دائما ما كانت تراودني أحلام كثيرة في الصغر كنت أريد تحقيقها : وغالبا كنت أظن أنها لا تتحقق إلا بالمال،وكنت أعيش بداخلها وأفكر فيها جيدا،لكنها سرعان ما كانت تصطدم بالواقع،فأجد نفسي أجلس علي الصخرة الصماء المتنحية جانبا،هنالك علي قارعة الطريق المحوري،والمتفرع منه كل الطرق،في الحقيقة لا في الخيال،كما كنت أأجلها في خيالي لبعض الوقت،وأحتفظ بها في ذاكرتي الصغيرة،علها تنضج جيدا،فتستوي علي سوقها،وتنضج البذور فيها من أجل الزراعات القادمة،التي تملأ الدنيا جنانا خضراء،فتنتشر الواحات الغناء،ونحصد من ثمارها الخير الوفير،لكنني كنت أتضايق من كثرة الأيام وانتظارها! كان الانتظار صعبا في أيامها لأن الأحلام كانت تتكاثرُ وتتزايد حتى تتزاحم : وبرغم أن العقل الصغير لم يكن يتسع لكل ذلك،كان يقنعُ نفسهُ بأنه القادر علي الاحتفاظ بها،ولأنني كنت أعاني مع كل آهة من آهات الأخريين،كنت أشعر بالذنب لعجزي عن مساعدتهم،ثم أركن إلي الراحة،لأجد حلا للسؤال الذي كان يراودني حينما كنت أعجز عن المساعدة وهو لماذا لا يساعدهم الله وهو القادر وهو أولي بهم! وخاصة أن الفقير يتضرر ألما ولا أحد يشعر به : والغني سعيد بما لديه،ويظن نفسه في مأمن من أزمات الزمان،فينام في راحة واستقرار وهذا كان ظني في وقتها! وما كنت أدرك معني الغني إلا في تملك الفرد نقودا كثيرة ونعيما لا يَبلي : يجعلك تستطيع أن تشتري بها الحلوي،وتركب المراجيح،وتلهو مع اللاهيين في الملاهي،وتمرح وتفرح في المناسبات والأعياد،ويكون لك بيتا كبيرا وجميلا،وتسافر هنا وهناك! وبرغم أن العواطف كانت تسوقني دوما نحو هدفي : كانت تستوقفني بعض الأسئلة التي ما كنت أجد لها حلا : وهي لماذا يتركُ الناسُ بعضَهُم يموتون مرضي بلا دواء،هل لأنهم بلا أقارب،أم لأنهم فقراء،ولماذا لا يساعدهم الله مثل بقية الناس،ولماذا تركهم بدون غنى ولماذا ولماذا وأسئلة كثيرة كانت لا تنتهي! وكانت الأسئلة المكبوتة سرعان ما تموت دون حل لها : وأقول لنفسي فلا أنت أخرجتها فنلت حلا لها،ولا أنت أخرتها وارتحت من فكرها،وبرغم أن الصراعاتَ كانت تدورُ في ذهني،كنت أخاف أن أصطدم بها،فأحرج من طرقِ حلها،ولأن الأسئلة كانت تصطدم بانتقادات الكبار،كنت أأجلها علي جمر من نار! ودارت الأيام فكبرنا وتحررنا بعض الشيء من حرج الأسئلة : التي كانت تدورُ بخلدنا،عندما كنا نري الأهلَ والأقاربَ والقناعة الدائمة الملازمة لهم،فهم يعيشون في القرى الفقير،المظلمة في كل شيء،وغيرهم يعيشون في المدن،التي بها الملاهي والمسارح والسينما والأضواء،وكل وسائل العيش وكل ما يوصلك للرفاهية،ثم نري أهلَ الريفِ يحمدون الله كلهم من غنيهم إلي فقيرهم لا لا لابد وأن شيئا ما قد أصاب عقولهم هكذا كنت أظن في حينها! هل أخطئوا حينما اختاروا : وهل ضحك عليهم أهل المدن وطردوهم منها،فرضوا بزراعة الأرض ليأكلوا هم من خيرها،وينالوا هم حر شمسها وطين أرضها،وظلام ليلها،وعواء ذئابها وناح كلابها،لا لا لابد أن مرضا ما قد أصابَ الناس ُ في عقولهم لا لا لابد أنهم جبناء وخافوا ورضخوا للذل المميت،وخصوصا عند يُعيرهم بعض أهالي المدن بجهلهم! وكان الإنسان يزداد مرضا فوق مرضه لو أصابه أي إعياءِ : فما كان يجد أي مصحةِ تعالجهُ إلا في المدن،ومنهم من لم يسعفه قدرَهُ فيموتَ قبل أن يصل إليها،ومنهم من يصل إليها ويعود محملا علي الأعناق ليدفن في تراب الأرياف الذي أصابه بالمرض،ومنهم من يُعَالجْ ليعودَ مرةَ أخري ليمارس حياة الفقر والجهل والمرض،هنالك عند أكوام الروث،المحاطة بالذباب والعقارب والكلاب و الحيات! قد كنت أقول في نفسي عندما أكبر سأساعد هؤلاء الناس : الذين عاشوا في فقرهم وماتوا بجهلهم وهم لا يسألون الناس،وقد تحققت لي بعض الأحلام،التي ساعدتني علي مساعدة بعضهم لا كلهم،وبرغم أنني بنيت بيتا في المدن ما زلت أعيش بين الفقراء وما عدتُ أعرفُ فراقَهم،لأنني ما وجدت السعادة إلا في عيون بعضهم حينما كنت أحاول! الكاتب/أحمد إبراهيم مرعوه عضو لجنة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بفيينا عضو قصر ثقافة نعمان عاشور بميت غمر/وعضو نادي الأدب بأجا سابقا. (من سلسلة مقالات الفكر الديني للكاتب) التاريخ/17/9/2015