انتصار السيسي تهنئ الشعب المصرى والأمة الإسلامية بالعام الهجري الجديد    الأوقاف تفتتح 9 مساجد الجمعة ضمن خطتها لإعمار بيوت الله    ماذا حدث لأسعار الذهب؟ خسارة 1% والأسواق متقلبة    ما الفئات المستفيدة من زيادة المعاشات بنسبة 15% بدءًا من يوليو 2025؟    مسئولون إسرائيليون ل "ترامب": لا ينبغى لك التدخل فى محاكمة نتنياهو    جرائم الاحتلال تعود بعد توقف ضربات إيران: اعتقال 20 فلسطينيا من قرية العروج ببيت لحم    ألمانيا تدعو إيران للتراجع عن تعليق التعاون مع الوكالة الذرية    رئيسة حكومة إيطاليا تحتفل ب"وحدة الناتو" وتسخر من إسبانيا    خلال 11 عامًا .. مصر تعيد كتابة دورها في إفريقيا تحت قيادة الرئيس السيسي    أندية البرازيل مفاجأة مونديال 2025    المتعة لم تنته.. مواعيد مباريات دور ال16 في كأس العالم للأندية    جوارديولا يكشف تفاصيل إصابة لاعب مانشستر سيتي قبل مواجهة يوفنتوس في مونديال الأندية    عُقدة الثانوية العامة.. 813 ألف طالب يؤدون امتحان مادتي الفيزياء والتاريخ    تحريات لكشف تفاصيل حادث تصادم بين 3 سيارات بمحور 26 يوليو    الرطوبة مرتفعة والأرصاد تحذر من الطقس الحار وسط النهار    بعد رفضه عرض ال 200 مليون جنيه.. هل يغيب محمد رمضان عن دراما 2026؟    وفاة والدة الدكتور محمد القرش المتحدث الرسمي لوزارة الزراعة وتشييع الجنازة في كفر الشيخ    صورة لبلبة مع عادل إمام في سهرة خاصة «ليست حقيقية»    من الطلاق إلى أقسام الشرطة| مها الصغير تتهم أحمد السقا بالاعتداء الجسدي واللفظي    بكسوتها الجديدة.. شاهد طواف المعتمرين حول الكعبة أول أيام العام الهجرى    الجلسة الافتتاحية لمؤتمر "التخدير والرعاية المركزة الخضراء": منصة علمية ورسالة مجتمعية    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة في منطقة زنين ببولاق الدكرور    محافظ الفيوم يبحث آليات إنشاء مجمع متكامل لإنتاج مستلزمات الري الحديث    محافظ مطروح: العلمين الجديدة تحولت لمقصد سياحي متميز على ساحل البحر المتوسط    وزير الإسكان يُعلن تسليم مركز شباب نموذجي بمنطقة النوادى بمدينة بدر    الناطق باسم الأمن الفلسطيني: جرائم الاحتلال لن تثنينا عن أداء دورنا الوطني    ضبط 354 قضية مخدرات و229 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    سحب 897 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الداخلية تضبط المتهمين بتبادل إطلاق الرصاص بالقليوبية    ضربها في الشارع.. مها الصغير تحرر محضرا ضد السقا    «مستقبل وطن»: ندعم خطط الدولة ونولى ملف الاستثمار أولوية كبيرة    محافظ دمياط يعتمد تنسيق المرحلة الأولى من الثانوية العامة بدمياط| التفاصيل    ننشر أسعار البيض اليوم الخميس 26 يونيو    بعد رحيله عن الزمالك.. حمزة المثلوثي يحسم وجهته المقبلة    ألونسو ردًا على لابورتا: نشعر في ريال مدريد بالحرية والديمقراطية    نور عمرو دياب لوالدها بعد جدل العرض الخاص ل"فى عز الضهر": بحبك    الجوزاء يفتعل الجدل للتسلية.. 4 أبراج تُحب إثارة المشاكل    تهنئة السنة الهجرية 1447.. أجمل العبارات للأهل والأصدقاء والزملاء (ارسلها الآن)    بنتايج خارج القائمة الأولى للزمالك بسبب العقود الجديدة    رسميًا.. موعد صرف المعاشات بالزيادة الجديدة 2025 بعد قرار السيسي    الصحة: تقديم أكثر من 200 ألف خدمة طبية وعلاجية بمستشفيات الأمراض الصدرية خلال مايو الماضي    ماذا قال مينا مسعود بعد زيارته لمستشفى 57357؟    ماذا يحدث لجسمك عند تناول «فنجان قهوة» على الريق؟    26 يونيو 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة اليوم    مواعيد مباريات دور ال16 فى كأس العالم للأندية.. الإنتر يواجه فلومينينسى    تشديدات أمنية مكثفة بلجان الدقي لمنع الغش وتأمين سير امتحاني الفيزياء والتاريخ للثانوية العامة    مصير وسام أبوعلي في الأهلي.. موقف اللاعب و4 بدلاء ينتظرون    الهجرة النبوية.. مشروع حضاري متكامل    عشائر غزة تؤمن مساعدات وصلت لبرنامج الأغذية العالمي خشية نهبها    رسميًا.. اليوم إجازة رأس السنة الهجرية 2025 للموظفين بالحكومة والقطاع الخاص    هل الزواج العرفي حلال.. أمين الفتوى يوضح    محافظ المنيا يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد - صور    تشريع جديد يُنصف العامل.. كيف يؤمن القانون الجديد حقوق العمال؟    بمناسبة العام الهجري الجديد.. دروس وعبر من الهجرة النبوية    إليسا تهنئ نادر عبدالله بعد تكريمه من «ساسيم»: «مبروك من نص قلبي»    وزير الرياضة يهنئ أبطال السلاح بعد التتويج ب 6 ميداليات أفريقية    صوت بلغاريا مع أنطاكية.. البطريرك دانيال يندد بالعنف ويدعو إلى حماية المسيحيين    دار الإفتاء تعلن اليوم الخميس هو أول أيام شهر المحرّم وبداية العام الهجري الجديد 1447    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البروفسيرة التونسية د. آمال قرامي:اختزال الحرية في التحرر الجنسي .. تضليل!
الخطابات المغلقة والشمولية التي تدعي تمثيل الحقيقة والنطق نيابة عن الله.. العائق
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 11 - 2012

الدكتورة آمال قرامي باحثة تونسية تعرفها الأوساط المعرفية في العالم من خلال تمثيلها قي العديد من المنظمات والمنتديات والندوات العالمية والموائد المستديرة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والبلدان العربية التي تختص بالفكر العربي والحوار بين الحضارات والأديان المقارنة والدراسات النسائية ودراسات الجندر والدراسات الثقافية ودراسات الإعلام وغيرها، ومن خلال مؤلفاتها : قضية الردّة في الفكر الإسلامي، حريّة المعتقد في الإسلام، الإسلام الآسيوي، الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية، الحركات النسائية في تونس، التشبّه بالآخر أو في حدود المثاقفة، تصدّع بنية الذكورة المهيمنة ومحاولات إنقاذها وغيرها.
وهي أستاذ زائر في عدة جامعات غربية وعربية، ثم هي (برفيسور) كلية الآداب والفنون والإنسانيات، جامعة منّوبة، الجمهورية التونسية.تشرف علي إعداد مؤلّف جماعيّ حول الإعلام الجديد بالتنسيق مع المعهد العربي لحقوق الإنسان .عضوة في فريق بحث إسلامي مسيحي GRIC منذ سنة 1998 وفي فريق بحث النساء المتوسطيات بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية وجمعية كرامة بواشنطون لحقوق الإنسان للمرأة المسلمة، ومركز الدراسات و الأبحاث في قضايا الأسرة و المرأة بفاس المغرب مسؤولة عن تنسيق برنامج ترجمة الأعمال الفكرية والحضارية في تونس..في أجواء دراساتها وأطروحاتها وآرائها تحاورنا معها وكانت هذه المحاورة:
وضع كارثي
كثيرة هي مراكز ومؤسسات الدراسات والأبحاث المختلفة في عالمنا العربي وما تقدمه من جهد ودعم للباحثين والمشتغلين في الحقل العلمي والبحثي كافة أسألك وأنت الباحثة المرموقة: هل هذا الجهد يكفي إلي درجة الوصول إلي نتائج علمية وميدانية تقوم عليها الخطط والمشاريع المستقبلية لدولنا وشعوبنا ؟
- لا مجال للتعميم في هذا الصدد,Åفمراكز البحث والمؤسسات المختلفة التي برزت هنا وهناك في العالم العربي مختلفة من حيث التوجّه والمقاصد والتمويل وعلاقتها بالدول، بيد أنّه من الضروريّ الإقرار بأنّ هذه المراكز البحثية والعلمية قليلة ولا تكفي لإنجاز المطلوب منها وتلبية احتياجات الباحثين في مختلف الاختصاصات, كما أنّ البعض منها لا يستطيع دعم المشاريع ذات الصلة بالبحوث الميدانية، وهو أمر يشكّل عائقا في حدّ ذاته، باعتبار أنّ المؤتمرات والندوات التي تعقد لا تكفي لتقويم الأوضاع المعرفية وتمكين الباحثين من مراجعة آلياتهم ومناهجهم وتطوير بحوثهم. وبناء علي ذلك فإنّ البعد الاستشرافي في البحوث العربية محدود للغاية فضلا عن أنّ إبصار الواقع الاجتماعي في تحوّلاته وحراكه يبقي منقوصا لقلّة البحوث الميدانية والمقارنية من جهة، ولافتقار الباحثين إلي الدعم المطلوب، من جهة ثانية. ومقارنة مع ما هو متوفّر في البلدان الغربية يصحّ القول إنّ وضع الدارسين العرب كارثي ويتطلب إرادة سياسية داعمة للبحث العلمي والتنمية .
الخرافة والعقلانية والتلقين
ألا ترين معي أن الاتهامات الموجهة للعقل صارت كثيرة ومازالت تكثر ؟ من هو المسؤول عن العقل وإدارته ؟ أليست هذه التهم يطلقها أصحابها وهم ليسوا ببعيدين عنها؟وأذكرك بمقولة المفكر د . الطاهر لبيب : « إن العداء للعلمانية في العالم العربي قائم إذن علي تسميات لا تقابلها مسميات في واقع التاريخ الفعلي إنه تعبير عن «استقالة العقل التاريخي« ؟
إنّ استقراء الواقع والوقوف عند خصوصياته يُعيننا علي تبيّن ملامح التراجع وتقلّص مساحات التفكير الحرّ والمسؤول وتحديد مواطن الخلل، ومن هنا فأنا لا أعتبر أنّ انتقاد الظواهر التي نعاينها اليوم يندرج ضمن سلوك قائم علي التشويه أو التذمّر أو الاتهام، بل هو معبّر عن رغبة جامحة في الإصلاح من جهة ، وتحمّل للمسؤولية، من جهة ثانية. فمن المثقفين فئة ارتأت أن تفضح هيمنة الفكر الخرافي علي حساب العقلانية، وانتشار التلقين والنقل علي حساب التدبّر والتفكير وإعمال العقل. وفي تقديري نحن نعيش عبودية جديدة يسلّم فيها الفرد نفسه لمن يطلقون علي أنفسهم دعاة إسلاميون بإرادته ويتكّل عليهم في تسيير أمور حياته ونسج علاقة بالله وبالآخرين. ولعلّ مردّ هذه الاتكالية ضعف المؤسسات التعليمية وعقم مناهج التعليم القائمة علي التلقين والنقل بدل الفكر النقدي الذي يضع المسلّمات موضع تساؤل والانفتاح علي مقاربات متعددة ومناهج مختلفة فضلا عن الأزمات التي يمرّ بها الفرد في المجتمعات المعاصرة إن كان ذلك علي صعيد اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي أو فكري.
الحروب الفكرية
كثير من المفكرين يري إن العلمانية في أزمة حقيقية ، إذ غدت محتقرة من قبل التيارات الدينية قاطبة ، بل وغدا الناس يحاربونها من دون أن يفقهوا طبيعتها،ما رأيك؟
العلمانية علمانيات.. فليس تاريخ العلمانية الفرنسية متطابقا مع ما عرفته التجارب العلمانية في ألمانيا أو إيطاليا أو أمريكا أو تركيا والأمر نفسه يسجّل في البلدان العربية. فنحن إزاء ظاهرة رحيل معرفيّ لبعض المصطلحات والنظريات التي تتمّ تبيئتها في واقع مختلف عن البيئة الأصلية ومن هنا فإنّ دلالات المصطلحات تختلف بالضرورة وتضفي عليها معاني جديدة . أمّا فيما يتعلّق بطريقة استقبال مصطلح العلمانية في المجتمعات العربية المعاصرة فإنّها تثير إشكاليات عدّة علي مستوي التصرّف الأيديولوجي وتوظيف هذا المصطلح في الحروب الفكرية والسياسية والجدل الاجتماعي. وهو أمر يومئ إلي أنّ الحرب لا تبني في المجال السياسي فقط بل إنّها تنشأ أيضا في مجال بناء المعاني والدلالات.
وليس يخفي أنّ المدّ الأصولي الذي اكتسح المنطقة قد عوّل علي حرب المعاني فجعل العلمانية صنوا للكفر وقاد حملات تكفيريّة ضدّ العلمانيين، ولم يكلّف نفسه عناء البحث والتنقيب في المفاهيم والنظر إلي تطوّرها عبر الزمان والمكان. ولا يختلف الأمر بالنسبة إلي مصطلحات أخري كالنسوية ، واللائكية ، ....ولعلّ التشويه المقصود للمصطلحات مُخبر عن موقف من عمليّة التثاقف وجوهر الثقافة التي تشكّلت منذ قرون والتي كانت سمتها الانفتاح علي التراث الكونيّ بيد أنّ أتباع الفكر الأصولي يرفضون هذا الثراء ويريدون التقوقع علي ذواتهم في محاولة انتحارية تتعارض مع ما عاشته الحضارة العربية الإسلامية من ازدهار نتيجة تطعيم ذاتها بروافد متعددة من الحضارات المجاورة.
الدور الطليعي للمثقف
يتسم المثقف في كل زمان ومكان بأن دوره طليعي دائما في المجتمع ماذا عن المثقف العربي اليوم في ظل التحولات التي يشهدها المحتمع العربي وهل يجوز أن يصبح السؤال: ماذا تبقي من دوره الطليعي ؟
يعيش المثقّف اليوم وضعا مأساويا خاصّة بعد الثورات العربية والانتفاضات، فهو مدعوّ إلي مراجعة دوره وعلاقته بالجموع وبالواقع المعيش. كما أنّه مطالب بإعادة النظر في آليات إنتاج المعرفة. ومع الثورة التكنولوجية والإعلامية والتواصلية وظهور مصادر جديدة للمعرفة وتحوّلات في جوهرها ونسقها، لم يعد بالإمكان الحديث عن دور طلائعي للمثقّف فهو لم يعد الوحيد مصدر المعرفة ومُنتج الخطاب التوعوي والتثقيفي بل صار يتفاعل مع المجتمع من موقعه، وهناك أطراف أخري تنافسه كالداعية الإسلامي، والمثقّف المصنوع الذي صنعه الإعلام أو النظام السياسيّ، والمدوّن وغيرهم، وهو أمر يتطلّب من المثقّف أخذ هذه الخطابات بعين الاعتبار ودراسة مواقع أصحابها وأهدافهم وآلياتهم حتي يستطيع ابتكار آليات جديدة وخطاب طريف ومؤثّر يقترب من الجماهير ويلبي احتياجاتها.
الخدم والبرج والبطش
ربما يود القارئ العربي أن يعرف هل المثقف التونسي سواء في المرحلة السابقة من النظام السياسي أو المرحلة الحالية هل كان ولا يزال علي قدر الطموحات الوطنية في أدائه أم لا ؟
لا يمكن حشر جميع المثقفين التونسيين رجالا ونساء في نفس الخانة فهم لا يشكّلون وحدة منسجمة ويصنفون إلي فئات هناك من خدم النظام وانتفع من مزايا ذلك الدور الذي اضطلع به والمتمثّل في الترويج لسياسة الدولة والدفاع عنها وتلميع صورتها، وهناك من فضّل البقاء في برجه العاجي والاهتمام بالبحث في مواضيع لا تحرج ولا تثير مشاكل، وهناك من اضطلع بمسؤوليته وتحمّل تبعات أن يكون مستقلا عن النظام وإغراءاته أو بطشه وساهم علي قدر طاقته، في فضح الانتهاكات وانتقاد القرارات التعسفيّة الصادرة بشأن المعارضين إلي غير ذلك. ولعلّ الانتقادات الشرسة التي وجّهت إلي عدد من المثقفين توضّح خيبة أمل الجماهير في النخب التي بقيت صامتة أو معاضدة للنظام ولم تكن معبّرة عن صوت المقهورين.
الشريك الرئيس للمثقف
إذن.. إلي أي مدي يمكن القول بوجود شريك حقيقي للمثقف العربي اليوم ؟ وهل هو في حاجة لشراكة من خارج بيئته ؟
أعتقد أنّ الشريك الرئيس اليوم هو المجتمع المدني بجميع مكوّناته فلابدّ من ربط الصلة بين المثقّف وجميع الأطراف التي تسعي إلي خدمة الناس والبلاد وتحقيق إصلاحات جريئة في كافة القطاعات . كما أنّ المثقف اليوم مدعوّ إلي إعادة النظر في علاقته بممثلّي السلطة السياسية، وخاصّة السلطة الرابعة إذ ينبغي أن لا تكون العلاقة براغماتية غايتها تحقيق الشهرة بل إنّ علي المثقّفين والإعلاميين أن ينسجوا نمطا جديدا تواصليا غايته توحيد الجهود من أجل الخروج من النفق وإيجاد الحلول الملائمة للمشاكل المتعدّدة التي تتخبّط فيها مجتمعاتنا. أمّا الشراكة الأجنبيّة فينبغي أن تكون علي أساس النديّة إذ أثبتت الثورات أنّ الاتّكال علي القدرات الذاتية والخبرات الوطنية صار قاعدة لا يمكن تجاهلها. يكفي أن يثق الفرد بأنّه صار سيّد الموقف وصاحب القرار والفعل ولا مجال للتعويل علي حماية الغرب أو دعمه الكليّ.
الإبداع فعل إنسانيّ
في ضوء دراستك الموسوعية «ظاهرة الاختلاف في الحضارة العربية الإسلامية: الأسباب والدلالات» أسألك:الإبداع الأقرب إلي التسامح والحوار أهو إبداع المرأة أم الرجل؟
لا يمكن الفصل في اعتقادي، بين أشكال الإبداع علي أساس الجنس فالإبداع فعل إنسانيّ سواء أصدر عن الرجل أو المرأة وهو فعل ينشد بناء عالم جديد تسود فيه قيم إنسانية مثلي، ومن هنا فإن القول السائد إنّ النساء أكثر قربا من الطبيعة وأكثر تمسّكا بالسلم والاستقرار والتسامح لا يعكس الواقع، بل هو وليد صور نمطيّة تجعل الرجل ممثّل الثقافة والفعل (الصيد، العمل، الحرب، الإنتاج ....) في مقابل المرأة التي تُمثّل الطبيعة ( العاطفة، الحنان ، الرقّة ...) ولعلّ مساهمة النساء في العراق والأردن في عمليات التفجير يثبت أنّ من النساء فئة وهبت نفسها لثقافة الكره والتشفّي بدل الحوار وقبول الآخر فلم تكن مساهمة في تحقيق السلم الاجتماعيّ ونشر قيم التسامح بقدر ما كانت أداة في خدمة المواجهات والصراع الداميّ. و يبدو لي أنّنا اليوم بحاجة إلي مبدعين يعملون جاهدين من أجل مواجهة مديح الكراهية بثقافة الحب والأخوّة والتسامح والقبول بالآخر والتعايش السلمي.
الكرامة والعدالة والمساواة
في رأيك من هو القادر علي تحقيق الديمقراطية في العالم العربي وهل يمكن أن يقوم نظام ديمقراطي حقيقي لدينا ؟
تعيش بعض البلدان العربية مسارات التحوّل نحو الديمقراطية ، وهي مخاض عسير وطويل المدي، إذ فوّتت الأنظمة الدكتاتورية علي الشعوب تعلّم أبجديات المشاركة في العمل السياسي وفهم آليات المراقبة والمحاسبة وغيرها من المفاهيم التي تشكّل الثقافة السياسية والتربية علي قيم الديمقراطية، وعلي هذا الأساس فإنّ بناء أنظمة ديمقراطية يتطلّب وقتا وتكتّل جهود جميع الفاعلين السياسيين والجمعاويين ، وإرادة سياسية، ووعيا عامّا، وقدرا من التفهّم، وطول النفس من جانب عامة الناس، ولا بدّ من الإقرار بأنّ التمرّن علي قواعد العمل الديمقراطي سيخلّف خيبات و سيكشف لامحالة عن أخطاء وسوء فهم لبعض المقولات إلي غير ذلك.
في تونس نحن نعيش تجربة جديدة تحاول أن تتحدّي فيها حركة النهضة الأفكار الجاهزة حولها من قبيل أنّ الديمقراطية لا تتطابق مع الأنظمة التي تعتمد توجها سياسيا إسلاميا وأن تقدّم خطابا يطمئن الجماهير علي مصير الحريات والديمقراطية المنشودة وقيم الثورة : الكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، ولكنّ خطاب القيادات يبقي في قطيعة مع ما نعيشه في تونس ما بعد الانتخابات ففي كلّ يوم نشهد تزايد وتيرة العنف اللفظي.
كل عصر له ممنوعاته
من الظواهر المثيرة للجدل والحيرة تلك التابوهات التي ما أن تنتهي إلا لتتجدد في عالمنا العربي أين تتحدد وكيف تتشكل التابوهات بالنسبة لك ؟
كل عصر وكلّ جماعة تنتج ممنوعاتها التي قد تستمر في العمل طيلة قرون وقرون إذ يعسر مواجهة التابوهات، فقديما كنا نتحدث عن مثلث السياسة والجنس والدين واليوم تضيق الدائرة أكثر فأكثر بعد ظهور الأصولية ليصبح الانتقاد أو التعبير عن الاختلاف غير مقبول ومسيّج بقيود جديدة مفروضة علي المثقفين وفي اعتقادي كلّما ازدادت التابوهات كشفت عن حجم الأزمات التي تعيشها المجتمعات العربية المعاصرة، وأبانت عن التغييرات الحاصلة فمفهوم التابو قد يتغير من جيل إلي آخر ومن فئة أو طبقة إلي أخري ولا يفهم إلا بربطه بالسن والجنس والعرق وتأثير العامل الديني أو الثقافي.
نريد إجابات جديدة
السؤال الذي صار يبحث عن إجابة جديدة الآن: كيف تتحدد هوية المثقف ؟
هويّة المثقف تُبني لبنة لبنة ولا تعرف القرار لأنّها حركية في جوهرها ومتغيّرة ، وذات أبعاد متعدّدة فهو فرد من الجماعة تتشكّل هويته الجندرية وهويته الاجتماعية وهويته الدينية، وفق معايير الجماعة وعاداتها وموروثها، وعلي قدر تراكم خبراته ومعارفه تلوح تجليّات هذه الهوية في علاقتها بالآخر ومن هنا فإنّه مواطن يمتلك هوية منفتحة علي الكون وإن كانت موصولة إلي الوطن
في ضوء هذه الرؤي إلي أي مدي يجب أن نغير الخطاب السائد أو نبحث عن خطاب متجدد ؟
الخطابات المغلقة والمتمركزة علي ذاتها والشمولية والتي تدعي تمثيل الحقيقة أو النطق نيابة عن الله هي التي تشكل عائقا أمامنا لأنّها غارقة في نسج آليات الاستبعاد و معبّرة عن نرجسية أصحابها وليس أمامنا سوي البحث عن إحداث توازن جديد يسمح للغيرية بأن تعبر عن ذاتها ويفسح المجال للخطابات الفرعية والمهمشة حتي تسجّل حضورها وتبيح عن مكونانتها. ولأنّ سمة الحياة التجدّد فلابدّ من تجديد الخطاب لأنه السبيل لتحقيق التفرّد وتقديم الإضافة حتي نخرج من نسق الاجترار والتواكل علي جهود السلف.
الحرية والتحرر
عفوا دكتورة آمال: هل صحيح - كما يدعي البعض - أن الحرية تبدأ من التحرر الجنسي ؟
هذا اختزال مُشين لمفهوم الحرية وليد نسق تضليليّ. إنّ الحرية تبدأ لحظة اكتشاف الذات وإدراك أبعادها المتعدّدة، وهي مسار شائك وطويل ورحلة مُكابدة من أجل التحرّر من الأنساق المغلقة والأحكام المسبقة والصور النمطية والإكراهات التي تمارس علي الفرد بهدف تقليص إمكانات الاختيار وحجم استقلاليته . أمّا عن التحرّر الجنسي فأنا لا أفضّل استعمال هذه العبارة وأميل إلي استبدالها بالتحرّر من الأحكام المسبقة بشأن الجنسانية فما أحوجنا اليوم إلي إعادة النظر في تعاملنا مع الجسد ونظرتنا إليه بل إنّنا في حاجة ماسة إلي عقد مصالحة مع الجسد قائمة علي المعرفة بأبعاده المختلفة والالتزام بالدفاع عن حقوقنا: حقّ الحرمة الجسدية ، وحقّ سلامة الجسد ، وحقّ امتلاك الجسد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.