رغم تخصصه فى الكمبيوتر فإن المهندس محمد حسانين فى محاولته الأولى فى عالم الكتابة نجده يغوص فى أعماق النفس البشرية.. ويخرج لنا برؤية ترثى لحالنا كشعب على مدى ثلاثين عاماً.. فقد عشناه كرهاً عصر السادة والعبيد. وهو من بين سطور كتابه يطرح علينا عدة أسئلة منها: لماذا عندما يتحدث أحد الأشخاص يقول: أيها السادة.. هل لأننا سادته فعلاً؟ أم أنه يريد منا شيئا ما؟ والمعروف أن السادة هم الذين يملكون كل شىء والعبيد ليس لديهم أى شىء رغم أن ثورة 23 يوليو 1952 عندما قامت كان من ضمن أولوياتها إلغاء الألقاب (البيه والباشا) إلا أنها ظلت عالقة بألسنة الشعب المصرى.. وصارت مرادفا لحياتنا كلما أردنا إنهاء أية ورقة حكومية، وكنا نقولها للأمير ونقولها للخفير. مهندس حسانين يرى أن العبيد فى هذا الزمان كثيرون، ومن كثرتهم لا نرى فينا إلا القليل من السادة.. ويردد: من تختار أن تكون؟ أتحب أن تكون من هؤلاء القوم الذين يسألون الناس دون الحاجة إلى ما طلبوا؟ أم تريد أن تكون من سادة القوم؟ فهؤلاء العبيد من حقهم وقلة حيلتهم وجهلهم كانت لهم مسألة، فمن سيسألون؟ سيسألون الذين يملكون العطاء، فسادة القوم يعطون من حولهم، لأن من حولهم بحاجة لهم، فلتكن من خير الناس لأن خير الناس أنفعهم للناس، فكيف تصبح سيدا وأنت لا تملك العطاء لمن حولك؟ وفى زاوية أخرى من الكتاب نجد كاتبه يقول: فى كل يوم تشرق فيه شمس، ويأتى فيه ليل، إلا كان للناس حال بين الحب والفراق فانظر لحالك لترى ما كان لك من حب يولد فى لحظة ولم يكن له إلا طريق النسيان، وكم من أحبه.. كان لهم الفراق، وكم من كثيرين تمنوا أن يكون لهم الحب ولم يجدوه، فما هؤلاء إلا كمثل الذى يزرع زرعا ولا يجد من يرويه له حتى أصبح حطاما، وكم من صديق كان لك صديقا، ولم يكن لك صادقا فى صداقته، وكم من محب كان لحبه الهلاك، فهذا هو حال أغلب الناس بين طريق يتمنون أن يكونوا عليه، وطريق يساقون عليه، وهم لا يملكون من أمرهم إلا الأسى فتفيض أعينهم من الدمع حتى يصبح لهم ونيسا فى ظلام النسيان من أحبائهم، وكم منا تمنى ولم يكن من أمنية، إلا أنها كانت تقتل بداخله قبل أن يكون لها تاريخ ميلاد، وكم ممن سعى للحب ولم يجد من سعيه إلا السراب، وأسأل عن أهل كان فيهم الحبيب ينسى بينهم ما حالهم فلن تجد فيهم الخير ولا تعرف لهم طريق الاصلاح، ولكن كانت قلوبهم لا تعرف إلا الأنانية وغرتهم الحياة فما لأحد عزة بدون أحبة.. فهل لك أحبة؟ ويعرج بنا كاتبنا إلى ملمح آخر يبدو أنه استقاه من المرحلة البائدة يوم أهدرت كرامتنا وديست بالأقدام رغما عنا، وتحت عنوان «الكرامة» أجده يقول: أين كانت الكرامة؟ ومتى عرفتها وشعرت بها؟ وأين أصبحت أمة دون كرامة؟ وما هو مصيرها؟ ووجد الخلاص فى العلم.. فهو الذى يصنع الكامة للفقير والغنى فلن تعرفها إلا حينما يكون لك علم أو يكون لك مال وعلم تحفظ به ماء وجهك من ذل سؤال الغير.. أين أصحاب الكرامة؟ اسأل عن العلم لتنير به وجهك، وتكون لمن حولك نورا ولمن بعدك هدى إلى النور، فهل أصبح سفهاء القوم فينا أهل المنازل بيننا؟ وكان يتساءل أين الشباب؟ وكأنه كان يتنبأ بثورة 25 يناير أو يستحثهم نحو عمل شىء له قيمة، وكان يردد هل لا يزال الشباب لا يعرف طريقا يسلكه؟ أم أصبح همه أن يهدر وقته؟ فاسأل نفسك عن ماذا تبحث لترى إذا كان سعيك إلى النور.. أم إلى الضلال وأعلم أنه ما مُنع العلم إلا عن جاهل أبى أن يكون صاحب كرامة فلو لم تكن لك كرامة، لن يكون لك مكان بين الناس، فما ضل من قبلنا إلا حينما كان للجهلاء صوت يسمع، وهذا ما حدث لنا طيلة ثلاثين عاما، اعتلى فيها الجهلاء منازل الشهداء. ولكن تبقى كلمة حين نفض الشباب عن نفسه غبار الكسل والضياع الذى صنعه الجهلاء خرجوا من القفص الذى صدئ حديده فى زمن النسيان، وكتب الشهداء بدمائهم ملاحم نضال خالده باقية، ولأول مرة يستنشق الشعب عبير الكرامة والحرية.