لعل من ابرز القضايا التي طرحت ولا زالت تطرح وستبقى لسنوات قادمة على طاولة المشهد السياسي العربي هي قضية الحركات الاسلامية او مستقبل الاسلام السياسي, فالحركات الاسلامية التي عانت لعشرات السنين وهي تعمل في الخفاء اصبحت بعد الخريف العربي واقع لا يمكن تجاهله عند الحديث عن سيناريوهات المستقبل السياسي لبعض الدول العربية, حيث اصبحت هذه الحركات بين ليلة وضحاها تتمتع بالاعتراف والشرعية بعد ان بقيت لعشرات السنين تعاني من الحظر والملاحقة, ففشل التجربة الاخوانية او افشالها في مصر والصعوبات الجمة التي تواجهها النهضة في تونس تطرح علينا التساؤل التالي: لماذا فشل الاسلاميون ؟. للوهلة الاولى تخيل للاسلاميون ان مجرد طرح انفسهم كبديل عن الانظمة الديكتاتورية المتساقطة كاف لنجاحهم حيث الجماهير العربية تواقة للتغيير, ربما تكون تلك الثورات قد منحتهم الشرعية السياسية على المسرح السياسي كلاعب اساسي لا يمكن تجاهله ولكن هذا لم يكن كافيا لهم, لعل الاسلاميون لم يدركوا حجم الاشكاليات التي تعانيها مجتمعاتهم, فخيل لهم انهم الاقدر على تلاشيها او حلها, وعليه سار الاسلاميون نحو التفرد بالسلطة دون ان يشعروا انهم باتوا يكررون انظمة انتهى عصرها, لعل هذا واضحا في التجربة المصرية التي تختلف عنها نوعا ما تجربة حركة النهضة في تونس. هنا يبرز تساؤل آخر هل كان الاسلاميون جاهزون لتلك المرحلة ماديا وفكريا ؟ اعتقد ان هذا هو بيت القصيد ! حيث لم يدرك الاسلاميون وخاصة في مصر ان قدراتهم المادية لا تؤهلهم لذلك حيث برزت في مصر اشكالية الدولة العميقة عقب الاطاحة بمبارك, اما من الناحية الفكرية فايضا لم يكن الاخوان يملكون الفكر الواعي لخوض المرحلة, فهل يعقل ان ينجح الاخوان في ادارة الدولة المصرية على الرغم من حجم اشكالياتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بفكر لا زالت تشغله قضايا الاقباط والمرأة وغيرها من القضايا الشائكة التي طالما كانت التيارات الاخرى تنتظر الاجابة عليها, على الرغم من ان الاخوان في مصر عرف عنهم الاعتدال والمرونة إلا ان ممارساتهم بعد الثورة على الواقع لم تكن كذلك. الاسلاميون في مصر وغيرها من البلدان العربية والإسلامية وفي العقود الاخيرة التي سبقت الخريف العربي اهملوا فكرة التجديد وهنا كان الخطأ القاتل في نظري, الاسلاميون بحاجة ماسة الى فكر سياسي حديث يتلائم ومتطلبات العصر بكل اشكالياته واختلافاته الفكرية والمادية والتجديد في هذا الفكر يجب ان يمس القضايا التي تشغل المواطن الليبرالي قبل الاسلامي ويجب ان يكون بعيدا كل البعد عن التشدد والتمسك بالمصطلحات, فالمواطن العربي المترهل الذي يبحث عن الحرية والعدالة لا تهمه ان كانت شورى ام ديمقراطية بقدر ما تعنيه النتيجة على ارض الواقع, بمعنى اخر على الاسلاميين ان يتحرروا من عباءة المصطلحات التي تثير اللبس حولها والتي اصبحت بحد ذاتها اشكاليات حقيقية قيدت الفكر الاسلامي ومنعته من الانطلاق والتحرر من عالم المفاهيم والمصطلحات الى عالم التجديد الفكري المتوازن والقادر على مواكبة العصر بكل ارهاصاته ومتطلباته. الحركات الاسلامية اليوم بحاجة الى الجرأة الكافية التي تستبعد فكرة الدين عن الدولة وإلا فهي تكرر بشكل او بآخر دولة الكنيسة التي كانت تحكم اوروبا في العصور الوسطى على الرغم من ان هناك فروق شاسعة بين دولة الكنيسة في اوروبا وبين الدولة الدينية الاسلامية ولكن هذا لا يجافي حقيقة المخاوف حول طبيعة الدولة كنها دينية او مدنية حسب الطرح الاسلامي الحالي, من هنا يتوجب على الاسلاميون ان يراجعوا انفسهم ويتطورا من فكرهم ويتغاضون عن مصطلحاتهم ان ارادوا الاستمرار كشريك سياسي قادر على التغيير, ففي نهاية المطاف ان تتمتع الشعوب العربية بقدر من الحرية والعدل والمساواة في ظل دولة علمانية او مدنية خير من ان يستمر عنائها وشقائها في ظل دولة دينية او اسلامية او غيرها من المسميات الفضفاضة, فالإسلام الذي نتمناه كعرب ومسلمين هو الاسلام الذي ينمو في فكرنا وأخلاقنا وقوتنا وبقائنا شعوبا قادرين على النهوض والتحدي وليس الاسلام الذي نمجده في مسمياتنا او تقسيماتنا السياسية الفارغة, فمشكلتنا لم ولن تكن مع الاسلام الذي هو دين رباني بل مع الاسلاميين الذين اخفقوا في تجديد فكرهم, فحركات الاسلام السياسي امام امرين لا ثالث لها : اما البقاء على جمودها الفكري وبالتالي الاندثار والتلاشي وإما التجديد الفكري الحقيقي وبالتالي الاستمرار والتقدم, ولا ريب عندي في ان يخرج علينا من بينهم تيار فكري جديد يطلق عليه ذات يوم مصطلح " الاسلاميون الجدد".