بعد أسابيع قليلة , سيفتح الباب , للتصويت علي دستور مصر 2014 , مما يدفع الكثيرين منا إلي السؤال الأهم , ماذا نختار؟ البعض سيستمع لأصوات الأخرين , والبعض سيصمون أذانهم ويذهبون بعيدا , والبعض الأخر سيقرأ ويحاول , والأهم من ذلك كله ذلك القسم الذي سيصوت علي الدستور لا لشيء , إلا انه مؤيد لماحدث في الثلاثين من يونيو , ومقابلهم الصورة النيجاتيف او السلبية وهم المعارضين. فما بين كل هذه الأسباب وغيرها , تنتهي الصورة عند أربعة خيارات لا خامس لهم , إما بنعم , أو بلا , او بإبطال الصوت , او بالمقاطعة. وبطبيعة الحال , لكل خيار أو أختيار أسبابة التي يظن صاحبها انها الأقوي , وانه صاحب الحجة القوية لكن , هل سأل كل منا نفسه سؤالا , قد يكون هو الأدعي للطرح , والأهم بالدراسة والتحليل ماذا يعني حقيقة الدستور للشعب المصري , هل حقا يعني الدستور شيئا , أم انه لا يزيد عن كونة مزمارة الشيطان في بيت البعض , وترنيمة داوود عند البعض الأخر , ولا شيء في عقول من أختاروا الحياة بعيدا عن كل هذا الصخب. هل نحن حقا , شعب سوف يحترم ذلك الدستور , وسوف يقدسه فيصبح دليلا للطريق لمستقبل واعد , أم اننا سنتجاهله كما تعودنا في تجاهل اشياء كثيرة هي بالنسبة للعالم كله قيم لا إستغناء عنها ولا يمكن العيش بغيرها. دعونا نأخذ لقطات من حياة الشعب المصري , لنري النتيجة الحقيقية , للدستور الجديد كم منا , ذهب ولو حتي علي سبيل المصادفة للمستشفيات العامة , لكي يري ما يحدث فيها, إننا لا نذهب إلي مثل هذا المكان إلا إذا تعرضنا إلي ما يجبرنا إلي الذهاب هنالك , وغالبا ما تكون مصيبة تحط علي رأس أحدنا فيذهب كي يتعامل معها , وحينما تدلف إليها أنظر حولك , بتمعن , لن اقول لك تناسي مصيبتك , لكني سوف أسألك ان تبحث عن الرحمة , هل ستجدها؟ أو حتي أبحث عن الأدمية , أو أبحث عن معايير الطب ومقاييسه , أو حتي أبحث عن العمل الجاد فيما يخص أكباد الأمهات واحشاء الأباء أيها السادة , إننا نخسر من حوادث الطرق في السنة الواحدة بأكثر من ضحايا الإنتفاضة الفسلطينية الأولي في ستة سنوات من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومع ذلك تغني النخبة بالإنجازات وتطبل لكل ما يزيد تدفق الملايين لجيوبها المهترءة. كم منا , في هذا الصقيع , تحدث الي نفسه أن يذهب ولو حتي في احلامه , إلي القري والعزب والنجوع (بالطبع هنالك من لا يعرفون الفرق بين القرية والنجع) يذهب إلي بيوت الغلابة الذين يعيشون بلا سقف , في حجرة واحدة , يأكلون أقل القليل الذي بالكاد يكفي للحياة , يلتحفون بما يفترشون , ويفترشون ما يلتحفون به , وبعضهم لا يجد أيا منهما سوي خرق بالية وأسمال تغطي عوراتهم. كم منا , قال لنفسه , سوف أقف في هذا الميدان لا من أجل التظاهر , ولكن من اجل مراقبة حركة الناس , في سيرهم , وكيف يتعامل كل منا مع الأخر الراكب مع المترجل , والسائق مع الراكب , والسائق مع عابري الطريق , وإتجاهات السير وقوانين المرور , والشتائم التي تخرج من كل لسان في كل موقف صغر أم كبر , وكم التحفز الموجود بين الناس للهتك والقتل والتدمير , واللامبالاة في كل شيء , لا مبالاة بأرواح الاخرين , ولا مبالاه بالملكيات العامة , ولامبالاه حتي بأدني حقوق الأنسان في كل مسار ودرب. كم منا , أراد ان ينجز أمرا يتعلق بترخيص مركبة او سيارة , وذهب إلي إداراة المرور في اي محافظة , ووجد كم من المرتشين , الذين سيصنعون أي شيء , اي شيء مقابل أي ورقة , حتي ولو كنت سليما في أرواقك , ولا تفعل ما يخالف القانون , الكل يسأل عن الحلاوة والشاي بلا أدني حياء أو استحياء , والكل يدفع من دون أدني تأنيب ضمير , فكأنما أصبحت إتاوة يفرضها الفقير الغلبان , علي من يملك شيئا وكأن لسان حاله يقول , أنت هاتركب عربية ببلاش نفع واستنفع. وفوق كل ذلك , هل ذهب احد منكم إلي المناطق الشعبية وقال لنفسة , ما المانع ان اتنازل وأعيش في مكان شعبي في وراق العرب مثلا , أو في أعماق الطالبية وشارع العشرين وغيرها من الشوارع , ويري كيف حال الناس , كيف هي الأمور حينما تنشب مشاجرة لأتفه الأسباب , وكيف يطارد المراهقين المراهقات علي النواصي , وما يحدث من مشاجرات غالبا تنتهي بموت وثأر. من منا لم يبحث في تعليمه عن المقرر والملغي من المناهج , ومن منا لم يملأ رأسه بحواشي رسالات الدكتوراة التي أعدت لأسباب الدرجة العلمية , فلا موضوع حقيقي , ولا منهج علمي , ولا بحث علمي , ولا قيمة مضافة , مجرد موضوعات تم صياغتها بالقص واللصق من مراجع أجنبية كان لها السبق في كل شيء , وقلما حتي يضيف إليها الدارس التعريب السليم لها. وكم منا , ذهب مضطرا إلي درس خصوصي حتي ينجح أخر العام , أو أتي له أبنه يسأله عن الدرس الخصوصي عشان المدرس مابينجحش إلا من يأخذون عنده درسا خصوصيا. وكم منا , أشتري رغيف خبز , وقام بوضعه علي الميزان , لا لكي يعرف وزنه الحقيقي , بل لكي يتحقق بنفسه من أن قانون الجاذبية الأرضية لا ينطبق علي رغيف العيش , إلا من خلال مكونات الحديد والسيليكون وبقايا الراديوم المشع وغيرها من العناصر الثقيلة. كم منا , سمع ان جارا له في ضائقة , واراد ان يساعدة او يشد أزره , الكل يصمت ويقول ياعم واحنا مالنا , اغلق عليك بابك. وكم منا سمع عن أرملة تجري علي يتامي لها , واراد ان يساعدها حقا , واراد ان يقيها بوائق الدنيا. فليذهب أي منا إلي سوبرماركت من الأسماء الشهيرة , ويتجول في الأقسام المختلفة , ويسأل نفسه , هل نحن حقا نحتاج إلي أكثر من 1000 نوع من انواع الصابون المستورد , ومثلها من انواع كريمات الحلاقة والشعر , والالاف غيرها تؤدي نفس الغرض , وكل الفارق انها تقتل موازنة الدولة , لا من اجل شيء إلا من اجل فشخرة البعض علي حساب البعض. هل تحتاج مصر حقا , إلي عقارات بحجم ماهو موجود حاليا في المدن الجديدة , فيلات بالملايين ,واعلانات عن الجنة , ولا يفصلها عن الفقراء سوي أمتار قليلة , أي سفه ذلك الذي يترك الفقير من دون حتي الغطاء , ويروج لمثل هذه الأشياء التي لا قيمة لها إلا لمن يملكون مقابلها. هل يعقل , أن تموت مصر جوعا , من أجل رفاهية المواطن الأمريكي والإنجليزي والألماني بل وحتي الصيني لماذا لا تنتج مصر قمحها , ودوائها , وسلاحها إننا أيها السادة نعيش حالة من الإنفصام , أو قل بالأحري هي حالة فصام فالفصام هو الإنفصال عن الواقع , أسقطنا دستور 71 , واسقطنا دستور 2012 , وسنذهب لدستور اخر 2013 أول 2014 ونحن نتمني ان يصلح حالنا ذلك الدستور , ونسينا في الأساس ان لنا دستورا مكتوبا منذ اربعة عشر قرنا , دستورا ساد العالم كله , ,اخذ منه العالم كله , فحتي اليهود أخذوا منه بالقص واللزق وأضافوا ما في دستورنا إلي دينهم , ومع ذلك فنحن نبحث عن دستورا جديدا , يكون توافقيا , والأصل اننا لا نتوافق مع أي شيء , ونعترض علي كل شيء , ولا نقدم أي بديل ولا أي حلول لأي مشكلة. إن الحقيقة الوحيدة المجردة , في الدستور , هو انه يمثل القمة الأعلي وأعلي القمة في قضية الصراع علي السلطة , بين تيار اليمين وتيار اليسار , وكل من سيوافقون علي الدستور سيوافقون عليه نكاية في تيار اليمين , وكل من سيقاطعونه أو سيرفضونه , سيفعلون ذلك نكاية في التيار المخالف لهم , وكأن القضية أنها اصبحت قضية حاكم ومؤيد , وليست قضية حاكم وشعب , حاكم يأتي بأمر الشعب , ويضع الشعب الدستور الذي يجبر الحاكم علي إحترام شعبه. أيها السادة , إن الدستور أي دستور , أو الشريعة اية شريعة , أو القانون أي قانون , لا قيمة لهم علي الإطلاق إذا لم يلتزم الناس والشعب به فبدون الإلتزام به يصبح كحاصل ضرب المليار في الصفر , يصبح صفرا , مهما وضع الإعلام امامه من أرقام , فالإعلام اليوم يذكرني بمن يحاول ان يحل معادلة حاصل ضرب الصفر في مالانهاية , يضعون المعادلة ويظنون انه ستأتي بنتيجة , يحسبون اننا سوف نتلهي بالأرقام الكبيرة , ولا يعلمون اننا نعرف أن النتيجة ستكون صفرا . إذهبوا إلي صناديق الإقتراع , إذهبوا بالملايين التسعين وأقترعوا أو إستفتوا علي ما شئتم أختاروا بالقلم , او بغيره , علي ماأردتم وأعلموا انه لا دستور ينفع مع وطن نسي أبناؤه كيف يعاملون ويتعاملون مع وطنهم