات ومضايقتهم في أماكن نفوذ إستراتيجية سواء في أسيا أو الشرق الأوسط أو حتى القوقاز,فهل سيؤدي هذا التحالف إلي تشكيل تحالف دولي تقوده موسكووطهران من اجل إيجاد قيادة مشتركة له بعيدا عن النفوذ الأمريكي أم أن التركيبة الإيديولوجية واختلاف أجنداتها ستكون له نتائج سلبية علي تحركاتها السياسية وتحالفاتها الاقتصادية والعسكرية في السنوات القليلة القادمة,في ظل ظهور بوادر أزمة اقتصادية عالمية جديدة جراء الانخفاض الحاد والغير متوقع في أسعار النفط العالمية والذي سيمس دولا رئيسية في أوبك كروسيا فيما ستبقي إيران بعيدة عن تأثيراتها نسبيا لأنها ستستفيد من زيادة حصتها الإنتاجية نتيجة رفع العقوبات عنها واستفادتها من غلاف مالي يقدر ب100مليار دولار كودائع إيرانية كانت مجمدة في البنوك الدولية جراء العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها سابقا, وستساهم في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية وتسمح لإيران بحجم اكبر للمناورة السياسية خلافا للروس الذين سيرون في زيادة حصة إيران من المعروض النفطي إغراقا للأسواق العالمية وهذا ما سيؤثر سلبا علي اقتصادهم الطاقوي وعلى إنتاجهم النفطي في السوق الدولية. عميرة أيسر-كاتب جزائري