الحسين عبدالرازق شوف لك حل بقي .. ماما عاوزاني أشرب اللبن وهو مش فيه سكر !! يعني مش كفاية إني هشرب اللبن , لاء وكمان من غير سكر .. إشمعني أنااللي هشرب اللبن من غير سكر ؟؟ بهذه الكلمات وعلي غير عادته , بدأ صديقي الصغير " بوجي " صاحب الثمان سنوات حديثه الهاتفي معي . ربما كانت تلك هي المرة الأولي التي يتخلي فيها بوجي عن لياقته الملفتة , ولباقته التي يشهد بها الجميع , ولكن يبدو أن الأمر كان بالنسبة له من القساوة بمكان إلي الحد الذي أنساه أن يبدأ حديثه بإلقاء السلام , والإطمئنان علي صحتي وسؤاله المعتاد عن متي سيراني !! إنتهت المكالمة وأغلقت الهاتف , وظل يرن في أذني سؤال الصغير بوجي ... ( إشمعني أنا اللي هشرب اللبن من غير سكر ؟؟؟ ) سؤالك جميل يا صديقي , والجواب جداً بسيط ... لأنك طفل مصري , وعايش علي أرض مصر , وبالتالي يسري عليك مايسري علي أهلهاالطيبين والذين تعالت أصواتهم في طلب الغوث من رب السماء , بعد أن تخلي عنهم وتآمر عليهم كل أهل الأرض , اللهم إلا رجلاً واحداً نسأل الله له العون .. وزي ما ملايين المصريين بقوا بيشربوا الشاي من غير سكر , إنتا كمان لازم تشرب اللبن من غير سكر , في ظل وجود حكومتنا دي اللي زي السكر !! أزمات تلو أزمات , لم يكد المواطن الغلبان أن يستفيق من أزمة وقبل أن نحمدالله علي إنفراجها, حتي صفعته أزمة جديدة , وكأن الأزمة المنفرجة أبت أن تتركنا حتي تسلمنا إلي أزمة ربما كانت هي إبنتها التي جاءت متذيلة لجلبابها المهترئ !! فمع بداية شهر إبريل كانت أزمة ألبان الأطفال ، بعدها وفي شهر يوليو جاءت أزمة الأرز , سبقها أزمة في زيت الطعام , وها هوالوقت قد حان ليعلن " السكر " عن نفسه! مع بداية شهر أكتوبر , استيقظ المصريون ليفاجئوا بإختفاء السكر من الأسواق والمحال التجارية , فلا حكومة قد حذرت من نقص لديها في مخزون السكر , ولا مواطن قد تنبأ بمجيئ ذلك اليوم الذي سيضطر معه إلي شراء منتجات غذائية بقيمة مائة جنيه من أجل الحصول علي 2كيلو سكر, كما أعلنت إحدي المتاجر !! وإلا فعليه أن يتحمل مرارة ما يحتسيه من أكواب الشاي في ظل غياب ذلك المارد الأبيض الذي انفرد من بين كل أقرانه بالقضاء علي مرارة الشاي . مع غياب حكومي كامل عن المشهد , سواءاً من خلال بسط سيطرة أجهزتها الرقابية علي الأسواق , أو المساهمة في ملئ منافذ البيع والمتاجر بالقدر المعقول من المواد والسلع التموينية التي لايمكن للمواطن الإستغناء عنها من أجل إدامة حياته , بات المواطن المطحون في أيامنا هذه عاجزاًفي الذود عن نفسه ضد تلك اللكمات المتتالية والتي وجهتها إليه أزمات متعاقبة لايفصل بين كل منهاعن الأخري غير أيام معدودات , تماماً كغريق عاجز تتلاطمه الأمواج ... فجاءت مبادرة الإعلامي عمرو أديب بمثابة القشة التي تعلق بها ذلك المسكين أملاً منه في أن تكون طوق نجاته من بحرالغلاء هذا , والذي ألقت به إليه ظروفه المعيشية شديدة القسوة الشعب يأمر .. إسم إختاره أديب لمبادرته التي وبمجرد الإعلان عنها حتي بدأت الأسواق في الإنتعاش , كانت المبادرة ذكية .. وجد فيها المواطن حبلاً للنجاه عبر توفير جنيهات قليلة , قد يعينه توفيرها علي سداد بعض التزاماته الأخري من فواتير ماء وكهرباء وغاز !! بينما وجد فيها التجار والمنتجين فرصة ذهبية يضربون من خلالها أكثر من عصفور بحجر واحد ,, فتلك الحملة ستمكنهم وبلا أدني شك من التخلص من الكثير من بضائعهم الراكدة , والتي أوشكت علي بلوغ وقت إنتهاء الصلاحية , علي الجانب الآخر , هي أيضاً فرصة للإعلان المجاني عن منتجاتهم الأخري عبر شاشة أديب وبرنامجه صاحب السيط الذائع " نظراً لشهرة مقدمه بالطبع " لايمكننا هنا إلا أن نقول أن مافعله عمرو أديب هو عمل محمود يستحق التقدير والإشادة , لكن وبقدر استحسان ذلك العمل والثناء علي تلك الحملة , لاشك لدينا في أن نجاح حملة أديب يعني ببساطة أن الحكومة و مع احترامنا الكامل لشخوصها قد فشلت في القيام بواجباتها سواءاً من خلال توفير السلع أو تشديد الرقابة كما أسلفنا . الآن وبعد أن قمنا بتوجيه الشكر إلي من أحسن وهو أديب , وانتقاد من أخفق " في وجهة نظرنا " وهي الحكومة .. لابد لنا من توجيه بعض الأسئلة آملين في الحصول علي إجابات لها .. نجحت حملة عمرو أديب وإنتعشت الأسواق بعد حالة من الموت الإكلينيكي التي أصابتها بسبب ضعف الدخول , وغلاء الأسعار فماذا بعد انتهاء الأشهر الثلاثة التي حددتها الحملة ؟؟ هل سيعود التجار ألي سيرتهم الأولي بعد أن تخلصوا مما امتلأت به مخازنهم ؟؟ ألي متي ستظل حكومتنا المحترمة بعيدة عن المشهد , ألي الحد الذي نتوقع معه أننا لوقمنا بسؤال خمسة مواطنين عن إسم رئيس الوزراء الحالي فلربما لن يتمكن أي من أولئك الخمسة مجتمعين معرفة إسم معالي رئيس وزراء بلدنا ؟؟ لماذا لا تحدث الأزمات إلا في سلع الفقراء ؟؟ فلم نسمع يوماً عن أزمة حدثت في الكافيار ( بيض سمك الحفش ) أو السيمون فيميه ( شرائح السلمون المدخنة ) أو الديك الرومي أو الفواجرا ( كبدة البط ) ؟؟ لماذا فقط الزيت والأرز والسكر وألبان الغلابة ؟؟؟ أزمة في الزيت , والسكر , والأرز , والبان الأطفال , ودولار تخطي 14جنيه , وغياب تام للحكومة عن المشهد , تماماً كغياب السكر عن بيوت بسطاء المصريين فماذا تحمله لنا الأيام القادمة ؟؟ وأخيراً نقول ... شكراً عمرو أديب , شكراً لكل شرفاء مصر , إعتذار واجب للجميل بوجي , وبرضو حكومتنا زي السكر !!